أحداث دامية تطل بها علينا وسائل الإعلام في كل مكان لتخبرنا – في الوقت الضائع- أن فتنة مذهبية تجتاح بلاد الرافدين، وارض السواد- العراق- وأن الشوارع تصطبغ بالدماء، وأقدام البشر تتعثر بالرؤوس المقطوعة، والأشلاء المتناثرة على الأرصفة، وعلى عتبات المساجد، وعند بوابات مدارس الأطفال، بينما ما زالت المئات مذبوحة على الأسرة داخل البيوت لن يعلم بها أحد حتى تفوح روائح الموت من بطونها المبقورة! أحداث دامية لم تترك شبراً لأطفال العراق للعب بأمان.. أو طريقاً تسلكها المرأة بسلام ، وفي الثالث من رمضان الماضي وقف اثنان من الإرهابيين وسط جامع "ابن نما الحلي" وفجرا نفسيهما ليقتلا أبي واثنين من أعمامي، وعشرات آخرين قبيل أذان الإفطار بلحظات – في الوقت الذي تناقلت أنباء العالم العربي نبأ يقول "أن المقاومة العراقية تزداد ضراوة"، وابتهلت الأقلام لنصرتها! لماذا يقفل الجميع عقولهم عن إدراك حقيقة ما يحدث في العراق!؟ ولماذا عجزت عقول المثقفين والمفكرين والمحللين عن قراءة الصورة كما ينبغي أن تُقرأ!؟ ولماذا لا يفكر أحد بمن يقف وراء الموت الذي يجتاح العراق متخفياً بجلباب الدين، وذقن طويل، ومسبحة تلامس الأرض، وفتاوى لا حصر لها في تبرير قتل الأبرياء، وهدم المساجد، والاعتداء على النساء!؟ لا أعتقد أن اللعبة السياسية العراقية بهذه الدرجة من الغموض والتعقيد ليصعب فهمها، خاصة عندما يحاصر الإرهابيون موكب تشييع الزميلة "أطوار بهجت"- تغمد الله روحها بفسيح جناته- ويشيعوا قتلاً بالمشيعين ، ولا ينسحبوا إلاّ بعد أن يخرج أحد "علماء الدين" على شاشة قناة العربية الفضائية، ويوجه لهم تعليماته بالتوقف عن إيغال القتل بالمشيعين ورجال الأمن المرافقين للجنازة، فينسحبوا خلال لحظات من ذلك النداء!! لا أدري سبب استبعاد قوات الاحتلال من حسابات ما يحدث في العراق، ودورها في إذكاء الفتنة وحماية الإرهاب، بل واستثمار الإرهابيين لخدمة مصالحها وتوجهاتها السياسية.. فنتائج الانتخابات الأخيرة بدت كما لو أنها مفاجأة صعقت الأمريكان، لذلك لم يجدوا بُداً من إطلاق الحبل على الغارب لقوى الإرهاب للعبث بكل مقدرات الحياة الإنسانية العراقية، في محاولة يائسة لتغيير معادلات القوى السياسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع.. وبكل أسف وجدت بين أقنعة الدين فسحة من الأمل فيمن يعتلون المنابر فيبيحوا قتل النفس التي حرم الله، ويعبئوا النفوس بالحقد والضغينة ، ونزعات الانتقام. لعل من أكبر أخطاء الرأي الشائع أن ما يدور في العراق هو فتنة مذهبية، لأن من يراجع الأمور بمنطق العاقل سيجد الأحداث تصب في لون من الإرهاب السياسي المتقمص وجوه الدين، والفضيلة، والتقوى في الوقت الذي يدير لعبة قذرة من وراء الكواليس، والمنابر ليضع كفاً على إذنه مكبراً للصلاة، والكف الأخرى مشدودة بحرارة كف الأمريكي المحتل الذي يعلمها فنون الضغط على زناد المسدس، وجهاز تفجير سيارة مفخخة، وسكين ذبح بعض عقول العلم والمعرفة، وأدوات الرأي والكلمة، أو من يوكل إليهم حفظ أمن العراق وسلامة مواطنيه من أبنائه الشرفاء!! العراق تحول الى ساحة وقف للإرهابيين القادمين من شتى بقاع المعمورة، ورؤوسهم ملؤها تطرف، وحقد، وتعبئة دينية منحرفة عن كل شرائع الأرض ليتوحدوا مع تلك القوات البربرية التي ما انفكت تدير مؤامرة قذرة على عالمنا الإسلامي، وعلى كبرياء أبناء العراق، وعلى كل من يتطلع لحياة كريمة بعيداً عن الهيمنة، والاستبداد، والتبعية الاستعمارية.