بالرغم من مزاعم المعارضة أنها ترفض العنف كأساس للتغيير، إلاّ أن الحوار بينها وبين السلطة مازال مرفوضاَ، والمعارضة هنا فاقدة لمشروعيتها السياسية، فهي ترفض التغيير من خلال العمل الديمقراطي وعبر الانتقال والتحول، فالعنف الذي تتسع رقعته إنما هو نتاج لذلك الصراع الذي كان قائماً بالأمس بين الأيديولوجيات المختلفة والتي أصبحت اليوم متحالفة مع بعضها البعض. وكان يمكن للمعارضة أن تسارع إلى الحوار الذي دعا إليه المؤتمر الشعبي العام، ليس من باب التوافق وإنما بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية لأن أي خلل في بنية النظام أو في سيادة القانون لن يخدم أحداً بما في ذلك أحزاب المعارضة نفسها. إننا أمام أزمة تفرض على الجميع التساؤل عن كيفية الخروج منها، وكيف يمكن التعامل معها. الحقيقة أن الأوضاع تزداد تعقيداً يوماً وراء يوم ولا أمل إلا بقدرة الدولة على السيطرة على حركة المجتمع بدلاً من الركون على المشايخ ورؤوس القبائل أو الاعتماد على مؤسسات المجتمع المدني في الوقت الراهن، فهناك جهات تريد إضعاف الدولة. من مظاهر الأزمة وصول الأحزاب السياسية إلى طريق مسدود وأصبحت أحزاباً تجاوزها الزمن وهي لم تتجاوزه.. العالم تغير وهي لم تتغير، ومن طول التعود على ثقافة الجمود توقف الخيال السياسي عن إيجاد البدائل فتكلست الحياة السياسية والاجتماعية وحل التفسخ السياسي داخل الوسط الثقافي وأصبح الكل يلتقي حول الإحساس بالعجز والاحباط والضياع. إننا أمام قوى سياسية لا تعرف معنى الحوار حول الوطن ومستقبله فهي ما زالت تعيش ماركسية الستينيات وقومية الستينيات وإسلامية السبعينيات، وأصبحت هذه القوى، كل واحدة منها ترى أنها البديل الوحيد للسلطة. أصبح اليوم الكل في خطر والحوار المطروح اليوم هو حوار ميت لا شك، لأنه حوار رسمي بين قادة أحزاب، والحوار الحقيقي والمطلوب اليوم هو الحوار الوطني بين الحركات الجماهيرية، وقوى ثقافية يشارك فيها الجميع وتحترم كل المرجعيات دون المساس بها، وأن تكون الدولة هي المخولة في حماية النظام. وعلى المعارضة أن تعي إذا أرادت أن تغير من نفسها أن قوتها تتمثل في بقاء السلطة قوية والحفاظ على المؤسسات القائمة لأنها لو انتهت أو دمرت فإن المعارضة لن تجني إلاّ مزيداً من التشظي والتفكك، والحوار مع النفس يسبق الحوار مع السلطة، فنحن بحاجة إلى حوار يعمل على تجميع القوى الوطنية ولا يقصى أحد . وإذا كانت أحزاب اللقاء المشترك ترغب حقاً في إرساء أسس الديمقراطية والإصلاح السياسي، فهل من مبرر لسكوتها حتى الآن عما يجري ؟ وهل السكوت هذا يصب في اتجاه الموافقة المبدئية مع ماتقوم به عصابات التخريب التي رفضت الديمقراطية واتجهت نحو العنف أم ماذا؟ وأي ديمقراطية تلك، وواقع الحال يقول: إن قيادات من حزب الإصلاح تسعى إلى تأسيس هيئة حماية الفضيلة بما يوحي رفضها المطلق للديمقراطية والتعددية والحريات والأدهى من ذلك أننا لم نسمع أحداً لا من الإصلاح ولا من أحزاب اللقاء المشترك يستنكر ذلك. إن إنشاء هيئة حماية الفضيلة لن يجعل أياً كان يتذوق الحرية والأمن، وإنما الجميع سيتذوقون المهانة والإذلال تحت ستار الفضيلة. إن مايجري على الأرض لا ينبىء بأي رغبة لدى المعارضة في الوفاء بالاحتكام للديمقراطية وتمكين الشعب اليمني من حل مشاكله عبر الحوار. إن شواهد هيئة حماية الفضيلة تعيد إلى الأذهان محاكم التفتيش، إن من يستعرض ملامح الصورة السياسية بأمانة ربما يصاب بالفزع والهلع من تحديات الحاضر ومخاطر المستقبل، إذا بقي الحال على ماهو عليه واستمر موقف عدم الاكتراث بمستقبل الوطن. ولست أريد هنا أن أثير المخاوف وإنما أريد أن أنبه قبل فوات الأوان إلى غياب مشروع وطني أصبحت البلاد تشهده بوضوح منذ بداية أزمة صعدة الأولى.