قال الاديب والناقد علوان مهدي الجيلاني ان اديب اليمن الكبير عبد الله البردوني كان بطبيعته ومزاجه صداميا ومواجها يقول ما يعتقده دون ان يابه لاحد، الامر الذي ادى الى جعل الكثيرين يعادونه او يخافونه. واضاف الجيلاني- خلال ندوة (البردوني.. الحضور والتميز) التي عقدت أمس الخميس بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاته، ونظمتها مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بتعز: ان البردوني كان احيانا يفتعل ما يثير ردود الافعال الضدية نحوه.. فقد كان يعترف ان العداوات تثير الملكات دون ان تلوث يدها بدم احد كالعداوات العشائرية والدولية، فالنظافة والاثارة الثورية كان يراهما اروع قيم ادب الحضارات. واشار الجيلاني في ورقته المقدمة للندوة، والتي حملت عنوان (ايقونة الاشباه والنظائر.. مقاربة أولى لاراء البردوني النقدية والفكرية والتاريخية) إلى ان خصومات الاديب الكبير ومعاركه الادبية كانت تلقي بظلالها احيانا كثيرة على آرائه وافكاره وتلعب دورا في تمترسه خلف وجهات نظر بعينها.
واضاف الناقد الجيلاني: ان المتتبع لاراء البردوني وافكاره ووجهات نظره ومواقفه المختلفة كثيرة وليس لها نهاية منها ذهابه الى ان حداثة الشكل في القصيدة اثبتت عقمها ادبيا وسياسيا لقلة الرؤى الحديثة والزوايا التحديثية. واضاف: ان الاديب البردوني كانت له اخطاؤه في النظر والرؤية تؤخذ عليه مثل رايه الشهير في توثيق شهادة من عاصروا بعض الاحداث مثلما ورد في كتابه (الثقافة والثورة في اليمن) الذي تساءل فيه عن سبب قيام مركز الدراسات والبحوث اليمني بالتوثيق لشهادات من خلال معاصرين للاحداث ولم يستكتب مؤرخين لهم تجاربهم في كتابة التاريخ.
وقال الناقد الجيلاني: ان البردوني وعلى مدى اربعين عاما نشر آرائه وافكاره وقراءاته ومقارباته المختلفة في الادب والفن والسياسة والتاريخ والاجتماع والتراث الشفهي متوضعة في القديم والحديث والجديد والمتجدد، مستفيدا من موسوعيته وتعدد مصادر المعرفة التي توفرت له والظرف الزمني والمكاني اللذين وُجد فيهما، والظروف الذاتية التي عاشها, منوها- في سياق ورقته- الى ان البردوني لم يكن اكاديميا تخضع كتاباته لمنهج معين او تستجيب لدواعي العمل الجامعي حتى تتناول الافكار من برج عاجي بدم بارد، فالرجل عاش ملتحما مع قضايا الناس وهموم الشعب، وكانت كتاباته ساخنة الينابيع جياشة الانفاس. مختتما ورقته بالتاكيد على ان قامة أدبية كبيرة كالبردوني ليس من السهل تقديمها في ورقة صغيرة وهو الذي تناول الوضع في اليمن بتجلياته المختلفة سياسيا وتاريخيا واجتماعيا وثقافيا وادبيا وفنيا.
من جانبه، قدم الاديب محمد ناجي قراءة نقدية لكتاب البردوني "الثقافة والثورة في اليمن"، متناولا تاريخ اليمن بتحليل المواقف المتعددة للاطراف سواء الاتراك او الامام يحيى او حروب تهامة او مواقف الانجليز او موقف المعارضة التي كانت تبنى على تاييد الحاكم وليست على مغايرة برامجية وبديل يتجاوز حكم الامام يحي بحسب راي البردوني وهو راي ينطبق حتى اللحظة.
وكان فيصل سعيد فارع- مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة- اشار الى ان منطق الاشياء في اليمن يقول ان سماء الابداع لايزال متشحا بالسواد منذ رحيله قبل عقد من الزمان, منوها الى ان البردوني كان قامة عظيمة متعددة الملكات بدلالة اقتحامه لمناطق اشتباه وعره وكسر للمالوف المتوقع لاجل معارك وصياغات ابداع فتية فهو في ذاكرة الاجيال لن ينسى، ودفع بسبب مواقفه الثمن غاليا وهو حي ولا يزال يدفع ثمنها حتى اللحظة لدرجة محاولة تهميش حضوره وتغييب نتاجاته. وقال: إننا نمارس جميعا خطيئة براءة الذمة على مستويات مختلفة فيما يتعلق بالاديب البرودني، وهي خطيئة يمنية متميزة؛ مؤكدا ان اجمل تعبير وتحية لهذا الرجل ان نصدر انتاجاته التي كان حريصا على ان يوفر ان يوفر كل فلس لجعلها متاحة للناس، وكان في حياته عملاقا مشغولا بحياة الناس ومعاناتهم، فهو قريب التواصل مع الناس وهو البصير المبصر. حضر الندوة، التي تخللها القاء قصيدة باللهجة التهامية للشاعر احمد سليمان، جمع غفير من المثقفين والادباء والاعلاميين بالمحافظة.