إن العدالة السياسية، تقتضي أن تكون علاقة الدولة بمواطنيها علاقة عادلة ومباشرة، وبعيدة عن الانحياز لفئة على حساب أخرى، أو لمنطقة على حساب المناطق الأخرى، أن تكون المساواه في كل شيء هي المنهج المتبع من قبل الدولة. لذلك فان بناء المستقبل لا يتحقق إلا جماعيا، فلا مستقبل لفئة أو تيار، أو تنظيم، أو فرد من الأفراد، بمعزل عن مستقبل سائر الفئات والتيارات والتنظيمات والأفراد الآخرين، شريطة أن يكون القاسم المشترك لتلك الفئات هي المصلحة العليا للوطن. ويتطلب العمل الجماعي أرضية مشتركة تضبط بقواعد مشتركة المنطلقات والمسيرة والأهداف،لا يحق لأي فئة الخروج عنها أو التعامل مع تلك الضوابط بانتقائية متى ما شاءت. تلك الضوابط يجب أن يتضمنها دستور الدولة حيث يعرف الدستور على أنه مجموعة المبادئ والضوابط الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها، والواضعة للأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة، أو هو موجز الإطارات التي تعمل الدولة بمقتضاها في مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية. وبما أن تلك الضوابط تم الاتفاق عليها باستفتاء عام من قبل الشعب وأصبحت هي المرجعية الأساسية في تسيير شئون الدولة وعلاقة الحكام بالمحكومين، فان خروج طرف من الأطراف المعنية عن تلك الضوابط يعتبر خرق لذلك للدستور يترتب علية إنزال العقوبات المنصوص عليها في القوانين بحق الخارجين عن تلك الضوابط. وإذا ما نظرنا إلى واقعنا الراهن سوف نجد وبكل أسف أن السواد الأعظم من الجانبين الحكام والمعارضة ضربوا بتلك القوانين عرض الحائط وأصبح الوطن بالنسبة لهم فريسة يتصارعوا عليها، فالأكثرية من الحاكمين يتعاملون مع تلك الضوابط والقوانين فقط متى ما كانت تخدم مصالحهم الشخصية ولمنع الآخرين من الاقتراب من تلك الغنائم مما أدى إلى انتشار الفساد بشكل مخيف في جميع مفاصل الدولة، وبما أن الجهات الرقابية والتشريعية وصل إليها ذلك الوباء فقد أصبحت مجرد كراسي في مجلس النواب ومليشيات في الشوارع إلا من رحم الله. وفي الطرف الأخر من تلك المأساة أحزاب المعارضة الغوغائية الذي فقدت الكثير من القيم والثوابت الذي يجب أن تقوم عليها أحزاب المعارضة، تحالفت ليس من اجل خدمة الوطن والتنمية بل للاستقواء ببعضها من اجل اللحاق والحصول على نصيبها من تلك الغنيمة، تلك الأحزاب لو نظرنا إليها بتمعن لوجدنا أن بينها من الاختلافات في التوجهات ما يجعل من الاستحالة اتفاقها على وضع برنامج لإدارة شئون الدولة فهناك اختلافات رئيسية في برامج تلك الأحزاب تكمن في الشق المتعلق بالنظرة إلى المجتمع ودور الدين وعلاقته بالسياسة. وخصوصا الفجوة الكبيرة بين توجهات حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي حول دور الدين في السياسة ومبادئ النظام التعليمي ووضعية المرأة وقضايا الشباب وإدارة الاقتصاد والتنمية وكذلك النظرة المختلفة لما يجب أن تكون عليه علاقة اليمن بدول الجوار والعالم الخارجي. فإذا كانت برامج تلك الأحزاب تسير في خطوط متوازية لا يمكن أن يلتقيا يصبح بالنتيجة ذلك التجمع ليس الهدف منه إلا المكايدة للحزب الحاكم والوصول بالوطن إلى مرحلة الفوضى الخلاقة وهي آخر تجليات العقل الإستراتيجي الأمريكي وتتركز الأطروحة الرئيسية لنظرية الفوضى الخلاقة حول ما يمثله الاستقرار في العالم العربي من عائق أساسي أمام المصالح الأمريكية في المنطقة وبالتالي فان عليها إيجاد موزعين لتلك الأفكار الجهنمية لإبقاء المنطقة العربية بشكل خاص في حالة مستمرة من الصراعات للاستمرار في ابتزاز خيرات تلك الدول والإبقاء على مصانع إنتاج أسلحة الفتك بالبشرية لديها في حالة تشغيلية ولو أدى ذلك إلى فناء كل شعوب العلم الثالث. فتم تسويق تلك المقولة على سماسرة تلك الأحزاب وتجار الحروب في مقاهي لندن والذين يعملون كالمغناطيس لا يلتقط إلا الحديد، وتباشير تلك الفوضى الخلاقة في اليمن، هي أكثر وضوحا اليوم من أي وقت مضى، فشظاياها ورياحها تتطاير وتهب من كل مكان من إحداث الضالع إلى عدن إلى صعده إلى مآرب وأخيرا حضرموت السلام، لتقتلع استقرارا هنا وتعكر أمانا هناك وتخلق فتنة هنا وتولد خوفاً هناك، فملامحها تنذر بكارثة يكون وقودها المواطن الوحدوي الشريف الذي لا ناقة له ولا جمل فيما يجري. وحتى لا تسوء الحالة أكثر مما هي علية الان فان على الخيرين من ابناء الوطن وهم كثر الالتفاف حول الرئيس علي عبدا لله صالح لكي يتمكن من التخلص من القيادات المترهلة والفاسدة في السلطة وعلى القائد أن يعلم أن الشعب كله معه وجنود له لاقتلاع جذور الفساد والقضاء على الحاقدين والعملاء والمتآمرين على امن الوطن واستقراره. [email protected]