أن يتصف بعض ممن نعرف بالتكشيرة الدائمة، فقد يكون هذا أمرا عاديا من أمور الدنيا.. أو أن يكشر شخص ما في وجه أخيه بسبب، أو بدونه، (برضو) شي عادي، خلقة ربنا وحكمته بالغة قي خلقه..ان ينهر شخصاً الأخر في أي (مطراق) او (دكة) ويضعه تحت بند الإحراج .. (برضو) ممكن يهضمها الواحد بإحدى مواد الهضم في الظروف العادية.. طبعاً – ويمشيها تحت فئة ( الصفطة ) من النوع الثقيل. لكن في ظروف ما وفي احوال محددة يكون الامر شيئا من الصعب وصفه ، ويخرج عن دائرة (الصفطة) العادية،..خاصة عندما تدخل (النهرة) في نطاق إنسان مريض فهذا شيء مؤلم، وعندما يكون المريض طفلا ففي هذا الم شديد.. فما بالك إذا كان دلك الطفل مريض بداء السرطان الخبيث فهذا هو الإيلام الحقيقي.. كنت في مهمة شخصية في المستشفى المخصص للأطفال، ذلك الصرح الذي أراه رمزا لكل (نهرات) و تكشيرات الدنيا، وعذابات البشر.. دخلت إلى المختبر بشكل عادي .. وفي غرفة جمع العينات فجأة تعلقت عيناي بمنظر غير عادي.. أحد فنييي المختبر يجلس على كرسي وفي يده حقنة لأخذ عينة دم، وبجواره يجلس طفل في التاسعة او العاشرة من عمره وعلى يساره امرأة تبدو من ملامحها التائهة أنها والدة دلك الطفل، وعلى الأرض يجلس رجل بدون شك هو والده، محاولا الإمساك بيد طفله بدون فائدة.. لم يكن هذا الطفل مريضا عاديا.. فكل ملامحه وحالته تنطق بانه مصاب بذلك المرض اللعين الذي ينهش جسده البريء ويحرمه من نعمة التمتع بما هو متاح لأقرانه الأصحاء .. طفل أنهكه المرض تماما لأخر درجة في ذلك الجسد الهزيل .. طفل معذبة طفولته … متألم لأقصى درجات الألم ..كان يبكي بدرجة تؤلم الصخر، وتقطع القلب وهو يرفض تماما ان تلمس تلك الحقنة يده المعذبة بعدد طعنات الإبر اللعينة .. لم يكن في حالة (دلع) طفولي .. كان هذا الإنسان الصغير يردد بشكل ترفض أذني أن تنسى كلماته: ( ما بغيت شي إبر.. أنا خلاص تعبت من كثرة الإبر ) .. بصوت متألم، منهك، يخرج من جسد يحوم حوله شبح الموت بقوة.. ووالده يجلس ارضا محاولا اقناعه بضرورة ذلك ( خليه يغزك قليل .. من شان الفحص يا ولدي) ..رفض ذلك الطفل تحس بانه ينبع من وضعه المتعب، المتردد بين العلاج الكيماوي واخذ عينات الدم المتكررة .. وهو في أمس الحاجة للراحة في وطن يجبر مريض السرطان بان ينهض من سرير المستشفى لعمل فحوصات مخبرية خارجية ترهق جسده أكثر.. طفل وضعته الظروف أن ينهكه الكيماوي بدلا من اللعب مع أقرانه..شي مؤلما للغاية .. والأكثر إيلاما هو ما فعله فني المختبر.. الذي انتهر الطفل بشدة: ( خلاص ياخ على كيفك .. ما بغيت .. لا تبغي يلا) …!!!! ..وغادر غرفة الفحص بحنق تاركاً ذلك الحال كما هو .. منظر الطفل المثقل جسده بخلايا السرطان وهو يبكي.. ووالده الذي يجلس ارضاً عاجزا عن فعل شيء وهو يرى ولده على حق فيما يقول .. ووالدته التي تجلس في حالة مزرية تماما. دون شعور وجدت نفسي العن أبو هذه البلد .. ووسط دموع رفض سيلها ان يتوقف وبعد أن اعتذرت له عن تدخلي في عمله .. ولكن رأفة بهذا الصغير الذي يقف على حافة الموت.. رجوته أن يراعي حاجته بلمسة حانية تخفف عليه وطأة هذا الجبار الذي تنوء بحمله الجبال..رد بأشنع تكشيرة رأيتها في حياتي: ( اعمل له أيش يعني .. قال ما يبغى خلاص ما يبغى) …قلت له: (هو ما يبغى بكيفه يعني .. الرحمة بس ) .. ومع ذلك قذف لوالد الطفل ورقة الفحص أمامه قائلاً :( يلا شلوا ورقتكم وتفضلوا..معنا شغل !!). وذهب ذلك الجسد الصغير.. إلى أين .. لا ادري!! ..ولعنت تلك التكشيرة التي تنتصب أمام مريض يقف ملك الموت امام عينه .. ومع ذلك مورست في حقه كل قسوة الطبيعة الحضرمية بحجة..(يلا ما عندنا وقت ..) والحقيقة أن المشكلة ليست في الوقت .. ولكن في أننا لا نعرف للإنسان قيمة . لك الله أيها الصغير أنت ومن هم في مثل حالتك .. في وطن ( شيري بيري ) .. تنقصه الكثيييير من الإنسانية.