– أحمد عمر باحمادي شهد العالم خلال القرن الأخير تطورات كبيرة ومتسارعة في تقنيات الاتصال الأمر الذي أدى لزيادة عدد المستخدمين بصورة تصاعدية، وكان على رأس ذلك التطور انفتاح نظام شبكة الاتصال العالمية "الإنترنت" الذي يعتبر بمثابة أهم شكل من أشكال التطور التقني في القرن العشرين ومما زاد من رصيده أكثر أن ترافقت معه واندمجت به ظاهرتي تفجر المعلومات وثورة الاتصالات . وقد أحدث الإنترنت كأحد وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة أثراً كبيراً على صناعة الصحافة ونشأ نوع من المنافسة فيما بينها أي بين الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وسرى التنافس أيضاً حتى فيما بين جزئي النوع الواحد من الوسيلة نفسها، كما هو حاصل بين الصحافة الورقية والصحافة الإليكترونية وهو ما نحن بصدد مناقشته وإبداء الرأي فيه في هذه المقالة وضرورة أن نتبين لمن الغلبة في هذا التنافس إن لم يكن هناك تكافؤ بطبيعة الحال . تُعدّ الصحافة من أكثر وسائل الإعلام جماهيرية، والأكثر تأثيراً في الأفراد والمجتمعات، وهذه المكانة باعتقادي ما تزال حاضرة بقوة حتى في ظل التنافس الذي واجهته الصحافة عموماً من قبل الوسائل الأخرى، مما حدا بها أن تسلك كل السبل لتبقى متبوئة لتلك المكانة من بينها استغلالها للإنترنت وظهورها تحت لافتة أخرى سُميت بالصحافة الإليكترونية إلى جانب الصحافة الورقية، لكن الأولى طغت عليها السرعة والعجلة في جمع الأخبار بحيث ظهرت ذات تركيز شديد واقتضاب ولا تقدم إجابات شافية عن الجوانب المختلفة للحدث، ولعل كل ما حدث نظراً للتنافس المحموم بين الصحف الإليكترونية والمواقع الإخبارية، مما أفقد المواد الإخبارية دقتها. إلى جانب ذلك نرى أن الصحافة الورقية تحفل بالمزيد من الشرح والتفسير والتحليل لمضمون المادة الخبرية، وهذه الإيجابية مما يُحسب لها إضافة لمختلف الفنون الأخرى التي لم نذكرها واكتفينا بإيراد الخبر كمثال سقناه مما سبق. من الناحية التصميمية نجد أن تصفح الصحف الورقية أسهل بكثير من الصحف الإليكترونية ذلك أن عملية عرض الثانية من خلال شاشة الكمبيوتر أو أية شاشة أخرى لا يتم إذا كانت عملية التصفح بالشكل الرأسي، وهو ما يسهل عملية الاطلاع الفوري على المحتوى الأمر الذي يصبح أكثر صعوبة من خلال الشاشة . من حيث التفاعلية وكمية المحتوى المحدد واستخدام الوسائط المتعددة نجده بشكل متفرّد في الصحافة الإليكترونية ولا نراه على الصحف الورقية، فمن خلال قدرة الصحف الإليكترونية على نشر كميات كبيرة جداً من المحتوى غير المحددة بقيود المساحة، واحتوائها على الوصلات الافتراضية والروابط وتوفير قدر من التفاعل من خلال التعليق أو المراسلة، إلا أن كل ذلك لا يجب أن يجعلنا متفائلين أكثر، فبالرغم من فائدتها الملموسة إلا أنها تتيح في أحيان كثيرة للقارئ قدر لا متناهي من المعلومات والبيانات وتجعله يتنقل من محتوى لمحتوى آخر، ومن موضوع إلى موضوع آخر قد لا يمتّ لما قبله بصلة، الأمر الذي يصيبه بالملل وربما يدفعه للتوقف عن القراءة تماماً، وحتى لو تغلب على الشعور ذاته فإن ذلك يقلل من قدرته على تركيز المعلومات واستيعابها بشكل جيد، كما أنها تجعله يعيش نوعاً من الضياع في بحر متلاطم من المعلومات ما يجعله يخرج ولو بعد ساعات من التصفح والإبحار في أمواج المعلومات خالي الوفاض ويحس أنه لم يحصل على مبتغاه . وهذا الإحساس لا شك يشعر به الكثير منا، ولعلني أذكر كثيراً الأشخاص الذين تخلوا عن الإنترنت تماماً أو على أقل تقدير عزفوا عن كثرة التصفح خلال إعدادهم لأبحاث أو دراسات أو حتى التصفح الاعتيادي نتيجة للسبب ذاته، وفضلوا القراءة من الكتاب أو الصحيفة أو الاستعانة بمراجع ورقية بعد أن شعروا أنهم أضاعوا الكثير من الوقت والجهد من دون طائل . من جانب آخر فإن الصحف الورقية تتوفر في أماكن بيع محددة وأزمنة محدد هي أزمنة إصدارها، وبالإمكان أن تنفد أعدادها ولا يستطيع الشخص الحصول عليها، هذا إذا كانت تُطبع بأعداد محددة، بالمقابل من ذلك نجد الصحف الإليكترونية تتوافر في أي مكان وفي أية أوقات من ليل أو نهار، ولكن ذلك لا يتم إلا من خلال امتلاك القارئ لجهاز حاسوب وضرورة توافر خدمة الإنترنت بغض النظر عن دور مقاهي الإنترنت المحددة بفترة زمنية خلال عملها وهنا تكمن الصعوبات في أمر الوصول للصحف الإليكترونية، إضافة لما يمكن أن يطرأ عليها من مشاكل إضافية كضعف الشبكة أو انقطاعها كليةً، أو بطء تحميلها ( كل هذه المشاكل متوفرة بكثرة في اليمن ) أو عند إصابة جهاز الحاسوب بفيروس يوقفه عن العمل ويستلزم حينها إعادة تثبيت برامج جديدة . تفوقت الصحف الإليكترونية على نظيرتها الورقية في جانب الفورية وسرعة مواكبة ونقل الحدث وتقديم التغطية المباشرة والمستمرة والشاملة له خلال ساعات اليوم الأربع والعشرون، ولكن ظهر إلى جانب كل ذلك أن السرعة والخاصية الإليكترونية قد باتت ثمناً مقابل الجودة والدقة، وبات هاجس السعي المستمر لتحديث المواقع وفقاً لآخر التطورات مقللاً من الحرص على تقصي الحقائق والتحليل المتعمق لها، وأوضحت بعض الدراسات في هذا المنحى أن المنافسة الشديدة بين الصحف الإليكترونية لتقديم المعلومات لحظة بلحظة لم يجعل هناك متسعاً من الوقت للتأكد من دقة المعلومات . هناك خاصية ملفتة تتميز بها الصحف الإليكترونية وتعتبر في نفس الوقت مثلبة لها، فمعظم الصحف الإليكترونية ( خاصة التي لها نسخة ورقية ) تعمل على إعادة تقديم المواد التي سبق نشرها مطبوعة، وهذه المواد لم تُعدّ في الأساس للنشر الفوري، ما يُعتبر إعادة إنتاج وتنظيم لما سبق إنتاجه بواسطة الصحيفة الورقية وهو ما يُسمى ب "ما بعد النشر المطبوع" وهذا الشكل يعتبر الشكل الرئيس المتبع في الغالبية العظمى من الصحف الإليكترونية على شبكة الإنترنت . من السهل على أي شخص أن يبدو كاتباً على الإنترنت، فمما هو معروف من خلال الدراسات الاستقصائية لحال العديد من مواقع الإنترنت تبين أن الكثير من تلك المواقع الإليكترونية تتجاهل القواعد الأساسية للكتابة الجيدة، إلى جانب عدم إعارة قواعد النحو والإملاء مزيد عناية، وغض الطرف هذا إن صحّ التعبير أعطى الفرصة لكل من هبّ ودبّ على اقتحام مجال الكتابة والتحرير وإن كانوا لا يمتلكون أية خبرة أو ممارسة تؤهلهم لخوض غمارها، أما الصحافة الورقية فهي المجال الحقيقي والساحة الكاشفة لكل مدّعٍ فلا يغامر باقتحامها إلا كل متمكن بغض النظر عن الحالات الشاذة التي ابتليت بهم حتى الصحافة الورقية لأنها تركز على جودة المضامين وخلوها من أية أخطاء بنوعيها النحوي والإملائي مع ضرورة أن تكون المضامين مكتوبة بلغة راقية تبعث على النظر باحترام للمضمون ما ينعكس بدوره على الصحيفة الورقية . من خلال المقارنة السريعة السابقة التي أوردناها في بعض النقاط ولعل غيرها كثير فإننا نعتقد وهذا رأيي الشخصي أن العلو والغلبة تظل للصحافة الورقية، إضافة للامتيازات المذكورة من خلال المقارنة إلى جانب شخصيتها المتميزة المرتبطة بالجمهور وتغلغلها في الوجدان الجمعي لطبقة واسعة من القراء حتى وإن فاقتها الصحف الإليكترونية في مجال التطور التقني . المرجع : ملخصات شخصية لمقرر الصحافة الإليكترونية،قسم الصحافة والإعلام،م3