طبقاً لمنطق الحسابات العسكرية، فإنه وبعد مرور ما يزيد عن الشهرين من عمر الحرب السادسة في صعدة، تعرض خلالها المتمردون لسلسلة هجمات وضربات قتلت المئات منهم، ودمرت الكثير من معداتهم، واستنفدت ذخائرهم ومؤنهم، كان يفترض أن نجد الحوثي يبحث عن فرص الخلاص، ويضيّق دائرة المواجهة بالقدر الذي يناسب امكانياته المادية والبشرية.. لكن طبقاً لمنطق الواقع أقدم الحوثي على توسيع دائرة الحرب، وعبر الحدود اليمنية ليشن عدواناً غادراً على المقرات الأمنية الحدودية السعودية، لنجد أنفسنا نتساءل : لماذا فعل ذلك؟ لعل المتابع للحرب يتذكر أن الحوثي بعد أسبوعين فقط من اشعال الفتنة بدأ يصدر بيانات تتهم المملكة بالتورط في الحرب، فيما حرصت قناتا طهران والعالم الفضائيتان على عدم الاتيان على ذكر الحرب بدون ذكر المملكة العربية السعودية، وبما يؤكد أن النية كانت مبيتة من قبل إشعال فتيل الحرب لجر أقدام المملكة إلى الحرب..
لا شك أن الحوثيين لم يوسعوا عدوانهم على المملكة على خلفية قدرات قتالية عالية.. لأنهم فعلاً ضعفاء، ومنذ نحو الشهر تقريباً لم يجرؤا على شن هجوم واحد منظم كما كانوا يفعلون من قبل، بل إنهم بعدوانهم على المملكة يؤكدون أنهم لم يعد لديهم سوى هذه الورقة السياسية أكثر مما هي حربية- التي يلعبون بها، أملاً في إخراج الحرب من نطاق «التمرد الداخلي» إلى الأطر الدولية الأخرى التي- من جهة- تروج من خلالها لموضوع «الحرب المذهبية» فتكسب تعاطف بقية الشعوب المتدينة بنفس المذهب.. ومن جهة ثانية تروج من خلالها لموضوع «اضطهاد الاقليات» و«التمييز العنصري» لتكسب تعاطف المنظمات الدولية العاملة في مكافحة التمييز. أضف إلى ذلك، أن أي ردود فعل عسكرية سعودية من شأنها التحول إلى ورقة للاحراج الداخلي للسلطة، والضغط عليها لإيقاف الحرب بدعوى "قطع دابر التدخلات الخارجية بالشئون اليمنية"- وهو الخطاب الذي ما فتأت بعض الأحزاب اليمنية تردده بين الحين والآخر، بما فيها تلك القوى التي منذ نعومة أظافرها وهي تتسول على أبواب السعودية، ولولا ما يأتيها اليوم من تمويل من السعودية لكان لها موقفاً آخراً من حرب صعدة! أما المسألة الأخرى الأهم فيما أقدم عليها الحوثيون، فهي أنهم بمحاولة زج السعودية في الحرب يسعون إلى تأجيج العصبية المذهبية على مستويين: الأول في نطاق الساحة اليمنية بتأليب أبناء نفس المذهب في العاصمة وبقية المدن، من خلال التسويق للحرب على أنها "وهابية"، وجرهم إلى أتون حرب أهلية- وهذا هو الخطاب الذي نقرأه في واجهات وسائل إعلام كثير من صحف المعارضة. أما المستوى الثاني، فهو تأليب أبناء المذهب الشيعي داخل ساحة المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى ثم بقية الدول الخليجية.. إذ في الأونة الأخيرة بدأت أنفاس المذهبية تتصاعد بشكل ملفت في "الأحساء، ونجران، وجيزان" وغيرها من المدن السعودية، التي وصلت المذهبية فيها الى مدرجات الملاعب الرياضية.. والأمر نفسه شهدته الكويت بصورة ملفته أقلقت الحكومة نظراً لتصدر الخطاب المذهبي وجهات وسائل الاعلام، غير أن الكويت ما تزالت أكثر دول الخليج حزماً في التعاطي مع المسألة المذهبية؛ خلافاً لدولة البحرين التي دخلت الأنفاس المذهبية أروقة البرلمان والجمعيات والمحاكم. ومن المؤسف حقاً، أن تسمح الحكومات بتداول القضايا السياسية بأنفاس مذهبية، مع علمها المسبق أن لا قبيل لأي دولة في العالم- مهما بلغت قوتها- بمواجهة (الفتن المذهبية)، التي هي الرهان الجديد للقوى الدولية في تفتيت ما بقي للمنطقة من وشائج وحدوية.. وبتقديري أن الصراع الذي تخوضه دول المنطقة مع إيران أخل بالتوازنات الأمنية القومية، إذ أن الحكومات العربية لم تنجح في موازنة خطوط حربها بين جبهة مواجهة المد الايراني وبين جبهة مواجهة التنظيمات الجهادية الارهابية- القاعدة وغيرها- التي كانت الأشد فتكاً بدول المنطقة.. وهذا بحد ذاته سمح للقاعدة بتوسيع نفوذها ونشاطها، ولا استبعد إطلاقاً أن تفاجئنا يوماً بعمليات نوعية كبيرة. إن السياسة لا تتفق مع العاطفة التي نجتر بها الأحداث، بل مع العقل والحكمة؛ وإذا ما أعدنا قراءة خارطة الحرب "الحوثية"، فمن المؤكد أننا سنقف أمام حقائق خطيرة تؤكد أن من يدير دفة الحرب هو ليس الحوثيين إطلاقاً، وإن عبد الملك الحوثي- الذي لم يبلغ من العمر ثلاثين عاماً- ما هو إلاّ إسم تندرج تحته قوى أخرى على غرار اسم "أسامة بن لادن" الذي أصبح ماركة مسجلة عالمياً لكل عمليات المافيا، والموساد، وأجهزة المخابرات العالمية.. للأسف الشديد أننا كل يوم نسمع من الأحزاب اليمنية من يقول للناس: أن الحديث عن الحوثي والقاعدة والحراك ما هو إلاّ تهويل من قبل السلطة لترهيب الشعب، في نفس الوقت الذي تتواصل التفجيرات، والاغتيالات في كل مدننا، وتنصب الكمائن للقادة الأمنيين، ويذبح الأبرياء تحت مختلف العناوين والتبريرات... ومع هذا لا نجد من يسأل: لماذا تقوم هذه القوى بتضليل الرأي العام عن حقيقة الخطر المحدق بالوطن؟ ولماذا لم يطالبها أحد بتفسير العملية الارهابية التي طالت ثلاثة قادة أمنيين بحضرموت؟ أو بتفسير كل الاغتيالات والاختطافات والاعتداءات التي تحدث في البلد؟ أن السلطة مسئولة عن محاسبة كل القوى التي تنصب نفسها وكالات دفاع عن القوى الارهابية.. كما أن على المملكة العربية السعودية أن تعيد مراجعة حسابات الدعم السخي الذي تقدمه للجهات غير الحكومية في اليمن.- سواء بصفة رسمية أو أهلية- لأن بعضها تحول إلى السكين التي ستذبح اليمن ودول المنطقة من الوريد إلى الوريد..