الديمقراطية نظام سياسي تبنته الشعوب المتحضرة لتنهي بذلك إشكالية الصراع على الحكم، ولتكون هذه الشعوب مالكة لحق اختيار من يحكمها عبر صناديق الاقتراع التي تخضع فقط للإرادة الشعبية. وبظهور الديمقراطية كمنظومة متكاملة شرعت التعددية السياسية والحزبية في إطار تعدد الرؤى واختلاف البرامج السياسية في المجتمع الواحد ليدخل الجميع دائرة التنافس الحزبي الديمقراطي الشريف عبر إجراء العمليات الانتخابية المتعددة سواء كانت نيابية أو رئاسية أو محلية في موعدها الدستوري المقرر والمتفق عليه للوصول في النهاية إلى تحقيق هذه الإرادة الشعبية التي تختار من يمثلها في السلطة. هذا المفهوم الواضح للديمقراطية والتعددية السياسية المتعارف عليه عالمياً للأسف الشديد شوه في بلادنا تشويها جسيما خاصة في الآونة الأخيرة. فالجميع يقر بان تجربتنا الديمقراطية تجربة وليدة ولا تزال في طور النشء إلا أن هناك في الساحة السياسية والحزبية من يعمل بقصد أو بدون قصد على وئد هذه التجربة في مهدها وإخراجها من مضمونها الديمقراطي الحقيقي وخلق مفاهيم "ديكتاتوريه" جديدة عبر بعض الممارسات الحزبية الممقوتة والتي يحاول أصحابها إلباسها ثوب ديمقراطي مزيف في عمليه خداع للنفس قل ما نجد لها نظيراً في العالم الديمقراطي المتحضر. "الانتخابات" تمثل جوهر العملية السياسية في أي بلد ديمقراطي وهي، أي الانتخابات، كما يعلم الجميع الوسيلة الوحيدة للوصول سلميا إلى السلطة.. والاختلاف على الآليات أو الطرق أو الوسائل الفنية المتبعة لتنظيم عملية الانتخاب حالة ديمقراطية صحية، خاصة إذا كان هذا الخلاف أو الاختلاف في إطار الدستور والقانون والعقل والمنطق وواقع التجربة والخروج عن هذا الإطار، لا يعني سوى الخروج عن اللعبة الديمقراطية المتعارف عليها- إن لم نقل- أنها تمثل حالة من "الانقلاب" على نصوص هذا الدستور المتفق عليه أو النظام السياسي التعددي لان الذي يعمل على تكريس قواعد سياسية للحكم بعيده عن المفهوم الديمقراطي المتعارف عليه وبعيدة عن جوهر النظام السياسي الديمقراطي المتمثل بالانتخابات التنافسية الحرة هو في الأصل صاحب فكر شمولي ولم يقتنع بعد بالديمقراطية كنظام حكم وكمفهوم حضاري للتنافس السياسي والحزبي البناء. فهؤلاء الذين يحملون هذا الفكر الشمولي المتخلف عندما يصلوا إلى نتيجة أو خيار ما يقنعون به أنفسهم بناء على دراسة ذاتية تشخيصه تبين الحجم الحقيقي للحزب أو التنظيم السياسي الذي يمثلوه، والذي قد يكون- أي هذا الحجم- صغيراً وذو قاعدة شعبية محدودة المسافة بينه وبين الوصول إلى كراسي الحكم أو السلطة عبر الانتخابات مسافة بعيدة لا تحقق ذلك الطموح السريع للوصول إلى هذه الكراسي، وبالتالي تصبح الديمقراطية في نظر هؤلاء عبء سياسي "وورطه " قانونيه ووسيلة غير مجدية. لذلك لا بد من تشويهها بشتى الطرق والوسائل لكي يتم تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية برمتها ويصبح مفهوم اقتسام السلطة هو المفهوم الذي ينبغي أن يسود من وجهة نظرهم!! هذا التشخيص الذي يدركه الكثير من المراقبين اعتقد انه أحد التفسيرات المنطقية التي يمكننا الخروج بها لمعرفه وتحليل ما نشاهده اليوم من مهازل حزبيه عديدة تحدث هنا أو هناك عبر بعض الممارسات السلوكية التي تحاول بعض الأحزاب جاهدة إلباسها ثوب ديمقراطي مزيف ومفضوح. أن تقرر كحزب أو كأحزاب مقاطعة الانتخابات فهذا حق كفله الدستور للجميع مع انه إذا جاز التشبيه "ابغض الحلال" ولكن أن تفرض مقاطعتك وخيارك على الجميع، وبالقوة، كما حدث ويحدث في بعض مراكز القيد والتسجيل من اعتداءات غير مسئولة فهذا يا سادة يا كرام، ويا عقلاء المشترك شكل من أشكال التعبير الشمولي، والتوجه غير الديمقراطي، وغير القانوني، بل وغير الأخلاقي..! فإلى أين انتم سائرون؟ ولماذا كل هذا التشدد؟ ولمصلحة من كل هذه الأعمال؟ وماذا سيجني المشترك من وراء كل ذلك؟ والى متى ستظل مواقفه من السلطة والديمقراطية سجينة العناد والمكابرة والأغراض الحزبية الضيقة؟ والى متى ستظل هذه العلاقة بين السلطة والمعارضة بهذا الشكل الهدام الذي يحمل من العداء الشئ الكثير/ وكأننا نمثل شعب غير الشعب ووطن غير الوطن!! اختمها بعبارتين لكل من تهمه بالفعل مصلحه الوطن وتجربته الديمقراطية ((الديمقراطية والتعددية "نعمة" تحقق الاستقرار، فلا تجعلوها بأيديكم "نقمة" من أجل تحقيق مصالح ضيقة، لم ولن تتحقق إذا أيقن الجميع إلا بالديمقراطية)).