منذ أعوام وهي عند مدخل نفق التحرير تترقب رزقها، والمسبحة البيضاء لا تفارق أناملها.. وليست كما الباعة تتوسل الوجوه، فعيناها سارحتان بألف حكاية وحكاية، فثمة خمسة أيتام في الانتظار.. ما زالت تكافح رغم أنها تجاوزت الستين.. فالأمناء وعاقل الحارة يأكلون معونات الجمعيات، ووزارة الشئون لم تشفق لحالها وتمنحها معاش.. وحتى الرئيس الذي تدعو له كل يوم لا يعرف بحالها، فلم يبق لها غير الله، فهو الكريم الذي لا ينسى عباده.. كانت تضع أمامها بضع قوارير لبن، وطبق بيض مسلوق، وحين طلبنا منها الإذن بحديث للصحافة، ردت علينا بلهجتها الدارجة "ايش با يقع لنا منكم من الحديث مع الصحافة؟ وعن ايش تشتوا تتكلموا معكم!؟" حين شرحنا لها إننا نريد إيصال صوت الناس الفقراء والمكافحين للمسئولين، قالت: أن اسمها حورية الحرازية، من مواليد قضاء حراز بني إسماعيل، تعيش في حارة "السنينة" في الجهة الغربية للعاصمة صنعاء. تقول الحاجة حورية: أن معها خمسة عيال- 3 أولاد 2 بنات- كلهم أيتام، حيث أن ابنها الكبير عمره (40) سنة، لكنه مريض داخل البيت "لامعاه لا شغل ولا مشغلة"، وهم يعيشون في بيت ملك عبارة عن "سقيفة"، ومع ولدها (8) أولاد وأمهم. سألناها عن رزقها من اللبن والبيض، فقالت: أكسب في اللبن (5) ريال بعد كل علبة أبيعها، وكذلك البيض، والذي أحصله في اليوم لو زاد يصل (250) ريال ربح من بيع اللبن والبض، إذا قضى الله الحاجة، وإذا ماشي كله بيد الله، راضين بالمقسوم. وفيما إذا كان ذلك يكفي للمعيشة، قالت إن "الله بينزل بركته على طعامنا، ورزقنا والمبلغ يسد الشيء القليل من الحاجات الضرورية، لكن عند المرض والعلاج نرضخ لأمر الله! أما الأكل وغيره فإننا نصبّر أنفسهم، والشكاء لغير الله مذلة" سألناها إن كانت تحصل على معاش من صندوق الرعاية الاجتماعية، فقالت: "ماشي معانا معاش من صندوق الرعاية"، وأفادت أنها راجعت كثيراً ولكن "بلا فايده"، وإن "الملف والصور عندها- تقصد الوزيرة- قدهن في كل مكان من كثر ما عاملنا على معاش من عند حقكم الوزيرة، ومدري صورتي وصور جهالي وحقي الملف قدوا عندهم أو لا ، هم بيضحكوا علينا"! ولمّا أخبرناها بأننا سنوصل صوتها لوزيرة الشئون الاجتماعية، قالت: " قولوا للوزيرة تقلش حورية الحرازي قد ملفها عندكم، وقد خسرت لوما قلت بس.. قلوا لها تدّي لنا معاش"! ثم ضحكت كما لو أنها غير مصدقة، واستأنفت قائلة: "أمانة عليكم إذا لقيتوا الوزيرة قلوا لها حورية وجهالها، وجهال جهالها بغير معاش، وإذا قالت لكم ناهي انتو تعرفوا مكاني.. بشروني أيش قالت لكم.. لان ماعاد بش معي شي، لا زلط، ولا رُكب أسير أراجع.. ثم بدت الحاجة حورية كمن يستغيث بيأس، قائلة: "جبركم، وبزاكم جهالكم افعلوا خير في عجوز مثلي، وقلوا للريس إحنا بندعي له أن الله يوفقه، وينور طريقه، بس لا يفلتنا هكذا للعقّال والأمناء.. لأنهم بيشلون كل شي علينا، لا رحموا ولا خلوا رحمه الله تنزل".. "الله ينصره عليهم، وايش ما اشتيه يشتي يوبه لنا.. أوبه وإلا لنا الله"..! ويبدو أن الحاجة حورية لديها تجربة مريرة مع الأمناء والعقال، إذ عندما سألناها عن المساعدات التي توزعها الجمعيات الخيرية، أخبرتنا بأن هذه الصدقات يأخذها الأمناء وعاقل الحارة، ولا تصلهم!! حورية الحرازي أم مكافحة، تتحدث عن الكرامة، وعزة النفس، والكسب الحلال.. لكنها في نفس الوقت تشعر أن لها حق في هذا البلد وخيراته، لذلك هي ما زالت تنتظرنا عند مدخل نفق التحرير المواجه ل"باب السبح"، لنحمل لها البشارة من الدكتورة أمة الرزاق حمد- وزيرة الشئون الاجتماعية، أو من عند فخامة الأخ رئيس الجمهورية.. فيا ترى هل سنحمل لها البشارة فعلاً أم سننتظر مثلها!!