أغلب دول العالم الثالث وخاصة العربية منها - في عصرنا الحاضر وفي ظل الأوضاع الراهنة - تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية. ويبدو من المشهد العام إن دوامة ورياح التغيير السريعة في الناحيتين الاقتصادية والسياسية تكاد تعصف بالجميع. الأمر الذي يلقي بالمسؤولية التاريخية على كاهل كل شركاء العملية السياسية حكومات ومعارضة. والأدهى والأمر من شركاء العملية السياسية- حكومة ومعارضة على السواء- هو تقديم أطماع جزئية ضيقة على امن أي بلد واستقراره مما قد يؤدي نهائيا إلى فقدان استقلالية الأوطان بأكملها. فعندما توظف الديموقراطية وحرية الرأي- من قبل الحكومة أو المعارضة- لغير المقاصد النبيلة فإنها تستغل لتشويه الرصيد الايجابي لتاريخ أي أمة. حينها يتعرض هذا الوطن أو ذاك للسقوط ويصادر على أثره قراره السياسي والاقتصادي ويصبح البلد رهينة للتدخلات الأجنبية. حكومات البلاد العربية توصف بأنها غير ديموقراطية في حين أن الشعوب حقيقة لا تدرك ما تريد وما هي واجباتها أو حقوقها. وكنتاج طبيعي للتقاسم الأعمى للموروث الديموقراطي فانه سرعان ما يلمس الأثر السلبي وهو الاتهامات المتبادلة بين أطراف النزاع الديموقراطي ويتطور إلى كارثة على البلاد والعباد. وعلى اثر ذلك وكأقل تقدير – كنتيجة لتلك الأوضاع- تسقط الحكومات... حكومة تلو حكومة وتضظرب أحوال البلاد والعباد وقد يصل الأمر أن تسقط البلاد كلها في يد أجنبي مترقب تحت مزاعم التغيير للأفضل. صور حية أصبحت ماثلة للعيان من هنا أو هناك. في ظل هذا الوضع الديموقراطي الثائر نلمس حراك يحاول أن يتناسى الأهداف الوطنية العامة تحت مزاعم المكاسب السياسية الخاصة- سواء كانت للحكومة أو المعارضة. فالكل يتغنى بالوطن وينشد حبه..... رغم إن الطرفين الحكومة والمعارضة على طرفي نقيض فيما يحدث. فعلى سبيل المثال، حكومة تحاول أن تحافظ على نفسها وتلميع صورتها الخارجية ولو على حساب قوت الناس ومعاناتهم، والتي هي جزء من همها وواجباتها، وعلى النقيض أحزاب معارضة ليس لها هم إلا تتبع ثغرات تحدث هنا أو هناك لإلصاقها بالحكومة وحزبها وإثارة الناس، ولو على حساب الثوابت العامة. في هذا المعترك الديموقراطي ربما الحكومة تدرك ما لا تدركه المعارضة وفي المقابل المعارضة تنشد أهدافها الخاصة بها لإثبات جدارتها. وفي ظل هذه الأوضاع الشديدة التغيير يبقى امن الوطن وسلامته مسئولية الجميع معارضة وحكومة. والأدهى من ذلك وصول الأمر إلى مماحكات- ليس لها صلة بالعملية السياسة والديموقراطية– وتعصبات فإنها تنذر بواقع مستقبلي مؤلم.. وضع كهذا يكاد يقذف بأي وطن مستقر إلى هاوية المراهنات الخارجية لو توفرت رياح تغيير خبيثة. كون والجميع حكومة ومعارضة من مخرجات هذا الشعب أو ذاك فانه لابد من إدراك إن الوطن أغلى من كل تلك المزايدات الحزبية الضيقة وانه يجب الإرفاق بالشعوب، وان حصل شي من التقصير هنا أو هنا من الحكومة أو المعارضة سارع الجميع لردع الصدع ولم الشمل لتجنب رياح التغيير السياسي العاتية والتي لا تخدم كل أبناء الوطن. ورحم الله الشاعر القائل: صبرت على بعض الأذى خوف كله ... ودافعت عن نفسي لنفسي فعزتي كم هو جميل إصلاح الأوضاع (أو التغيير مجازا) للأفضل في حياة الأفراد والمجتمعات في كل أحوالهم وشؤون حياتهم وخاصة إذا كان التغيير يخدم الجميع. ويحقق لهم كل ايجابية ويرتقي بهم ويستشرف بهم المستقبل ويحدوا بهم للأمام، آخذا في الاعتبار الحاجة الحالية للمجتمع مع عدم تناسي حاجة الأجيال القادمة للعيش في أمن واستقرار، على ألاّ يكون لهذا التغيير آثاره السلبية وعواقبه الوخيمة على أبناء المجتمع والوطن إجمالا وألاّ يكون أيضا على حساب الآخرين. نعم في عالم عج بالتغيرات ما أجمل التغيير المرشد النابع من عقيدة وفكر وثقافة الأمة وان يشرف عليه أهل الدراية والمعرفة والخبرة في الأمور من أبناء الوطن المخلصين ليتم فيه استيعاب كل جديد وتسهيل كل عسير وتقريب فجوة التباينات المصاحبة لعملية التغيير وذلك بما لا يصطدم مع هوية الأمة. الجهل في كل بلاد العرب هو عدو امتنا الأول وعدونا الثاني قادم من فكرة التغيير غير المرشدة والمدفوع ثمنها من أعداء الأمة، ومع ذلك كله فإننا نستصحب مسألة تضخيم الذات وتقزيم الآخرين في حالة عاطفية مهيبة بكل تلك الآفات تتحول الأوطان إلى أرضية صالحة لإشعال الفتن والحروب المذهبية والدينية والعرقية على امتداد وطننا العربي. وإذا اعتبرنا إن عملية الإصلاح أو التغيير مجازا قد أصبحت ثقافة في أيامنا هذه فهي نعمة إذا كانت مرشدة ونابعة من تشاور أبناء الأمة العقلاء من حكومة ومعارضة، أما إذا كان التغيير موضة وعلى الجميع أن يأتزر بها بدون ضوابط ولا مكابح بحيث يتم فيها استغلال نقاط الضعف، وإثارة الفتن والمشاكل فان نتائجها المدمرة تكون آفة على الأوطان والشعوب. فعلى سبيل المثال فان ما يحدث في العراق- وما لبنان عنا ببعيد أيضا- وبلاد أخرى في آسيا وأفريقيا وجنوب أمريكا نماذج حية لهذا المعنى، فالتغيير الحاصل فيه لا يخدم أي شريحة من شرائح المجتمع بل انه نوع من المؤامرة ضد الأوطان. وربما التاريخ – على سبيل المثال - يذكرنا إن سقوط الأندلس وبعض مدنه بداية كانت استعانة بالأجنبي مرورا بنماذج عصرنا الحية والمشاهدة إنما كان بتعاون الأجنبي تحت دعم مباشر أو غير مباشر من بعض شرائح المجتمع في الداخل. ولمحاربة مرض هوس التغيير السياسي الغير مرشد فان الأمر يحتاج إلى جهود مكثفة (من الحكومة والمعارضة) بالتوعية والإرشاد من خلال فعاليات يتم فيها معالجة وإزالة كل الاختلالات الفكرية والعقدية التي لا تراعي حرمة الأوطان وتصادر في لحظة غفلة مكتسبات الشعوب. وكون الناس جميعهم شركاء في صناعة تلك الأوطان قديما وحديثا فانه لابد من امتصاص كل نوازع الفتنة والتباين والتناقض بين شرائح المجتمع المختلفة على الحكومات العربية التقرب من شعوبها ومعرفة احتياجاتهم والإيفاء بها دون تسويف أو تلاعب والتسريع بإحقاق الحق ومعرفة مكامن الخطأ في معالجة كثير من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتي تمس المواطنين على السواء، وإلا فان ثقافة هوس التغيير غير المرشدة سوف تستغل وتوظف بسلبية جامحة تباين أي مجتمع في المنطقة كلها لتعود على الجميع بالويلات والفتن. كل مشكلة - وكما قيل - ولها حل.. لذا لابد من وضع أيدينا على تلك المشاكل لمعرفتها والعمل على حلها حكومة ومعارضة لنجنب أرضنا وشعوبنا الانزلاق في متاهات الأزمات السياسية والاقتصادية والتي كفيلة بإدخال شعوب بأكملها في متاهات ليس لها آخر.