المقال الذي امتنعت عن نشره الثورة هناك لغط كثير هذه الأيام حول التداعيات السلبية لتأجيل الانتخابات ومن ثم فان استمرار سياسة الصمت والتجاهل لمثل هذا اللغط يساعد على انتشار الشائعات التي تؤدي إلى هز الاستقرار وهز الثقة وليس يعنيني الوقف أمام بعض جوانب اللغط، بقدر ما يعنيني أننا سوف ندفع بغير إرادتنا فواتير عديدة، بسبب عدم احترام الدستور والقانون. أريد أن أقول بصراحة: إن القضية ليست قضية التأجيل وإنما القضية تتركز أساسا في ضرورة إجراء مراجعة جذرية وشاملة لأوضاعنا بشكل عام ومتكامل.. وهنا أقول بكل وضوح: انه من غير المعقول أن يظل الدستور مغيبا في كل اتفاقاتنا وتوافقاتنا تحت أي سمى. كلنا ندرك أن انتخابات الرئاسة عام 2006م قد أفرزت خارطة سياسية جديدة تجاوزت أحزاب المعارضة التي تقلصت قاعدتها الشعبية وبالتالي لم تستطع الحصول على نسبة تسمح لها بالحصول على كتلة برلمانية تمكنها من فرض شروطها وبالتالي بدأت بالاستفزازات المنظمة وجر المؤتمر الشعبي العام إلى الحوار خارج البرلمان وبعيدا عن شروط الأكثرية وقد وجدت نفسها أنها لا تستطيع خوض الانتخابات فبدأ بالتحضير لوجستيا ونفسيا لإمكان التأجيل أو التفجير الأمني الذي يحول دون إجراء الانتخابات في موعدها. وكل ما كنا نسمعه في الماضي عن تأجيل الانتخابات كانت تبادر بعض القيادات في المؤتمر لاستبعاد ذلك وتعتبر التأجيل أشبه بالإلغاء، بل أن البعض كان يعتقد أن لو حصل تأجيل فانه لن يتجاوز بضعة أشهر وهذا ما عبر عنه وفد الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن الخلاف السياسي لا يدعو إلى التأجيل ولا أبالغ إذا قلت أن تأجيل الانتخابات تعد من الأخطاء الجسيمة وتؤثر على مكانة اليمن الأخلاقية كون اليمن تعد من التجارب المهمة في المنطقة. وعلى دعاة التأجيل أن يعوا تماما بان هناك سلبيات وإفرازات كثيرة ستترتب على تأجيل الانتخابات وأهمها: التأجيل لن يساعد في عملية استتباب الأمن والاستقرار كما يحاول البعض تسويق ذلك. التأجيل يتعارض مع الدستور والقانون الذي ينص على إجراء الانتخابات في موعدها وفي حالة التأجيل يفقد الدستور أهميته ويصبح سابقة خطيرة للاستهانة بقوانين الدولة مستقبلا في اليمن الجديد الذي يأمل منه الجميع أن يكون دولة القانون. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما يتجاوزه إلى الاستهانة برأي أغلبية الشعب الذين يريدون إقامة الانتخابات في موعدها من اجل إرساء قواعد الديمقراطية وحكم القانون، كما أن التأجيل يساعد على إفراغ البرلمان من وظيفته الطبيعية.. ويساعد ذلك كل الأطراف التي تتضرر مصالحها على امتطاء صهوة التقاسم بعيدا عن صناديق الاقتراع. وفوق هذا وذاك من الذي يضمن لنا أن المعارضة خلال السنتين ستكون قد حسمت أمرها واقتنعت بالتسليم للأغلبية.. كذلك من يضمن لنا أن المعارضة لن تقود المؤتمر الشعبي العام إلى مربع آخر والمطالبة بتشكيل حكومة وحده وطنية.. ما الذي يمنعها وقد عطلت البرلمان لتجعل من التعطيل عرفا واجتهادا يمكن تطبيقه في أي خلافات قادمة. لقد كنت من أكثر الداعين إلى إشراك المعارضة في الانتخابات، لكنني لست مع التقاسم والمحاصصة، فالأمر يتطلب رؤية سياسية تتجاوز حدود المحاصصة. فنحن أمام أزمة يصعب تجاهلها أو التقليل من مخاطرها وبالتالي فان الأمر يتطلب طي صفحة الحلول السهلة وغير الموضوعية التي تعاملنا بها من قبل مع فوضى السياسة، وذلك يتطلب شجاعة التخلص من حاسية التقاسم المناطقي والحزبي لقد دفع الشعب اليمني ثمن هذه الديمقراطية دما كثيرا وهو لا يقبل بان يكون الوطن مادة للمتاجرة الخلافية . ولست ادري كيف ستتحدث أحزاب المعارضة بعد اليوم عن المرأة وحقوق الإنسان وهي أول من ينتهك هذه الحقوق بمصادرة حق الشعب في اختياره، فهي تختار نيابة عنهم وتلغي تفكيرهم. من وجهة نظري أن أفضل إستراتيجية لضمان الأمن وإقامة سلام اجتماعي هو دعم الديمقراطية، ويفترض أن تكون في قلب سياسة كل الأحزاب، فهي كما قلنا إحدى أهم تجارب اليمن. لقد أثبتت كل الأحزاب السياسية في بلادنا أنها تنظر إلى الديمقراطية بوصفها انتخابات بعيدا عن تعزيز الديمقراطية من خلال مجلس نيابي قوي وقضاء مستقل وصحافة حرة ومجتمع مدني نشط فضلا عن الحرية الدينية وسيادة القانون. إن الديمقراطية أفضل من غيرها لأنها تحث على الكرامة الإنسانية ذلك أن كل إنسان يسعى أن يكون له صوت مسموع في إدارة شئونه، ولن يضحي بهذا الحق الطبيعي، أو يؤجل التمتع به مهما حسنت النوايا الداعية إلى تأجيل الديمقراطية، إن خطورة التأجيل متعددة الأوجه. واخطر وجوه ذلك أن المعارضة وضعت شروطا تكاد تكون مانعة لأي انتخابات أو تشكيل حكومة إلا بأخذ حصتها وهي بذلك تستطيع أن تحمل الحكومة مالا تتحمله. بكلام آخر، بدلا من أن تسعى المعارضة إلى تعجيل الخطوات الضامنة لتعزيز مسيرة الديمقراطية والضامنة لتراكم ايجابي سعت إلى التأجيل الأمر الذي يتناقض مع ادعاءاتها باحترام الدستور والقانون. إن ما يمارس اليوم هو نوع من الإرهاب لمنع الناس من الإدلاء بأصواتهم أو قول كلمتهم وسماع رأيهم والتمتع بحقهم في الحياة.