بعد غياب طويل عن ساحة الرأي العام، شغل فراغه المتحزبون بعصبية، والمتشدقون بخطاب الأزمات، والمتسلقون على ظهر الثقافة، عاد المفكرون والمثقفون والأدباء إلى الساحة اليمنية في حشد غير مسبوق لتأكيد ضرورة حماية المكتسبات الوطنية والديمقراطية والوحدوية، ولتوجيه الدعوة لتضافر الجهود بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني في إطار مشروع وطني شامل للنهوض بمستوى الوعي الحقوقي في الاتجاه الذي يتزامن مع مشروع تنموي نهضوي حتى لا يغدو عرضة للاستغلال. وأكدوا أنهم سيقفون بحزم مع القيم الديمقراطية والشرعية الدستورية وحماية المكتسبات الوطنية والديمقراطية والوحدوية الشاملة، معتبرين ما يجري من توتير للأوضاع وإثارة للشغب- المسلح- والفوضى تحت لافتات وشعارات انفصالية، لا تعبر إلا عن إفلاس في الانتماء للوطن. وشددوا على أنه مهما تكالبت المؤامرات فلن تنال من عظمة وشموخ اليمن ووحدته المحصنة إرادة الله وكل الشرفاء ، مشددين على أن الثوابت الوطنية والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان يجب أن تصبح من الثوابت في العمل السياسي الوطني ولا يجوز أن تغيب عن أي برنامج عمل ، أو مشروع أو موقف يومي. جاء ذلك على هامش ندوة (دور الثقافة في حماية الوحدة الوطنية) التي نظمها فرع اتحاد أدباء صنعاء، اليوم الخميس بمقر الاتحاد، بالتعاون مع الأمانة العامة للاتحاد، وشارك فيها عدد من الكتاب والشعراء وفي طليعتهم الأستاذ خالد الدرويشان – وزير الثقافة السابق، والدكتور عادل الشجاع – أستاذ النقد الحديث، والمفكر / أحمد قائد الأسودي- رئيس مركز القرن 21 ، والدكتور/عبد الله البار– رئيس اتحاد الأدباء ، والأستاذ أحمد ناجي أحمد – الأمين العام المساعد للاتحاد ، والأديب / محمد العولقي. وفي الندوة التي افتتحتها الأستاذة/ هدى أبلان- الأمنية العامة للاتحاد ، وأدارها محمد القعود – رئيس فرع اتحاد أدباء صنعاء، تم تقديم عدد من الأوراق والمداخلات تتطرقوا خلالها إلى دور الثقافة والإبداع في تدعيم الوحدة والديمقراطية والتأسيس لحرية الرأي وكذلك إلى الأدوار النضالية الريادية والفاعلة للشخصيات الثقافية والأدبية والمؤسسات المعنية وعلى رأسها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي كان له ولقيادته دوراً ريادياً منذ العقود الأولى من القرن الماضي في تجسيد أهداف ومبادئ الوحدة منذ بداية التأسيس للاتحاد / الذي أرساه الأديب والمفكر الراحل عمر الجاوي. وأكد الدكتور عادل الشجاع – أستاذ النقد الحديث: إن مواجهة المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية ليست مهمة سياسية دون غيرها أو حزبٍ دون آخر ،بل مهمة الجهات والمؤسسات وهي مدعوة إلى مواجهة هذا التحدي. وأشار إلى أن ثلاثة من العوامل ساهمت من دون شك في إيجاد التربة الخصبة لنمو ظاهرة التصدع في مسار الوحدة الوطنية، العامل الأول: يتمثل في سيطرة نوع التفكير الشمولي على مختلف القوى السياسية والاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى توتر مذهبي ومناطقي مفتعل. وأستطرد الشجاع – فمثل هذا الخطاب يتحول مع الوقت إلى خطاب مغلق على ذاته بل يصبح خطاب وأصحابه أهم من المجتمع حتى من الجماعة التي أنطلق في الأساس ليعبر عنها وليدافع عن وجودها.. أما العامل الثاني: فهو المرتبط بعملية الفساد المالي والإداري والذي قامت على هامشه واستفادت منه جماعات طفيلية حققت ثروات خيالية، منوهاً إلى أن هذا الفساد قاد بالضرورة إلى توتر واحتقان على المستوى الشعبي، الأمر الذي يجعل من الأوساط الشعبية فريسة سهلة لأي خطابٍ تحريضي.. أما العامل الثالث: هو الارتباط الوثيق بالقوى السلفية التي تريد العودة باليمن إلى نوع من السلفية إلى نوع من الكلامية لتعطل كل محاولات الحاضر والمستقبل نحو التقدم والديمقراطية و تعزيز الوحدة وترسيخها. ورأى الشجاع أن مسؤولية وحدة القوى الحية في المجتمع، ولاسيما المعارضة المدنية أن تعمل على تحصين وحدة الوطن وعدم الانزلاق في فخ التحريض المذهبي والمناطقي، داعياً السلطة والمعارضة وعلى كل المستويات أن يخرجوا من اللغة الاطلاقية الأحادية الجانب القائمة على التعبئة والإقصاء والارتقاء إلى النبرة الحوارية القادرة على الانفتاح نحو الآخر واستيعابه. وشدد على الثوابت الوطنية والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان يجب أن تصبح من الثوابت في العمل السياسي الوطني ولا يجوز أن تغيب عن أي برنامج عمل، أو مشروع أو موقف يومي. وقال خالد الرويشان: أحسب أن ما يجعل الزمان يحاكي نفسه وخاصة في هذه اللحظات الحرجة والمحرجة التي يحاول المتربصون بالوطن ووحدته إلى يزعزعوا الصف الوطني في وقت ونحن اليوم نكرس هذه الندوة عن دور الثقافة في حماية الوحدة الوطنية وفي عقر أول منظمة وحدوية وحدت اليمن قبل أن يتوحد جغرافياً وسياسياً وروحياً وهو اتحاد الأدباء الذي قدم أدواراً ريادية وظل مستشعراً بأهدافك وأحلامه الفكرية الوحدوية الراسخة إلى اليوم، مؤكداً أن الأدباء والمثقفون هم المعنيون أكثر من أي وقت مضى في الدفاع عن المكتسبات الوحدوية وهم الذين يقع على عاتقهم تكريس ثقافتهم وفكرهم وضخه إلى العقول التي تأبي إلا أن تكن في منأى عن الدفاع عن الوحدة. وأشار إلى أن الثقافة والمثقفين هم صفوة المجتمع وبهم يمكن أن يتأثرون أصحاب العقول المتحجرة التي تريد أن تعود باليمن إلى ما قبل 22 من مايو 1990م. وأضاف: أن اليمن لا يمكن أن يقدم نفسه وإنجازاته الوحدوية إلا من خلال محور الثقافة، وتطرق الرويشان في سياق محاضراته إلى واقع الثقافة والمشهد الثقافي في العام 2004م، أبان صنعاء عاصمة للثقافة العربية، معتبراً أن اليمن كانت محل أنظار العالم العربي وحديث المثقفين والمفكرين على مستويات مشاربهم وأطيافهم الأدبية والفكرية، وكانت جذابة بأصالتها وثقافتها وتاريخها وما تزال صنعاءواليمن عامة بعيون الآخرين رائعة بإبداعاتها بما تعنيه الكلمة من معنى. ونوه إلى أنه لولا الوحدة لما كانت سبباً في تقديم اليمن إلى العالم والمبدعين بالشكل الذي تحقق اليوم على عكس ما كان المبدع اليمني قبل الوحدة في خارطة النسيان، مبيناً أن اليمن تمتلك الكثير من المقومات الإبداعية ما يجعلها مؤهلة أن تقدم نفسها للعالم كل يوم بصورة أكثر دهشة عن سابقاتها. ووصف الرويشان ما يجري هذه الأيام من بلبلة يقودها المتقاعدون وبمناصرة أعداء اليمن لا تعبر إلا عن إفلاس في الانتماء للوطن، وأن مهما تكالبوا في التآمر فلن ينالوا من عظمة وشموخ اليمن ووحدته المحصنة بإرادة الله وكل الشرفاء الوحدويين من أبناء الوطن اليمني الواحد الموحد من المهرة إلى صعده وعلى رأسهم الرئيس على عبد الله صالح - رئيس الجمهورية. من جهته هشام على بن على– وكيل وزارة الثقافة- وصف ما يدور حول الوحدة والانفصال ب"المقزز"، وقال: إذا استطاعت هذه الرموز فرض أفكارها السوداوية والعنصرية والانفصالية سيفتح الباب لأعداء اليمن أن تكن بوابة للقلاقل والفتن ،وهذا من المستحيل أن تفرض على أكثر من عشرين مليون أفكارها وأهدافها المشبوهة التي باتت محصنة بتلاحم كل اليمانيين. وأكد هشام أن شمس الوحدة قد شاع ومن المستحيل أن يعودوا باليمن إلى الوراء ، داعياً إلى التفكير بالمستقبل برؤى وأفكار نيره وترك الحديث عن الماضي. وبين المفكر / أحمد قائد الأسودي في ورقته (فلتكن الوحدة –المشروع الخاص لكل مواطن) أن الوحدة كانت مشروعاً خاصاً للمثقف ولا تزال كذلك، كما كانت الوحدة مشروعاً خاصاً للسياسي ولا تزال كذلك – لكنها اليوم بحاجة إلى أن تكن مشروعاً خاصاً للمواطن. وأكد إلى أن المواطنة المتساوية والأمر بالعدل هي مرتكز المشروع الوحدوي ليكون بمثابة المشروع الخاص لكل مواطن وفي هذه المرحلة بالذات، محذراً أنه إذا لم تتضافر الجهود المسؤولة فإنه قد يترتب على إعاقة المشروع من مخاطر تهدده وخاصة في ظل ما يجري من توتيراً للأوضاع تحت لافتات عديدة تحمل مظالم حقيقية وأن ما رافقها من إثارة للشغب المسلح والفوضى لا يستهدف إسقاط السلطة بقدر ما يستهدف إسقاط الوحدة ليشطر الوطن إلى أسوء مما كان عليه لا سمح الله.