المبادرة الشجاعة التي تقدم بها الأخ رئيس الجمهورية لاحتواء الموقف الذي تحاول من خلاله أحزاب اللقاء المشترك افتعال أزمة سياسية مصطنعة في البلد من خلال تشويه الاستحقاق الانتخابي القادم، هذه المبادرة الحكيمة والمسئولة في اعتقادي قد أدت غرضها حتى وان لم تستجب لها أحزاب المشترك. فقد كانت بمثابة "ضربة معلم" خاصة وقد احتوت على مطالب المشترك السابقة فيما يخص قانون الانتخابات المعدل المتوافق عليه، وكذلك مسألة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات . وقد وصف البعض هذه المبادرة بأنها تراجع لحزب المؤتمر عن مواقفه السابقة بفعل ضغوط المشترك، وهو في اعتقادي وصف في غير محله لان هذا التراجع حتى وان سميناه كذلك فهو تراجع سياسي حكيم ومسؤول- والسياسة كما يعلم الجميع هي "فن الممكن", وقد أراد الأخ الرئيس من مبادرته الصادقة هذه اختبار جدية هذه الأحزاب من مسألة الانتخابات النيابية القادمة من عدمها، ولكي يعلم الجميع حقيقة المبررات أو الحجج الواهية لهذه الأحزاب عند إقدامها على قرار ألمقاطعه المتوقع.. وبذلك ينكشف زيف ما تدعيه وما تتحجج به، خاصة وان الجميع- سلطة ومعارضة- يدرك الحرص الحقيقي للأخ رئيس الجمهورية على مشاركة كل القوى السياسية في هذا الاستحقاق، وتكليفه لمستشاره السياسي الأخ عبد الكريم الارياني للجلوس مع هذه الأحزاب على طاولة الحوار والبحث في الشأن الانتخابي الذي اقترب موعده الدستوري للوصول إلى توافق سياسي وطني يثبت حقيقة هذا التوجه الحكيم للرئيس صالح، كرئيس لكل اليمنيين ولكل الأحزاب. وقد قدم هذه المبادرة بحسن نية وحس وطني كبير لعل وعسى، ولكن هذه الأحزاب تثبت من جديد فشلها "ورسوبها" المستمر في العمل التوافقي الجاد.. واعتقد إن هذه المبادرة يمكن وصفها بآخر فرصة تقدم لهذه الأحزاب لكي تعلن موقفها النهائي وبكل صراحة، وهل هي بالفعل حريصة على العمل السياسي السلمي المتمثل في المشاركة الفاعلة في الاستحقاقات الديمقراطية عبر الاحتكام إلى صناديق الانتخاب أم أنها اختارت طريقا آخراً للعمل السياسي، وبالتالي الحكم عليها سيكون من خلال الرأي العام المحايد والذي تمثله قوى وفعاليات الشعب المتعددة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المهتمة بالشأن الانتخابي اليمني وبالدرجة الأولى سيحتكم الجميع في النهاية إلى الدستور في مثل هكذا حالات أي من حقها الدستوري والديمقراطي أن تقاطع ولكن لا يحق لها أن تفرض رأيها على الآخرين أو تحاول تعطيل الاستحقاق الدستوري القادم، ولا يحق لها أن تزيف الحقائق وتشوه الصورة الديمقراطية الناشئة في البلد، وليس مشرعا لها قانونيا ودستوريا إثارة البلبلة وتأجيج الشارع بأي حجه كانت لأنها عندئذ ستتعدى الخطوط الحمراء التي خطها الشعب للمحافظة على أمنه واستقراره ووحدته وبالتالي ستكون خاسره في كلا الحالتين إلا إذا تراجعت عن غرورها وعنادها وأهدافها الغامضة فعندئذ يمكن القول أنها احتكمت في النهاية إلى العقل والحكمة والمصلحة العامة ومصلحتها بالدرجة الأساسية... وعدم إعلان هذه الأحزاب لموقفها النهائي والرسمي من مشاركتها أو مقاطعتها لهذه الانتخابات يضع إمام المراقبين للشأن السياسي والانتخابي اليمني أكثر من علامة استفهام خاصة وان الاستحقاق الديمقراطي اقترب موعده كثيرا ولا يحتمل أي مراوغه سياسية من أي طرف كان. والتكتيك الساذج الذي تتبعه هذه الأحزاب من هذه المسألة لن يوصلها إلى مبتغاها في إرباك العملية الانتخابية برمتها لكي يتسنى لها في النهاية تحقيق هدفها الأساسي من هذه المراوغة، وهذا التكتيك الوقتي- وهو إعلان تأجيل هذا الاستحقاق من طرف الحزب الحاكم الذي أدرك حقيقة هذا التوجه غير الديمقراطي وغير الوطني لهذه الأحزاب فسارع برفع وتيرة العمل الجاد للوصول إلى الموعد الدستوري الانتخابي دون أي تأخير.. وهذه الخطوة الايجابية لحزب الأغلبية لم تكن متوقعه ولم يحسب لها حساب من قبل هذه الأحزاب مما زادها تخبطا وإرباكا, فقد تم إقرار قانون الانتخابات المعمول به وصدر قرار جمهوري باعتماد التشكيل السابق للجنة العليا للانتخابات، وبدأت لجان مراجعه وتصحيح السجل الانتخابي تمارس مهامها في إشارة واضحة إن العملية تسير في طريقها وان الاستحقاق القادم سيتم سواء بمشاركه هذه الأحزاب أو بعدم مشاركتها. فمصلحه الوطن ونظامه السياسي التعددي تقتضي عمل ذلك حتى وان كانت المشاركة "ناقصه"، فالأحزاب الأخرى على الساحة السياسية والتي توصف بالصغيرة لا يستطيع أيا كان تجاهلها، ثم لا ننسى أن هناك تيار المستقلين الذين يمثلون رقما سياسيا لا يستهان به والحكم في الأخير سيكون للشعب من خلال صناديق الانتخاب التي اختارها هو عن قناعه كنظام حضاري لتداول السلطة والحكم سلميا بين كل قوى الشعب وأحزابه السياسية المختلفة . و تأخير الإعلان الرسمي لقرار مقاطعه الانتخابات القادمة من قبل أحزاب اللقاء المشترك يحكمه في اعتقادي عامل الوقت وكسب المزيد منه في محاوله للظهور أمام الرأي العام في الداخل والخارج بان هذه الأحزاب ترغب في المشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات ولكنها ستقاطع "مرغمه " لأنها دفعت دفعا لهذا القرار.. فالوجه الآخر من الحكم من وجهه نظرها أي المؤتمر الشعبي العام لم يلتزم بما اتفق عليه ولم يهيئ الأجواء المناسبة لإجراء انتخابات تنافسيه حرة ونزيهة...الخ، من هذه الاسطوانة المشروخة والمعروفة للجميع والتي اعتقد أنها لا تنطلي على السذج فما بالك بالعقلاء الذين يدركون الدوافع الحقيقية لهذا القرار إن تم.. فهذه الأحزاب- كما اشرنا في مواضيع سابقة- تتخوف من نتائج هذه الانتخابات التي لم تستعد لها الاستعداد الأمثل الذي يوصلها إلى أهدافها.