مدخل: أنا أمشي ببطء، ولكن لم يحدث أبداً أنني مشيت خطوة واحدة للوراء ابراهام لنكولن الرئيس السادس عشر للولايات الأمريكية في كل مرة من المرات تحاول فيها حضرموت أن تعبر إلى استقلالها، يأتي إليها من اؤلئك الذين يتلبسهم الخوف من اللاشيء، فيستعيدون من الخشية كل شيء يجعلون من العقبات الصغيرة جبالاً عالية نحتاج فيها إلى سنوات نتأمل في عظمتها، وسنوات طويلة أخرى لنبدأ خطوة أولى لعبورها، وسنوات أخرى حتى نصل إلى تجاوز عقبة أولى، وعندما نصل يخرج إلينا من المتلبسين بالوهم منّ يصنع عقبات أخرى. الذر الحضرمي: قع ذرة وكل سنكر، هذا حديث حضرمي من كبار آل حضرموت، يقول هذا المثل فعلاً لا قولاً، يقول هذا ونحن فيما بعد الحادي عشر من يونيو 2012م، قع.. أي أنه أمر، ذرة.. أي أنك أصغر من النملة، وكل سنكر.. أي عليك أن تأكل من بقايا البقايا فقط لتعيش، مجرد حياة صغيرة رخيصة لا قيمة لك فيها سوى أنك على هامش الحياة، ضعيف صغير نكرة، لا يهم ما توصف به غير أنك فقط تعيش في خارج الحقيقة والتاريخ. عندما يخذل الوطن أبناءه فهذه هي القسوة الأكثر قدرة على أن يتحملها الوطن فضلاً عن كل المجتهدين من رجالاته المخلصين وهم يحاولون تجاوز كل العقبات المصنوعة من خرافات وأساطير، الخذلان في داخل معركة الوطن هي القارعة للوطن أياً كان هذا الوطن، يصعب على أمثالي من النمل أن يصدقوا أن في وطنهم منّ يعيدنا خطوة وأن صغرت إلى الوراء، فمن غير المنطق أن تعود وتتلفت وأنت قد حققت نقطة وبدأت في كتابة سطر المجد الأول للوطن. هل حضرموت تحتاج إلى صف طويل من المخذلين لها، وهم صفوة الوطن وعلاماته ؟ تساؤل يرتمي أمام واقع الحال بكل ما في الحال من ألم واعتصار ووجع، هذا ما حدث في اشهار "مثقفون من أجل الجنوب"، ما حدث ليس مجرداً من حالة طبيعية بل هي لا تمت لطبيعة الحال والمآل، فثمة طعنة في الخاصرة في توقيت لا يلائم المرحلة وسيكون على التاريخ بحضوره الشاحب بعد أن زهى أسبوعاً كثيراً من العتب. الناظرون إلى القاع: في الأسقف السياسية عناوين بين تلك الشامخة وتلك الراضية بأكل بقايا البقايا من السكر والملح واللخم والمالح معها، انتظرت حضرموت طيلة ما يتجاوز خمسمائة عام ليخرج أصحاب السقف الأعلى من خلال عصبة القوى الحضرمية ليعبروا عن مضمون طبيعي ليس من نواحي النظر إلى حضرموت على أنها مساحة من جغرافيا وتاريخ بل من ناحية واحدة هي أن حضرموت أمّة، هذا هو العنصر الأكثر عمقاً في الرؤية والأبعاد لتقرير مصير الأمّة. كنا ننتظر من النخبة الحضرمية بياناً أو تصريحاً أو حتى صمتاً، ولم نكن ننتظر من تلك النخبة التي تصنف بأنها المثقفة فعلاً يطعن في خواصر العاملين والراحلين بنا إلى الوطن، هنا أتذكر حدثاً لشاعرين عظيمين في الثورة الفرنسية كانا في السجن أثناء الثورة، فنظر أحدهما إلى أرض السجن فبكى، ونظر الآخر إلى جموع الناس من نافذة السجن فضحك، هذه كتلك نظرة بين قوم ينطلقون إلى الأمام وآخرين ينظرون إلى ما تحدت أقدامهم. تجاوز اللحظة وطعنها هو أسلوب لم يكن منتظراً سوى من الخصوم، نظرة النخبة للجنوب العربي تحمل من مدلولات بشعة، بشعة لأنها تعطي للجنوبيين حق في حضرموت غير موجود، لا نعلم على أي مستند استندوا، فحضرموت بالسلطنتين القعيطية والكثيرية لما تكونا جزء من الجنوب العربي، أذن لماذا تذهب حضرموت إلى حالة من الجنون بيد أكثر أبنائها قراءة وعلماً بل وقدراً، تساؤل عل أحدهم يجيبنا ؟. هم.. فلول: ليسوا بفلول نظام الرئيس المحروق علي عبدالله صالح، وليسوا بفلول الحزب الاشتراكي المهزوم، وليسوا بفلول أنظمة نضال بادت بعد أن سادت، هم فلول لتك الأمثال الحضرمية الساكنة في دمائهم، تلك الأمثال المنكرة التي تعطي في الحضرمي الانكسار والانحناء هي التي جاءت بهم ليشهروا للحضارمة كل الخوف والريبة والخشية، هذه الفلول ليست على قدر المرحلة وليست في زمن الخطوة التالية للأسد الحضرمي الثائر. علمتنا الأيام أن نقارن بين الناس، هنالك من يقول هذا هو الشارع نملكه ولا تملكونه، ونحن نقول لهم قد غيبتم الشارع، فلم يعد الشارع يعي ما هي الحقيقة، وما هو التاريخ، وأين الكذب، وأين الزور، وأين البهتان ؟ غاب وعي الشارع الحضرمي فأصبح مأخوذاً بالخرافة، قد يكون للتعليم وللفقر صلة في هذا التغييب، غير أن يكون التغييب العقلي سمة عند النخب فهنا يحق للنملة أن تصرخ حتى يصحوا رفاقها، فهي أمام حالة من العجب لا تصدق. المشهرون هل يعرفون ما هو 1967م ؟ أجزم أنهم لا يعرفون، لأنهم لو عرفوا لما ذهبوا إلى المشاريع الضعيفة والصغيرة حتى البليدة، كيف يذهبون بحضرموت إلى كارثتها الأولى ؟ شيء من جنون، وشيء كثير جداً من الخطأ على الغارقين فيه أن يراجعوا في حساباتهم، هنا دعوة جديرة باستعادة القراءة لكل الماضي والمضارع والمستقبل، ندعوهم لأنهم في حضرموت أصحاب علم ومعرفة ودراية فلهذا ندعوهم إلى المراجعة. من نملة إلى أسد: كل المشاريع السياسية في حضرموت فيما بعد تقديم المذكرة الحضرمية في مؤتمر القاهرة عليها أن تراجع، تراجع وتدقق وتصوب، ليس عيباً فعل هذا وانتهاج أسلوب مسئول، وليس عيباً العدول عن الخطأ، الأبواب مازالت مشرعة للكل، نحن اليوم تحت شعار كبير، وعنوان عريض "حضرموت تقرر المصير"، ليس هذا توقيت زماني ملائم للتعصب والتشدد في الخطايا، فكم أخطأت الأجيال على بعضها، وحملت أجيال خطايا أجيال لسبب التعصب. حضارمة اليوم عليهم ان يراعوا حديثهم لبعضهم، عليهم أن يخاطبوا أنفسهم بصوت عالٍ، اخرجوا من بين الجدران، خاطبوا الأرض والحجر قبل البشر، خاطبوا أهل العلم والدراية، نعم لا أحد في حضرموت يمتلك الحقيقة وحده، الحقيقة تتمثل في الحرية والكرامة والعدالة في وطن جدير حضوره على عتبة التاريخ، فمن القلب المنهوك وجعاً وألماً نخاطب كل الرجال والأحرار على أرضنا وفي مهاجرنا أخرجوا إلى حضرموت وحدها. هذا عتب نملة، هذا عتاب حضرمي محب لكل حضرمي، لكل ما في حضرموت، نناشدكم ربكم أن تعاودوا القراءة في حالنا، تجاوزنا كل تاريخنا في القاهرة، تجاوزنا جنيف وعدن وصنعاء وضعنا قدماً، فتعالوا لنضع القدم الأخرى، فكلنا في هموم حضرموت واحد، وان تخاصمنا فنحن نجتمع على غاية واحدة هي حضرموت، فلا تتركوا سفينة الوطن وتقفزوا في بحر لا فيه من خير لكم ولا لنا.