وجه احد القادة العرب في القرن الثامن إلى الوالي العبا سي-عندما انبهر بجمال وطقس الأندلس- رسالة قال فيها: "طقس الأندلس مثل طقس اليمن، وروعة اليمن"! ونحن بدورنا نقارنه بالطقس السياسي الإيجابي والقواسم المشتركة التي تجمع الشعبين الأسباني واليمني. أسبانيا- هي بلد الأندلس، التي امتزجت فيها حضارة العرب منذ الوجود العربي في القرن الثامن، واستمرت حتى القرن الخامس عشر، بعد أن شهدت خروج العرب منها معلنة انهيار دولة الخلافة. لكن أسبانيا اليوم تتميز عن بقية أوربا بقربها من هذا الامتزاج الحضاري والتاريخي والذي أسهم في تكوين الشخصية الأسبانية على مدى 800 عام- هي فترة الوجود العربي في الأندلس- فما زالت العديد من المواقع الجغرافية تحتفظ باسمها العربي، وهذا دليل على عمق هذه الروابط. كما أن قرب أسبانيا جغرافياً من دول المغرب العربي يجعلها تحتل مكانة خاصة، استراتيجياً، وسياسياً، واقتصادياً، باعتباره البوابة الأوربية الجنوبية التي تتفاعل مع القضايا العربية. لقد شهدت أسبانيا أحداثاً مأساوية تمثلت في الحرب الأهلية بين عامي 1936م و1939م، والتي خلفت وراءها الدمار والتشتت- وكانت بداية حكم دكتاتوري قاده "فرانكو" لمدة أربعين عاماً، حتى وفاته في عام 1975م. وبعدها بدأت أسبانيا تكتب تاريخها الحديث، بعودة الديمقراطية إلى شعبها بعد حرمان دام لسنوات طويلة.
أما الانطلاقة لدولة الحداثة والانتعاش الاقتصادي، فقد بدأت بعد انضمامها للاتحاد الأوربي في نوفمبر عام 1988م. فهي في الوقت الحالي تحتل المرتبة الثامنة في الاقتصاد العالمي، وتشهد أقوى نمو بين دول الاتحاد الأوربي.. أما سياحيا فتحتل المرتبة الثانية عالمياً. وبحسب الإحصائيات التي أصدرتها وزارة الصناعة والسياحة، فقد زار أسبانيا في الفترة من شهر يناير حتى شهر سبتمبر من هذا العام أكثر من 48 مليون سائح، بنسبة زيادة 2 % مقارنة بالعام 2006م. في شهر نوفمبر القادم سيقوم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بزيارة رسمية إلى مملكة أسبانيا من اجل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، وكذلك الاستفادة من الخبرات الأسبانية من اجل الدفع نحو المزيد من التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين الصديقين، وخاصة في ظل الدور الهام الذي تلعبه أسبانيا أوربياً وعالمياً، في ظل الحكومة الحالية للحزب الاشتراكي العمالي بقيادة "خوسيه لويس ساباتيرو"، والذي جاء إلى الحكم في مارس عام 2004م. وأيضاً بعد العمل الإرهابي الإجرامي الذي نفذته القاعدة في العاصمة الأسبانية مدريد، وراح ضحيته العشرات من الأسبان الأبرياء، وكيف شاهد العالم حكمة الشعب الأسباني في التعامل مع هذا الحدث الذي هز المشاعر في العالم! وكذلك بعد أن خرج اغلب الشعب الأسباني إلى الشوارع في مظاهرات رافضة للتدخل العسكري في العراق.. وكيف اسقط بصوته في انتخابا ت مارس 2004 البرلمانية الحزب الشعبي اليميني المحافظ بقيادة "خوسيه ماريا اسنار"- احد أقطاب لقاء جزيرة "اسوريس" البرتقالية- لشن العدوان على العراق! هذه الحرب المدمرة التي ما زالت نيرانها تحرق الأخضر واليابس، مخلفة العديد من الضحايا- اغلبهم من المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ. إن السياسة الأسبانية الحالية تتسم بالتوازن تجاه القضايا المتسجدة في الساحة العالمية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني. فقد كان لمدريد دوراً هاماً في المساهمة من اجل التوصل إلى حل نهائي يقر بالحقوق المشروعة للشعوب في تقرير مصيرها، واحترام المواثيق الدولية المتعارف بها.. كما أن لأسبانيا دوراً هاما في تعزيز أمن واستقرار لبنان بعد الاعتداءات الأخيرة المتمثلة في الاجتياح الإسرائيلي. إن زيارة الرئيس اليمنيلأسبانيا تكتسب أهمية خاصة.. حيث تأتي بعد افتتاح السفارة الأسبانية في صنعاء بحضور السيد "ميجيل انهيل موراتنينو"- وزير الخارجية الأسباني، وأحد خبراء الشؤون العربية، من خلا ل تحمله مهمة المبعوث الأوروبي للشرق الأوسط سابقا- ورفع التمثيل الدبلوماسي اليمني في مدريد. كما شهد عام 2007 زيارة وزيرة الزراعة الأسبانية إلى اليمن والتوقيع على العديد من الاتفاقيات التي ستسهم في تعزيز هذه العلاقات نحو الأفضل.. كما إن أسبانيا تحتل مكانة هامة على خارطة الاقتصاد العالمي، حيث أنها لديها خبرات هامة في مجا لات الطاقة، والسياحة، والثروة السمكية، والزراعة، والصناعات الدوائية- وممكن أن تستفيد منها اليمن.. كما إن السياسة الخارجية الأسبانية تتطابق مع توجها ت الأممالمتحدة في احترامها للمواثيق الدولية.. علاوة على أن ورئيس الوزراء الأسباني "ساباتير" هو احد دعاة حوار الحضارات بجانب كوفي عنان- أمين عام الأممالمتحدة السابق، ورئيس الوزراء التركي اردوغان.. وأن أسبانيا مقتنعة بان لا سبيل للمواجهة بين الشرق والغرب، وان الصوت الوحيد الذي سينتصر في النهاية هو الحوار بين الدول والشعوب لمواجهة مخاطر التطرف والإرهاب والعنف..! اليمن بدورها تشاطر أسبانيا هذا الرأي، خاصة وأنها عانت كثيراً من الإرهاب والعنف- منها ما حدث في شهر يوليو من هذا العام في ذروة الموسم السياحي، والذي تمثل في الهجوم الإرهابي في مأرب الذي أدى إلى مقتل السواح الأسبان الأبرياء، الذين قدموا إلى اليمن للتعرف على هذه الأرض وأهلها.. هذا العمل الإرهابي هز مشاعر الشعبين الأسباني واليمني، وفي نفس الوقت لاقى إدانة دولية واسعة لأنه استهدف الجميع من محبي السلام والتعايش. وقد أبدت الحكومة اليمنية منذ اللحظات الأولى تعاونها الأمني مع الحكومة الأسبانية، وهذا ما يثبت بان الإرهاب عدواً للجميع، وأن سبل مواجهته تتم بالتنسيق، وقوة الإرادة، والتصميم من اجل اقتلاعه إلى الأبد.. والدليل على هذا التعاون تمثل في التوقيع على اتفاقية لنقل الأشخاص المحكوم عليهم بين البلدين، والتي وقع عليها وزير الخارجية الأسباني "مجيل موراتينو"، والقائم بأعمال سفارة اليمن في مدريد السفير عبد الرحمن محمد الكمراني، الذي أسهم بدور فعال في تعزيز هذه الروابط بين البلدين منذ توليه مهام السفارة في مدريد. منذ عام 2003 شهدت العلاقات اليمنية- الأسبانية نشاطاً، وحيوية، تبادل فيها البلدان العديد من الزيارات، وتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات.. لذلك فإن زيارة الرئيس اليمني ستفتح آفاقا رحبة نحو توسيع هذه العلاقات، وتمكين رجال الأعمال الأسبان من الاستثمار في اليمن في العديد من المجالات، وأهمها قطاع الطاقة والسياحة، وكذلك فتح الأسواق بين البلدين، خاصة ونحن نعيش في عالم متجدد تزول فيه الحواجز، فمفتاح التقارب بين الشعوب هو الاعتراف المتبادل بالآخر، واحترام التنوع الثقافي، وأن يكون القاسم المشترك هو التعاون لما فيه المصالح العليا للشعوب.
هذا العام هو عام العلاقات الأسبانية- اليمنية، حيث سيقام على هامش زيارة الرئيس علي عبد الله صالح الأسبوع الثقافي اليمني في مدريد، من اجل تعريف الشعب الأسباني بحضارة وثقافة اليمن- وهو يقام لأول مرة في أسبانيا، وسيكون بمثابة الانطلاقة الأولى نحو تجسيد التعاون في شتى المجالات مستقبلا.. كما إن الجمهورية اليمنية سوف تشارك في المعرض الدولي للمياه والذي سيقام في مدينة "سرقسطة" الأسبانية في صيف عام 2008م. فأهلاً وسهلا بزيارة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى أسبانيا... * عبد الله ناصر بجنف - أسباني من اصل يمني [email protected]