إن العلاقة الجدلية بين الكاتب والقارئ تحتل موقعا متقدماً ، لان كل ما يسعى إليه الكاتب هو الاعتماد على صحة الأدلة وصدق المقدمات ودقة مصادره وذلك باستخدام المنطق استخداماً واسعاً في تضاعيف أسلوبه ليعرض بعدئذ أفكاره التي يسوقها للقراء مقرونة بالبراهين ، بعكس الكُتاب الذين يطلقون الكلام على عواهنه فيكون هرطقة كلامية لا معنى لها ، سيما في هذا الزمن الذي اتسعت فيه المناظرات الكلامية الخالية من الفعل الحقيقي . وكثيرة هي الكتابات التي تطالعنا بها المواقع التي تتحدث عن ما يعتمل في الواقع من أحداث وما ترسله من إشارات ربما أصابت أهدافها بإعطاء القارئ جرعة أمل في مستقبل واعد ، أو إنها أحبطته وأثقلته بأحمال ينوء بها كاهله ، والقارئ يكفيه اليوم همه الشخصي الذي أوجدته الظروف فلا يفيده الجدل العقيم ولا الحوار العبثي ، بل يفضل البيئة التي تسهم في نقله إلى فضاء رحب يستطيع من خلاله التنفس بهواء نقي لا أكسدة فيه .. ونحن هنا نقف في خندق القارئ وما يحسه حينما يتصفح تلك المقالات التي تملأ المواقع والصحف ، لأننا مثله قراء في المقام الأول لا تمييز بيننا وبينه ، فكلنا نلهث وراء المقال الذي يتجلى فيه جمال التفكير وجمال التعبير ، لان كاتب ذلك المقال يستمد توليد أفكاره من واقع الناس وهمومهم فتكون له حظوة ومكانة لديهم .. الكتابة عند بعض كتابنا ليست زخرفاً خالصاً يراد به إلى الوشي والحلي وما يندمج في ذلك من صور وتشبيهات واستعارات ، بل هي معان تؤدي في دقة تفسير الوقائع والأحداث لا تستره أسجاف الاستعارات والأخيلة ، بل هم يعرفون كيف ينقلون المشاهد بكل تفاصيلها ودقائقها تسعفهم في ذلك قدرة عجيبة على الملاحظة ، وهي قدرة جعلتهم يحسنون التصوير لما أرادوا الحديث عنه ، لأنهم يختارون ألفاظهم وانتخابها بحيث تلائم ما يصفونه ويصورونه للمتلقي فيطابقون الفكرة لمقتضى الحال ، وهذا لعمري المطلوب من كتابنا الأفاضل . والحياة تقدم لنا نماذج وأمثلة كثيرة ، بان الأقلام هي من يسقط البندقية ، وان وسائل السلم واللاعنف التي اتبعها قادة تاريخيون أمثال ( المهاتما غاندي ) حققت ما لم يحققه أي شئ آخر في تفكيك الظلم الاجتماعي .. ولعل القيادة هي الجامع لتلك الشعوب التي أصبحت اليوم في مصاف الدول المتقدمة تقنياً ..فلماذا لا نستفد من تجاربهم ونتخلص من تفرقنا وعدم الاتفاق فيما بيننا . وفي يقيني – الذي لا يخالجه شك – أن للكاتب طقوس في الكتابة حيث يخلو بنفسه في محرابها فيخاطب في لحظة تجلي الفكرة التي تتخلق كجنين يمر بمراحل عدة حتى يأتي المخاض العسير ، وفي الولادة تتضح معالم تلك الكتابة في أن تخرج بمولود معافى أو كسيح هزيل . والكاتب الحقيقي هو الذي يرتبط بوحدة عضوية مع قراؤه يجب أن يكون كريما في عطائه فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحا شفوياً باللسان أو الكتابة العابرة ، وإنما لا بد وأن يبادر الكريم في تأكيد عطائه ليكون الكرم كرماً حقيقيا .. وذلك بنور القلب وهدى البصيرة واستدلال الفطرة والبداهة .. نور نستشف منه ونستشرف على ينابيع الحقيقة في تدفقها البكر داخل قلبه ..حينئذ سوف يكف عقله عن اللجاجة والتنطع ويلزم حدوده واختصاصه ويدرك بان الكتابة مهمة أخلاقية ومسئولية يفرضها الضمير الإنساني ، وليس مجرد كلام نكتبه على إطلاقه .. فهلا كتبنا ما يفيد القارئ ؟