قتل الطالب الحوتي برصاص عسكري يعمل حارساً للبوابة الغربية لجامعة صنعاء. وقامت الدنيا ولم تقعد ليس لكون المقتول طالب وإنما لكون"القاتل" ينتمي للسلك العسكري أوكلت له مهمة حراسة بوابة أكبر مرفق أكاديمي في اليمن. الأمر الذي يجب أن يحظى بتصريحات وتقارير وعمليات اقتحام وتكسير للسيارة التابعة لرئيس الجامعة وتهديده بالقتل إذا ما سلم القاتل لقبيلة"همدان" للقصاص منه وإشفاء غليل الأسرة التي ينتمي إليها ومن ورائها قبيلته. وحتى لا يفهم البعض بأنني أدافع عن عملية القتل التي أودت بحياة الحوتي, أو عن جامعة صنعاء التي ننتمي إليها ونعاني من بسط اليد العسكرية داخل باحتها دونما حدود لها.على اعتبار أن المدخل الذي لم أحض بغيره ليكون مناسباً لمناقشة قضية هامة الحوتي والقدسي وجماعة مطهر المصري والشراعبه كما الذماريون والضالعيون وكل الذين يسقطون ضحايا للعقلية التي لا تبالي بأرواح الناس وقضاياهم يوحي بذلك، فأنني أجد نفسي مرغماً على توضيح الفكرة التي أريد إيصالها للقارئ، وهي عبور سريع على نقاط طالما مررنا منها غير مدركين بأننا نعمل على ترسيخ أساليب وطرق جديدة لانتزاع الحقوق العادلة لا تتلاءم ومجتمعنا اليمني الذي ينجر وراء هيجان العصبية والمناطقية والمذهبية لاعتقاده بأن النظام والقانون لن يكون فعالاً كما الاصطفاف وراء تنصيب القبيلة كقاضي يجلب الحق في اتجاه واحد هو المنتمي إليه. وهذا الاستنتاج الذي ذهبت إليه ليس بجديد كون الجميع يعرف ذلك, ويعرف بأن عدم مسارعة الدولة لتحضير القانون لاسترجاع الطفل العديني الذي اختطفته قبيلة بني ضبيان واللامبالاة التي تعاملت بها عندما اختطفت الطفلة حنان, وعدم إنصاف الحامدي الذي قتل على يد رجال ينتمون لسنحان. دفع المجني عليهم للاتجاه نحو القبيلة لسن قوانينها العرفية لحماية أبنائها بدلاً عن اللجوء للمحاكم وانتظار حكم القانون. ولعل قضية قتل الحوتي في جامعة صنعاء أعادتني إلى ضرورة التذكير بمخاطر القانون القبلي الذي يفرض على المواطن إتباعه بغياب المحرك العدلي في القانون الذي يجب أن يكون هو الفيصل في أي قضية من القضايا التي يكون المواطن طرفاً فيها,لكونه الوحيد الذي سيحمي الجميع ويبعدهم عن الارتماء وراء حكم"شيخ" القبيلة الذي غالباً ما تحركه البندقية ومجموعة رجال متطوعين لتنفيذ الحكم. في الجاني أو المجني عليه المتمترس هو الآخر وراء حامي قبلي. وبهذا يكون على الطرفين صياغة قانونيهما وفق طبيعة القبيلة ومدى القرب الذي يربطها بصانعي القرار, علاوة على أمكانياتها في التسلح وعدد المقاتلين الذين يُجندُ لتنفيذ الحكم. وهو ما ينتج عنه حكم تضادي يتحول معمماً على كل أبناء المنطقة التي تحتوي (الجاني/المجني عليه) فتكون النتيجة صراع بين قبيلتين لكلٍ منهما شرعه وحكمه الخاص ومبرراته التي يستند إليها في رد الفعل. ليتحول الصراع إلى بحث عن وسائل تحقق الهدف الذي يرتص خلفه رجال القبيلة. وفي هذه الحالة يتحول القانون إلى عبء ثقيل يفتقد لمرتكزات العمل به في ظل تجاهله من قبل المشرعين والحامين الذين لا يكترثون بكونه أصبح مادة دسمة للانتقاد الإعلامي فقط. فيفسحون المجال للشرع القبلي وشيخ القبيلة للعب دور القاضي والجلاد ويعملون على تسهيل المهمات التي تحقق تنفيذ الشرع القبلي كما حدث عندما أصطف أبناء من الحداء وراء داعي "القبيلة" لغزو شرعب لتحرير القوسي بدلاً عن الدولة والسلك العسكري الذي ينتسب إليه. فخيمت أجواء الحرب على تعز, وبثت أخبار الفاتحين الجدد بأنهم يتمركزون على مشارفها, فما كان من المعنيين بأمر توفير الأمن وحماية أرواح الناس إلا أن وقفوا متفرجين أمام التوافد القبلي لتعز بِعدهِ وعِتَاده. غير مخلصين لشرف النظام الذي يجب حمايته وسقط في مواقع كثيرة كان(الجاني/المجني عليه) يدخل ضمن نطاق اختصاصات العدل القبلي الذي يسري في نطاق واحد فقط في حالة إذا كان المجني عليه واحداً من أبناء القبيلة,حينها تتحرك القوافل والأوليات القانونية لشريعة "القبائل" التي تستند للعرف لتنفيذ"الحكم"في الجاني الذي قد يكون مدافعاً عن نفسه أو جانياً بطريق الخطأ,لكن ذلك لن يشفع له من الحكم الذي صدر عن مجالس القات والتجمعات البشرية. وهكذا يذبح القانون دونما نائحاً عليه أو معزياً في وفاته في بلد التجاوزات والقوانين التي تبدأ من تشريع بقاء النظام إلى شرعنه الممارسات المضرة بأمن الوطن,مروراً بالتغاضي عمداً عن الكثير من القضايا التي يذهب ضحاياها المئات الأرواح البريئة. أن قضية مقتل الطالب الحوتي كواحدة من قضايا كثيرة يجب أن لا تخرج عن النطاق المعني بها وهو "القانون" أما محاولة الالتفاف علية ليس سوى غرساً لسهم جديد يضاف لسجل حافل بالخروقات التي لن تخدم أحداً سوى أولئك المراهنون على دخول اليمن في نفق احتراب داخلي. لذلك وبينما نحزم حقائب خوفنا من القادم سيكون علينا أن نبقي خيطاً للأمل يحمي حقنا في الحفاظ على القانون وإعادة تفعيله بعيداً عن التخندق الحزبي والمراهنة الشخصية وقلة الوعي القانوني لدى القائمين على سير العدالة في مجراها الطبيعي. علينا أن نكون أكثر وعياً في التعاطي مع قضايانا العادلة وندع للقانون الحق في الفصل, لبلوغ العنق الذي حُشرنا فيه بفعل سياسة التدخلات وفرض الأحكام البعيدة كل البعد عن القانون. أن أهمية الفرد كعضو فاعل في المجتمع اليمني أياً كان انتمائه يقضي عليه دعم الحكم القانوني كمنفذ وحيد ينتصر لقضاياه بعيداً عن المزايدة ولغة"البندقية" التي لن تجلب سوى الدمار المستقبلي له والمجتمع الذي يعايشه . وهو ما يجعلنا نستفسر عن طبيعة القانون القبلي الذي أصبح سائداً في السنوات الأخيرة فمن قانون سنحان إلى حاشد وبكيل وأرحب ظهر قانون لهمدان يهدد ويتوعد بتنفيذ حكمه في قضية الطالب الحوتي..؟تلوح التساؤلات: هل أصبح نظامنا السياسي يدعم القوانين العرفية؟ هل يدرك وزير الداخلية والنائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى بأن التساهل وغض الطرف عن ما يجري من تلاعب بقضايا المواطنين يدفع"القانون القبلي" كبديل كارثي..! هم مشاركون في ذلك.. التساهل مشاركة.. وعدم القبض على المجرمين مشاركة في الجرائم يا وزير الداخلية.. قتلة الحامدي والقدسي وشيخ شرعب مازالوا فارين من وجه العدالة والمختطفين واللصوص والفاسدين وكل الذين يعيثون في البلاد مازالوا يتمتعون بحماية"خمسة نجوم" بعيداً عن أعين القضاء. اللجوء لقضاء عرفي ليس في صالحنا كمجتمع وفي صالحهم"كنظام حكم".. جمعينا نخسر فيما إذا قايضنا مستقبل بلادنا بغريزة انتقامية.. قد يحقق قضائنا القبلي الأحكام التي لم نصل إليها عبر القضاء في المحاكم.. لكن ما هو الثمن..؟ التساؤل مطروح لأولي الأمر في هذه البلاد. لسنا نقمين على حق والد الحوتي أن يرى قاتل أبنه وهو يقبع في مكانه الحقيقي , لكننا لسنا مع الاستهداف المبطن والمدروس للمؤسسة العسكرية التي يجب أن نسعى قدر الإمكان لضمان بقائها بعيدة عن محاولات ترسيخ ثقافة العِداء وتوطين الكراهية.قاطعين الطريق على بعض القيادات المحسوبة عليها في افتعال الأزمات أو إشعال فتائلها. بالأخير عدل وقضاء القبيلة لا يحمي أحداًَ, في سنحان يمكن أن يكون الرئيس هو الحامي.. وفي حاشد آل الأحمر وفي بكيل وأرحب وهمدان كما المقادشه والعنسيين وكل الذين يلجاؤن لمثل هذا القانون هي "البندقية"أما في المحافظات والمديريات المدنية فإن القانون مازال سيفاً مسلطاً لا يحمي إلا الظالمين. [email protected]