عندما يواجه مجتمع ما أخطار محيطه أو مؤامرات متعددة الأوجه سواء كانت من متربص في الداخل أو عدو في الخارج، وسواء كانت بفعل ممارسات وسلوكيات هدامة ناتجة عن فساد سياسي أو مالي أو إداري أو أخلاقي، أو ناتجة عن نعرات طائفية أو مناطقيه أو قبلية أو مذهبية تحاول الظهور هنا أو هناك...الخ.. عندما يواجه هذا المجتمع كل ذلك تبرز إلى السطح وبشكل ملح دعوات كل الشرفاء في هذا المجتمع لتماسك الجبهة الداخلية والوطنية وليس العكس، وبالتالي يمكن القول هنا إن "الوحدة الوطنية" هي سلاح المجتمعات الحرة، وهي السلاح الأقوى والأكثر ردعا وفعالية من أي أسلحة أخرى بما فيها أسلحة الدمار الشامل التي تحاول بعض الدول الكبرى إخافة العالم بها، ووحدها الوحدة الوطنية باستطاعتها مواجهه كل الأخطار وإيقاف كل المؤامرات والممارسات أو السلوكيات الهدامة في المجتمع. الوطن يمر بمرحلة تاريخية حساسة وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها، فقد تكالب عليه الأعداء من كل حدب وصوب والأخطار من حوله تتعاظم يوما بعد يوم وإضعاف الدولة أو الانتقاص المتوالي لهيبتها ليس في مصلحة أحد من الحكام أو المحكومين، وان لم نتدارك الأمر ونحن في البداية سنخسر جميعا أمننا واستقرارنا، وبالتالي حاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة. اليمن مر عبر تاريخه القديم والمعاصر بظروف صعبة مماثله واستطاع دائما الانتصار على هذه الظروف بفعل تماسك الجبهة الداخلية فهذه الجبهة هي التي استطاعت دحر الغزاة والطامعين والجبابرة، فلو لم تكن الوحدة الوطنية اليمنية حاضرة و في المقدمة لما استطعنا طرد الأتراك من وطننا، ولما استطعنا طرد الاستعمار البريطاني، ولما قامت ثوره السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر.. ولو لم تكن هناك لحمة وطنية حقيقية لما استطاعت الثورة اليمنية الصمود أمام أعدائها في الداخل والخارج، ولو لم يكن هناك وحدة وطنية حقيقية لما تحققت وحدة الشعب والوطن في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م، وبالتالي لو تم في ذلك الحين معالجة ذلك التصدع الحزبي الذي بدأ بين حزبي المؤتمر والاشتراكي في الفترة الانتقالية المشئومة ليزداد توسعا بعد انتخابات 1993م النيابية بفعل عوامل وأسباب متداخلة ليست مجال حديثنا هنا، ولكن لكي نستخلص الدروس من هذا الماضي لو منعنا من البداية ديمقراطيا "ووطنيا" إستمرار سياسة التقاسم التي سادت وطغت على سياسة الشراكة الوطنية الحقيقية لما حدثت حرب 1994م. وبالمقابل لو لم يكن هناك وحدة وطنية حقيقية والتفاف شعبي حقيقي لما انتصرت الشرعية وخيار الوحدة في تلك الحرب.. لا نريد الاسترسال طويلا في هذا الماضي لان الماضي بحلوة ومرة "مادة" نأخذ منها فقط العبر ونستخلص منها الدروس ولكنها ليست أداة لنبني عليها حاضرنا أو مستقبلنا. الاتفاق أو التوافق الحزبي الذي تم مؤخرا بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة الرئيسية ( اللقاء المشترك ) بصرف النظر عن التفاصيل التي بموجبها حدث هذا التوافق، اعتقد انه يصب- إن وظفناه التوظيف الوطني الصحيح- في قالب تماسك وحدتنا الوطنية وتغليب مصالح الوطن العليا على أي مصلحة أخرى. ولكن إذا دخلنا من جديد خلال فترة السنتين القادمة في متاهات المصالح الحزبية الضيقة وتصلب المواقف فأننا في النهاية الخاسرون جميعا لان سلاحنا الأقوى- "الوحدة الوطنية"- سيبدأ بالتصدع، وبالتالي سنخسر كل شئ بما فيها الحزبية والتعددية والديمقراطية. ثم إن هذه الأحزاب أمام مهام وطنية كبرى يجب أن تنتبه إليها قبل الخوض في تفاصيل الانتخابات، هذه المهام تتطلب وحدة وطنية حقيقية لمجابهه كل الأخطار التي تحيط بأمن واستقرار الجميع، من أهمها كما نعلم مسألة التواجد الكثيف للقوات الدولية على مياهنا الإقليمية بحجة محاربة القرصنة والإرهاب؛ وهي الحجة التي لا تنطلي علينا جميعا. والمسألة الأخرى تنظيم القاعدة الذي بدأ بتوسيع نشاطاته الإرهابية والإجرامية في الوطن مستغلا انشغال الجميع بالسياسة والتحضير الحزبي للانتخابات القادمة.. فقد استطاع هذا التنظيم الإرهابي "صنيعة الاستخبارات الصهيونية" الانتقال السهل إلى أراضينا ليجعل من بلادنا ساحة للمواجهات الدموية والأعمال الإرهابية وعندها فقط سترتفع وتيرة التدخلات الدولية متعددة الأشكال و الأوجه بحجة محاربة الإرهاب والقاعدة.. صحيح إن هذه المهمة من اختصاص أجهزتنا الأمنية التي استطاعت عمل الكثير في هذا الجانب ولكنها تحتاج لنجاح مهامها إلى دعم وطني واسع وحقيقي لتعقب هؤلاء أينما وجدوا وإخراجهم من مخابئهم وبالتالي القضاء النهائي عليهم أو طردهم من ترابنا الوطني الذي يحاول هؤلاء المرتزقة والإرهابيين تدنيسه بالدماء التي حرم الله سفكها، أو الأعمال الإرهابية الجبانة التي تتعارض مع ديننا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الحضارية. وهناك أيضا مسألة أخرى أمام هذه الأحزاب والقوى الوطنية تتمثل في وضع حد لكل من يسعى لإثارة النعرات القبلية والمذهبية والمناطقية بدعم خارجي واضح ومعلوم فهؤلاء يجب إيقافهم عند حدهم ودعوتهم بالحسنى بالتوقف عن أعمال الإثارة والتخريب أو مواجهتهم بالسلاح الأقوى "الوحدة الوطنية" التي باستطاعتها لجم مشاريعهم ودحر أهدافهم وقطع "إمداداتهم" الداخلية أو الخارجية. وبعد توقيف هؤلاء يجب أيضا وضع حد ونهاية لحيتان وثعالب وعقارب الفساد ومواجهتهم بالنظام والقانون والسلاح الأقوى الذي نتحدث عنه فقد تمادوا كثيرا وأصبحت مصالحهم ومنافعهم الذاتية فوق أي مصلحة او منفعة وطنية فهم بتكوينهم وأطماعهم التي لا تنتهي لا يبالون حتى وان هدم المعبد على رؤوس الجميع فشعارهم الوحيد "أنا ومن بعدي الطوفان" وهذه المصالح والمنافع الذاتية التي يتكالبون عليها أصبحت "صنما " يعبد بل ويقدم له القرابين حتى وإن كان أحدها وطن ومصلحة شعب بأكمله!! خلاصة القول: المركب يسير في بحر هائج، والأخطار تحيط به من كل جانب بل وتحاول جاهدة إغراقه.. وهذه ليست مبالغة أو هواجس كاتب، بل حقيقة مشاهدة يحاول البعض إخفائها أو تأجيل الحديث عنها وهنا الخطأ الجسيم بعينة، فان لم نتدارك الأمر في الوقت المناسب وتتشابك وتلتحم الأيدي الوطنية داخل هذا المركب فأن غرقه سيكون محتوم وتبعات هذا الغرق ستنال من الجميع قصر الزمن أو طال. وبالتالي استشعار الجميع بهذه المخاطر وتماسك وحدتنا وجبهتنا الوطنية الداخلية هي وحدها من سيقود هذا المركب إلى بر الأمان وهي وجهتنا الوحيدة وخيارنا الوحيد للوصول جميعا إلى هذا البر الآمن فالوقت لا يزال في صالحنا، لذلك نتمنى أن لا نضيعه في دهاليز السياسة وصراع المصالح فيضيع منا عندئذ كل شئ..!