قرار الوزير العمراني، بإعادة هيكلة مؤسسة باكثير للصحافة والطباعة والنشر، وتشكيل هيئة تحرير للصحيفة 30 نوفمبر اليومية الصادرة عن مؤسسة باكثير للصحافة والطباعة والنشر الصادرة في مدينة المكلا؛ جاء القرار متأخراً، وربما كان ثمرة من ثمار ما يسمى ب"ثورة التغيير اليمنية"، ولكن يبقى أن نُذكّر أن حضرموت لم تكن بحاجة لمثل هذه القرارات المتأخرة والمترددة، والتي لا تعدو أن تكون من باب ذر الرماد في عيون الحضارم، خصوصاً، إذا ما أمعنا النظر في الميزانية المعتمدة لهكذا قرار، والتي لا تلبي الطموحات الكبيرة لطاقم إدارة وتحرير الصحيفة، ولا لمشروع بحجم مؤسسة إعلامية ومخرجاتها من صحيفة يومية وأخرى أسبوعية وإصدارات أخرى تطويرية قادمة! ولولا بعد توفيق الله ثم بالإصرار والمتابعة الجادة من قبل رئيس مجلس إدارة مؤسسة باكثير الأستاذ عبدالعزيز جابر لما رأت الصحيفة اليومية النور، فتحية من قلب صديق لصديقه هذا السبق وهذا الإنجاز. حاجة حضرموت لصحافة يومية وأسبوعية، ليس تشبعاً أو حديثاً بعيداً عن منطقية الواقع، بل هو استحقاق بدهي تناله هذه الأرض التاريخية المكتنزة لإرث عظيم في الصحافة "اليمنية"، كما يشير إليه صاحب "موسوعة الصحافة" عبدالوهاب المؤيد، وذكره نقيب الصحفيين الأسبق عبدالباري طاهر قائلاً: "نستطيع القول بكثير من الثقة والتأكد والصدق إن اليمنيين الحضارم هم وحدهم من بين اليمنيين الذين يستحقون صفة أو لقب رواد الصحافة اليمنية سواء في الوطن أو المهجر، إضافة إلى أنهم في المهاجر بالذات رواد في مبادرات وخطوات وغايات أخرى. وقد تمثلت ريادتهم في مجال الصحافة في ظهور أولى الصحف والمجلات اليمنية المهجرية التي ظهرت منذ فجر القرن العشرين ومثلت بداية مميزة للصحافة اليمنية. وكان من هذه المطبوعات الصحافية الرائدة من بين ماتم توثيقة وما تناوله الباحثون المعاصرون ما صدر خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين قبل صحف الإمام في العام 1906، و«الإصلاح» عام 1908 أصدرها محمد بن عقيل بن يحيى و«الوطن» التي أصدرها حسن بن علوي بن شهاب في 1910. صدرت هذه الثلاث في سنغافورة وكذا في أندونسيا: صحف «الإقبال» (محمد سالم بارجاء) و«الأمل» وكلتاهما في العام 1917، و«حضرموت» 1920 (عيدروس بن عمر المشهور) و«الإرشاد» ومجلة «الشفاء» وغيرها كثير مسجلة بمعلوماتها في جداول المرحلة وفي عرض نماذج منها". ليس غريباً هذا التجهيل المستهدف لأبناء حضرموت، من قبل مركزية نظام صنعاء السابق والحالي، فهذه المحافظة مطلوب منها، فقط، أن تبيح ثروتها وخيراتها لحفنة صغيرة من البشر!! أما المقابل، فالواقع سيحدثك كثيراً، ولهذا تجد في حضرموت تأخراً كبيراً في الحضور الإعلامي بشكل عام والصحافي بشكل خاص، ناهيك عن مشاريع التنمية الأخرى والبنية التحتية التي أصبحت مجالاً خصباً للاسترزاق والتطوير والارتقاء بأوضاع المسؤولين فحسب، أما على الأرض فخراباً بلقعاً وإن سموه كذباً وزوراً نهضة وتنمية. صحيفة شبام وقد مرت بتعثرات عملية، ومخرجات تكاد لا تتناسب ومكانة حضرموت التاريخ والإنسان والعطاء، يرجعها البعض إلى شحة الدعم، وضعف التشجيع والمؤازرة من قبل السلطة المحلية، يضاف إليها مماحكات ومنازلات بين الأفراد، والحديث المتكاثر عن الاستحواذ على المراتب الوظيفية، وكم سيُعطى؟ وكم سيأخذ؟ جعل العمل الصحفي ركيكاً ضعيفاً هشاً بسبب هذه الاهتمامات الجانبية، التي فرضتها الأوضاع الاقتصادية المتردية للإعلاميين، وغياب مواثيق الشرف واللوائح التنظيمية والقانونية لمهنة الصحافة. من باب التذكير لا غير، أنه لو قدِّر لصحيفة "30 نوفمبر" أن تستمر كصحيفة "يومية" وليست "أسبوعية" كما هي بدايتها الآن، فسيُعدُّ اختباراً قوياً لمدى قدرة الطاقم الإعلامي الموجود في إخراج صحيفة مهنية، وبشكل يومي، يقوم عملها على قواعد العمل الصحفي المتعارف عليها، فالانطلاقة القوية للمشروع تكلف الكثير من المال والجهد، وتدعوك وتحرضك أن تستمر، بأكثر من القوة السابقة، خصوصاً؛ والأنظار ترمقك، وتتأهب الألسنة لنقدك وشرشحتك؛ بتفصيل أخطاؤك، وتعداد زلاتك، ومن ثم تصنيفك، وأنت في داخلك لست كبيراً في طاقمك، ولا في نفسيات موظفيك، فلستم على قلب رجل واحد، وفي الأخير لست مرضي عنك من الجمهور العريض الذي أنت بحاجة لإقناعه بأنك تقف معه في محنته ومصائبه. إنه الاختبار الصعب، حتى وإن كانت صحيفة رسمية؛ فإذا سلمنا جدلاً أننا بعد ما يسمى ب"ثورة التغيير اليمنية" – ولسنا كذلك – فإن صحف الدولة الثورية، ينبغي أن تكون معبرة عن نبض الشارع، ليزداد تنافسها الإعلامي مع الصحف الأهلية المستقلة لكسب ود القارئ؛ فكلٌ منها يدَّعي أنه المعبر عنه؛ بتطلعاته وأحلامه وآماله، والمتنفس لهمومه وآلامه لكنَّ هذا لم يعد مفهوماً في أروقة الإعلام اليمني، الذي يمتلئ يوماً بعد يوم بكمٍ جديدٍ من المنشورات الصحفية، لا تزيد القارئ إلا حيرة وتشتتاً وضياعاً، فلا هي ثقفته وزادت من وعيه، ولا هي شكَّلت منه رأياً عاماً يستنار من خلاله لحل العقد المستعصية، وتوضيح المسالك المتعرجة وصولاً لبر الأمان لقضاياه المتشعبة. فالصحافة ليست تسويد بياض الورق، وتلوين العنوانات والصور، إنها صاحبة الجلالة والسمو، ورسالة مقدسة ونبيلة، قبل أن تكون مهنة أو تجارة أو منصباً أو وجاهة.