حين نشعر بالعبء من الحقائق التي تسردها علينا الحياة متماثلها في المواقف والتجارب القاسية المريرة التي نخوضها , تبدأ الخرافة في التسلل الى أعماق حياتنا , وذلك حين تنسج بين خيوط الحقيقة أوهن الخيوط ولكن خوفنا – الذي بلغ حد الموت – يجعلنا نخشى من قطعها وإتلاف ذلك الوهم الذي نعيش كل يوم كي نتأكد فقط بأنه باق بقاء دفعات الهواء التي تنفسها في كل شهيق وزفير ! يقول أحد الأساتذة الجامعيين " لماذا لم يعد الناس صادقين مع أنفسهم !!!؟ " الصدق مدينة رحبة , متسعة أطرافها , لاينتمي إليها إلا من تركوا الأوهام الوهنة تشيخ على أعتاب أبوابها , التي لاتصدأ ولايكسوها الدود ( الرضا ) , وبالرغم من ذلك نجد الناس يتهافتون على الأوهام المتلونة حيثما تبلغ أنظارهم دون سواها – العقل – فلانجد من يقدر قيمة الحقائق , فأن سردت عليهم إحداها قاموا عليك بكل أساليب التشويه النفسي , وأن أغدقت عليهم بوهم عابر أو خرافة تتمايل على إيقاع نفوسهم , صفقوا لك ورفعوك على أعلى خشبة من روؤسهم . أنها الحقيقة المرّه الحلوة , فقط لمن يفهمها لامن يوسعها ضرباً مبرحاً , تحتاج لبعض التأمل , تلك الحقائق التي غابت أو غيبتها عقولنا , لماذا لم نعد صادقين مع أنفسنا !؟ .. ليس يُجاب عنه بجواب واحد فقط … بل يتماثل في عدة أجابات شاخصة أمام عقولنا …. تقرأ في كيس الحليب – دون ذكر الأسم – " من المزرعة الى المستهلك " , وحين تلقي نظرة على المحتويات تجد في أعلى قمة الرأس منها عبارة حليب مجفف !!! ترى الأستاذ يتباهى بمفهوم القدوة للطلاب , وفي منحنى آخر يسرد عليهم – أسماً وشتويهاً – موافق لشخوص مرت به , فقط ليستجدي بعض المزاح العابر الممتلىء بنكهة السخرية والغيبة . وللهروب من الواقع والحقيقة وكما يفعل بعض "المخزنين" , حين يحشر حزمة القات في فمه , ليبدأ بعدها بالتخيل ورسم صورة لحياته , كما لو أن له زوجة جميلة و منزلاً لطيفاً وسيارة مركونة في باحة المنزل , وما أن يفيق من أحلامه يرتطم رأسه بجدار الواقع الصلب , والذي يتمثل أحياناً بعدم إمتلاكه ثمن العشاء الذي سيملأ به معدته لتلك الليلة , فيصبح حين يصحو من بحو الأحلام على عصيبة من أمره , ولعل هذا مانلاحظه بشدة حين نرى المخزنين الأكثر عصيبة بين الرجال !!! وقد قالها فرنسيس بيكون قبل ذلك " أن الحقيقة قيمتها قيمة اللولؤ الذي يظهر لمعانه في ضوء النهار , ومع ذلك قيمتها ليست بقيمة الألماس (الأغلى سعراً وهيبة بين باقي الجواهر ), بينما الأكاذيب كالألماس الذي يظهر أوج جماله في الليل ( الخادع بإنكسار الأضواء وتلونها ) " لذا فأن الخليط بين الأكاذيب والوهم يضيفي حالة من البهجة على المرء مايجعله يستسيغها ويقبل تطاولها على حقائق العقل والمنطق . ومع ذلك وبرغم إجتماع الثلاثة على مائدة واحدة ( الأكاذيب , الأوهام, وإنكار الحقائق ) سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة , إلا أن محاربتهم لاتكون إلا بأن نكون أكثر صدقاً مع أنفسنا , مع الآخرين , مع تصوراتنا للواقع الذي نعيش فيه , فلانقول المكلا ستصبح تركيا أو دبي بعد 20 سنة , ولاننتهج أسلوب لسنا الوحيدون لكننا الأفضل , فلكل شيء عيوب وميزات , وعلينا إظهار ميزاتنا وعدم القلق من الجانب الغير مشرق , فالقيمة الحقيقية لوجودنا بإيجابياتنا وسلبياتنا , ورؤية الصورة كاملة لامنقوصة أو مُشبعة بالأوهام .