الحملة الثانية التي لوحت بها السلطات السعودية ستقضي على آمال المغتربين الذين ينظرون إليها بتوجس وخوف ، وتسكن مخيلتهم أحلاماً مزعجة ستنهار على أثرها كل الأهداف التي رسموها قبل أن تطأ أقدامهم أرض الحرمين الشريفين .. إن ما يدور في دهاليز السياسة من مد وجزر لم تكتشف معالمه بعد ، السعوديون لديهم أجندتهم ومصالحهم غير الواضحة التي قد لا يفقها الإنسان العادي ، وما تجدر الإشارة إليه أن القرار السعودي بتفعيل اللوائح الرسمية جاء كي يخلق واقعاً جديداً ، ستُدخِل المغتربين في حالات من التيه والضياع وهي آلية جائرة ويكمن تعقيدها في توقيتها المرتقب . يقول خبراء اقتصاديون بأن تفعيل هذا القرار يأتي في إطار الخلاف على التنقيب ووقوف قبائل يمنية تقع مناطقهم على الحدود المحاذية للسعودية ضد مساعي الأخيرة للتوغل وبناء جدار عازل مساره يدخل بنحو20 كيلومتراً في عمق الأراضي اليمنية على حد زعمهم ، كما يضيف بعض المحللين السياسيين بأن تداعيات القرار السعودي يأتي بعد رفض الرئيس عبد ربه منصور هادي التوقيع على اتفاقية الحدود ، وتعد العمالة ورقة ضغط قوية يملكها السعوديون لإجباره على التوقيع ، وفي حال إصراره على موقفه فأن خطتهم قابلة للتنفيذ ، مما سيشكل ذلك عبئاً ثقيلاً على كاهل الاقتصاد اليمني الذي يعاني أصلاً من الاعتلال ، مصادر مطلعة قالت ل"الأولى" إن "هادي" كان قد طلبت منه السعودية التوقيع على معاهدة جدة المبرمة بينها وبين الرئيس السابق صالح، لضمان عدم سعي القوى اليمنية إلى نقض الاتفاقية بما أنها موقعة من قبل رئيس أطاحت به ثورة شعبية، إلا أن الرئيس هادي طبقا للمصادر، رفض التوقيع بحجة أنه رئيس انتقالي مؤقت ولا يحق له التوقيع في هذه المرحلة، وعلى الفور بدأت المملكة إجراءات تهدف إلى الضغط عليه بينها ترحيل العمالة اليمنية من أراضيها، بينما أشارت مصادر أخرى إلى مشكلة ناشبة بين الطرفين بسب ملحق إضافي لاتفاقية جدة يمنع من التنقيب عن النفط على مسافة 100 كيلو متر من الحدود المشتركة يرفض "هادي" التوقيع عليه أيضا. وهو ما كشفه تقرير جديد للأمم المتحدة يحمل (صفة سري)، أن القلق لا يزال مستمراً بشأن الوضع في الحدود اليمنية السعودية، وأن ترحيل اليمنيين يأتي للضغط على الرئيس هادي للتوقيع على معاهدة "جدة" كما نقلت بعض المواقع بأن الزيارة المرتقبة للرئيس عبد ربه منصور هادي للرياض قد تم تأجيلها أكثر من مرة ، وهي مناورة سياسية من قبل السعوديين لكسب الوقت لحين موعد الحملة الثانية وهم عليمون بأن مثل هذا الضغط قد يؤتي ثماره من حيث التوقيت وفرض الشروط . إن ما تنوي السلطات السعودية القيام به يندرج في إطار تحقيق أهدافها في التخفيف من العمالة اليمنية وترحيلها وهو أمر سيخلق واقعاً صعباً أمام الحكومة اليمنية ذلك إن أغلب العائلات تعتمد على التحويلات المالية من أبنائها المغتربين الذين يعملون هناك ، رغم ان الضرائب السنوية وإجراءاتها قد قللت من أهمية هذه التحويلات المالية ، إذا ما تم حسابها بشكل دقيق حيث نجد ان المغترب بالكاد يحتفظ بشئ لنفسه وعائلته بل أحيانا يستدين قيمة تلك الضرائب والرسوم السنوية .. والكل يعلم بان الحملة الأولى بدأت قبل ثلاثة أشهر وتم إيقافها بموجب مرسوم ملكي لتمنح المغتربين مهلة لتصحيح أوضاعهم ، ومن المتوقع ترحيل ما يقارب ثلاثة ملايين مقيم بعد انتهاء المهلة المحددة .. ما لم تصدر تعليمات أخرى بالتأجيل ، سألت صديق لي يقيم بالمملكة : عن الجدوى من ترحيل العمالة الأجنبية ، وهل ستخدم هذه الخطوة رجال الأعمال السعوديين ؟ أجابني على الفور قائلاً : طبيعة عملي تجمعني بشخصيات لها ثقلها الاجتماعي ومقاولون سعوديون ومن حديثي معهم أكدوا ان المتضرر الحقيقي من هذه القرارات والحملات هو الاقتصاد السعودي ورجال الأعمال أنفسهم لأن مشاريعهم قيد العمل ستتوقف وستتعطل كثير من أمورهم . إذا لم يتم تمديد المهلة ثانية لتصحيح أوضاع العمالة الأجنبية . وهنا نجد أنفسنا أمام حالة من إنعدام الوزن .. لأن من يفكر بالتخلص من العمالة ولم يضع البدائل الحقيقية للإحلال سيواجه مشكلة عويصة في المستقبل ، خاصة وأن الشباب السعودي ليسوا في وارد الانخراط في الأعمال الإنشائية وكذلك الأعمال الشاقة ،وما تفعله حكومتهم قد تكون له انعكاسات سلبية في علاقاتها مع الدول التي تبعث بالعمالة للسعودية التي بدأت بوادرها بالظهور . يقول مغترب : قبل أربعة أشهر جاء إليّ زميل من المحافظات الشمالية وأخبرني عن شخص من منطقته وقال بأنه في اليوم الذي استلم فيه الإقامة قاده حظه العاثر وجعله أمام ضابط سعودي الذي طلب منه إبراز أوراقه ففعل فنظر الضابط إلى مكان الإصدار (القصيم ) فسأله لماذا أنت في الرياض فقال له جئت لزيارة أحد الأصدقاء فقال له أنت "عماله مهملة " فقام الضابط بقص إقامة هذا المغترب .. تسمر المسكين في مكانه ونطق بعد هنيهة ( اتق الله أنا متزوج حديثاً ، بعت ذهب زوجتي كي آتي إلى هنا ) .. فرد عليه الضابط بكل صلف وعنجهية : (ارجع لليمن اشرب لك نفط ) . ويقول مغترب آخر : شيخ طاعن في العقد السابع قضى معظم عمره في خدمة المملكة تزوج فيها ورزق بأولاد لا يعرفون وطنهم ، ذهب في ذلك اليوم "للصناعية " لأخذ قطعه غيار لسيارته بعد مروره على أولاده في المدرسة وأخذهم معه وهناك يلتقي بضابط سعودي في المحل الذي سأله عن الإقامة فسلمها له واثقاً فأخذها الضابط وقصها إعتقاداً منه أنه يعمل في محل قطع الغيار ، فطلب منه مرافقته رغم توسلات هذا الرجل المسن بوجود أولاده في سيارته .. وتم ترحيله .. من يحمي هؤلاء ؟ ومن يحاسب أولئك ؟ أعجبني تصريح للأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز .. أوضح فيه : إن المملكة العربية السعودية تواجه خمس قنابل موقوتة تتمثل في عدم تنويع مصادر الدخل واستهلاك الوقود المفرط والانفجار السكاني والبطالة والفقر. جاء تصريح الأمير الوليد من خلال تغريدة له على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وأضاف الوليد قائلا "الداء شُخّص.. نريد الدواء!". والمضحك المبكي في آن معاً : أن الدين قد تم توظيفه في تلك القرارات .. حيث نصت : ( بأنه لا يجوز للمقيم أن يؤذن أو يصلي بسعودي ) وآخر ما تناقلته الصحف هناك ( بأنه لا يجوز للعامل أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان إلا بموافقة كفيله ) ولا ندري إن كان ما ذكر صحيحاً أو من باب التندر . المغتربون يحبسون أنفاسهم خشية الترحيل المرتقب ، فهل من مفاجأة غير متوقعة تبدد إحساسهم بالخوف ؟ الأيام حبلى .. ربما جاءت لحظة بدل الله فيها الأحوال من حال إلى حال .