أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    الإعلان عن مساعدات بريطانية ضخمة لليمن    موقف عامل يمني بسيط يرفع رؤوس اليمنيين في المملكة !!    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والسعودية.. أخطاء بمواجهة الحرب الحوثية (قراءة تحليلية)
نشر في نبأ نيوز يوم 23 - 01 - 2010

رغم انقضاء ما يزيد عن أربعة أشهر من زمن الحرب، إلاّ أن المؤشرات الميدانية لا تنبئ بأن صناع القرار في اليمن والسعودية قد وقفوا على إجابة محددة لأول أسئلة الحرب: ماذا يريد الحوثيون..!؟ مع أن التكهن بالهدف المرجو من إشعال فتيل الحرب هو ما كان ينبغي أن يحدد خيارات المواجهة، وزمنها الافتراضي، ورهانات كسبها.. لكن في ظل غياب الإجابة، فإن السؤال البديل الذي نطرحه اليوم: ما هو مقياس النصر والهزيمة في هذه الحرب..!؟
إن كل التصريحات الرسمية الصادرة عن اليمن أو السعودية تتحدث بلغة الأرقام العسكرية، ومستوى الدمار الذي ألحقته قطاعاتها المسلحة بالمتمردين الحوثيين، لذلك فهي تزف بين الحين والآخر بشائر اقتراب النصر.. غير أن الأمر لدى الحوثيين بدا مختلفاً تماماً. فهم وإن تفاخروا في بياناتهم بعمليات مسلحة نوعية ضد الجيشين اليمني والسعودي إلاّ أنهم عملياً لا يكترثون لأي حسابات عسكرية..
فلو كان الحوثيون يضعون للأرقام العسكرية اعتباراً لما شتتوا قواتهم في كل الأرجاء، ولما وسعوا دائرة الحرب إلى الأراضي السعودية.. بل لحشدوا كل إمكانياتهم البشرية والمادية في نطاق جغرافي محدود، يسهل بسط نفوذهم عليه وحمايته بقوة- كما هو حال كثير من حركات التمرد المسلحة في العالم.. وهو ما يضعنا أمام تساؤل جديد: هل كان كل طرف يخوض حربه الخاصة، أم أن أحدهما جرّ الآخر لغير ساحة الحرب الحقيقية..!؟
* أجندة خارجية.. لكن ما هي؟
الحوثيون، ومنذ بداية الحرب، يعتمدون أسلوب الهجمات الخاطفة (الكر والفر)، وكلما اشتد عليهم الضرب في موقع فرّوا منه إلى آخرٍ جديد، من غير تفريق بين أن يكون الموقع الجديد مأهولاً بالحياة أم جبلاً لم يسبق أن وطأته قدم بشر؛ فما يهمهم هو استدراج الجيش إلى معركة جديدة، واستنزاف الوقت لإطالة زمن الحرب، "لغاية في نفس يعقوب"!
إن ذلك التكتيك يؤكد أن مقاييس النصر والهزيمة لدى الحوثي لا علاقة لها بالأرقام العسكرية التي تتحدث عنها السلطات، وأنه لا يحسبها بحجم المساحات التي تحتلها قواته، أو الدمار الذي يلحقه بصفوف الجيش.. وبالتالي فإن تقديرات اللجنة الأمنية اليمنية العليا بأن الحرب شارفت على النهاية، وإعلان الأمير خالد بن سلطان "بانتهاء العمليات العسكرية الكبرى" قد تكون صائبة نسبياً لو كان هدف التمرد عسكري "استيطاني"- أي احتلال صعدة وبعض المناطق الحدودية السعودية. لكن تكتيكات الحوثيين، وتوسيعهم دائرة الحرب تؤكد أن للتمرد هدف آخر لم يدخل حسابات النصر والهزيمة لدى اليمن والسعودية، وهذا هو أول الأخطاء الفادحة التي أرتكبت، وجعلت السلطات تعلق مصير الحرب بمبادرة سلمية، كما لو خيل لنا أن هناك جهات لديها أموالاً طائلة للتبذير، أنفقتها على تدريب وتمويل الحوثيين دون أن تنتظر عائداً من حربهم..!
إننا كثيراً ما سمعنا القادة في اليمن والسعودية يتحدثون- بشيء من الحياء- عن (أجندة خارجية) للتمرد الحوثي، غير أن ذلك المنطق ظل محصوراً في نطاق الخطاب السياسي، ولم يتعداه إلى المكاشفة بتفاصيل تلك الأجندة، أو إلى خطوات عملية (وقائية) لإفشال المخطط المرسوم بتلك الأجندة.. الأمر الذي ترتب عن ذلك نتائجاً سلبية تصب في صالح الأهداف الحقيقية للتمرد.. وهو ما سنأتي على توضيحه لاحقاً.
ومع أن المسئولين الحكوميين كانوا يرددون بين الحين والآخر اتهامات حول سعي إيران لتصدير المذهب "الشيعي" إلى اليمن عبر الحوثيين، إلاّ أنهم لم يكونوا على قدر من الجدية والمسئولية في أطروحاتهم، بحيث يتساءلون: كيف، وما هي الآلية..؟ ولماذا الإصرار على تكرار الحرب للمرة السادسة إن كان الهدف المذهبي أسهل تحقيقاً في زمن السلم- مع وجود حريات التعبير، وتعددية حزبية ميمكن اتخاذها مظلة شرعية لتمرير الهدف؟ ثم لماذا توسيع جبهة العدوان نحو السعودية إن كان ذلك سيضيف مقاوماً قوياً جداً لأي مشروع مذهبي!؟ فهذه الأسئلة وغيرها لم تجد طريقها إلى النقاش حتى هذه اللحظة، وهو ما يرجح عدم دراية صناع القرار بتفاصيل وآليات (الأجندة الخارجية) التي يجري الحديث عنها.. وهذا خطأ آخر تم ارتكابه، إذ أن الأهم من العلم بوجود مخطط هو التكهن بآليات تنفيذه..!
* المشروع الإيراني الذي ظل سراً..
إن فحوى (الأجندة الخارجية) تنطلق من مشروع- ربما سأكون أول من يكشفه للرأي العام- تم بلورته قبل ما يناهز السبع سنوات لدى المراجع (الشيعية) الإيرانية، وهو مشروع (حماية الأقليات الشيعية)- أي المذاهب التي تنتسب للمذهب الشيعي مثل: الزيدية، والإسماعيلية، والجارودية، وغيرها- والسعي لاحتوائها تحت مظلة الحوزة الجعفرية "الاثنى عشرية" في "قُم"، بدعوى القلق من ذوبان هذه "الأقليات" في مذهب الأكثرية "السُنية" في بلدانها..
غير أن الهدف الحقيقي للمشروع هو فرض هيمنة الهوية "الشيعية الفارسية"، التي تتميز بعنصريتها المقيتة، وعدائيتها للمذاهب الأخرى، على الهوية "الشيعية العربية" المعروفة باعتدالها، وتعايشها الآمن مع المذاهب الأخرى.. وهذا الفرق بين "الشيعة الفرس" و"الشيعة العرب"- مع الأسف الشديد- ظلّ موضع تهميش مفكرينا، وباحثينا، وتجاهلته الأنظمة السياسية رغم أنه مترجم بين مواطنيها منذ قرون.
ولعل ما شجع إيران على هذا "الطموح" هو انهيار العراق- الذي تشكل الشيعة 66% من سكانه- على خلفية الغزو الأمريكي 2003م، ونشوء فراغ مؤسسي وأمني وثقافي سارعت طهران لاستثماره وإشغاله في الجنوب ومعظم المناطق الوسطى، ومباشرة اللعب بأوراق القوى الوطنية العراقية بما يخدم تعزيز نفوذها، والترويج لتراثها "الشيعي الفارسي" بالاحتواء الضمني للمرجعيات الدينية العراقية..
أن هذا الدور الجديد وضع إيران بمركز "الريادة المذهبية" أو "الوصاية"، وشجعها للتطلع لاحتواء البقية.. ولما كان ذلك "الطموح" ليس سهلاً بلوغه إن لم تتهيأ له ظروف استثنائية، إذن كان لابد من البحث عن طريقة ما تجر بها دول المنطقة إلى الفوضى الأمنية والصراعات المذهبية والمناطقية والعرقية.. ومن هنا جاء الرهان على صعدة، والرهان على "الحوثيين" من خلال استغلال الصراع المتنامي الذي كان قائماً بين قطبي المرجعية "الزيدية": السيد بدر الدين الحوثي والسيد مجد الدين المؤيدي.
من جهة أخرى، فأن ظروف صعدة كانت مهيأة لحمل الأجندة الإيرانية لأسباب عديدة منها: أولاً- تفشي الفقر والجهل بين سكانها، ثانياً- وجود مئات الشباب الخريجين من المعاهد والجامعات الإيرانية عبر برنامج المنح الدراسية، ثالثاً- ارتباط معظم شخصياتها الدينية والثقافية بعلاقات جيدة مع جهات إيرانية مختلفة، رابعاً- وجود صراع بين التيار السلفي الذي استوطن "دماج" وبين "الزيود" الذين يتهمون السعودية بالوقوف وراءه، خامساً- جوارها للطائفة الإسماعيلية عبر الحدود السعودية، سادساً- وجود شخصيات معارضة للنظام اليمني مقيمة في إيران، وسابعاً- وجود أكبر أسواق السلاح على مستوى اليمن في صعدة.. لذلك كانت صعدة تمثل لإيران نموذجاً بمواصفات مثالية غير متوفرة في أي مناطق عربية أخرى.
ومن الواضح للعيان أن المشروع الإيراني التقى بالمشروع الأمريكي "الشرق الأوسط الكبير"، وأن تقاسم الأدوار تم الاتفاق عليه قبل الشروع بغزو العراق، لذلك كفلت إيران احتواء أي مشروع لمقاومة الاحتلال في جنوب ووسط العراق، وتعايشت أجهزتها مع الأمريكان داخل العراق بوفاق منقطع النظير، خلافاً لما تصف به أمريكا ب"الشيطان الأكبر".. وللأسف لم تلتفت الحكومات العربية إلى هذا الموضوع، وواصلت اليمن والسعودية الأخذ بالتقارير والتسريبات الأمنية الأمريكية فيما يتعلق بالحرب ضد الحوثيين..!!
* الشرارات الأولى للفتنة..
لقد ذكرت في قراءة تحليلية سابقة بعنوان (إدارة الحرب الإعلامية.. قراءة تحليلية لرهانات حوثية) بتاريخ 15 ديسمبر 2009م، أن الهدف الحقيقي من الحرب ليس عسكري وإنما هو "ثقافي وإعلامي" يهدف إلى الترويج للفتنة المذهبية.. لكن التصريحات الرسمية واصلت قراءة الحرب بأرقام عسكرية، وأغفلت مجدداً الإجابة عن الأسئلة الأولى للحرب: ماذا يريد الحوثيون؟ ولماذا عاودوا إشعال الحرب للمرة السادسة؟ ولماذا لا يعرف لهم العالم أي مطالب محددة أسوة بحركات التمرد في العالم؟ ولماذا وسعوا الحرب نحو السعودية؟
اليوم نستطيع الجزم بأن الحوثيين أشعلوا أكبر حرب "إعلامية" في تاريخ المنطقة، وأن أعمالهم المسلحة لم تكن سوى وسيلة ترويجية.. وإن توسيعهم الحرب نحو السعودية يدخل في سياق الرهان الترويجي أيضاً.. فالسعودية تتمتع بأكبر ثقل سياسي واقتصادي وديني في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن أي حدث يرتبط بها سرعان ما تتناقله مختلف الوكالات الإخبارية العالمية.. لذلك فإن زج السعودية في الحرب سلط أضواء العالم بأسره على أحداث التمرد الحوثي، وبالتالي فإن العمل العسكري كان هو المدخل لفتح ملفات الفتنة المذهبية، وغرس مشاعر الكراهية بين الطوائف الإسلامية داخل البلد الواحد من خلال تسويق الحرب إعلامياً على أنها حرب ضد "الشيعة" في صعدة، فأطلق ذلك التوجه أبواب الحرب الخطابية المذهبية أمام جميع التيارات المتشددة.
وقد أسهم الخطاب الرسمي الإيراني- على مختلف المستويات القيادية- ومعه خطاب المرجعيات الدينية العليا، في استفزاز الشارع العربي، وجره إلى حرب باردة ذات نكهة مذهبية تزكم الأنوف.. وكنا نتوقع أن تبادر السلطات- خاصة في اليمن والسعودية- إلى سحب بساط الترويج للفتنة المذهبية من تحت أقدام الإيرانيين والحوثيين، لكن المفاجأة التي حدثت هي أن وزراء ومسئولين حكوميين بدءوا يتحدثون لوسائل الإعلام على أن الحوثيين (يتلقون دعماً من "الشيعة" في السعودية والبحرين والكويت والعراق وبقية الدول الخليجية).. فكان أن مثل هذا الخطاب- بتقديري- الخطأ الأكبر فداحة بين الأخطاء التي ارتكبت خلال الحرب الحوثية السادسة.. لأنه أطلق الأبواب أمام جميع القوى لتصنيف أبناء المذهب الشيعي في بلدانهم في خانة (الخونة والمتآمرين) على أوطانهم، دون أن تحرك الحكومات ساكناً لحماية وحدتها الوطنية.
ومن هنا تفجرت المعارك داخل برلمان مملكة البحرين في حرب تخوين وتحريض بين الكتل "السنية والشيعية"، وصار كل طرف منهما يحشد لها المنابر الدينية والوسائل الإعلامية المختلفة... وفي دولة الكويت اشتعلت الحرب المذهبية أولاً في وسائل الإعلام لدرجة أن اضطرت وزير الإعلام إلى التدخل بقرارات "طواريء" لمواجهة خطاب الفتنة، غير أن الأمر لم يجد نفعاً لأن الفتنة انتقلت إلى أروقة مجلس الأمة الكويتي وأصبحت عنوان لأزمة جديدة يستعر لهيبها على واجهات الصحف... وفي المملكة العربية السعودية، التي بشق الأنفس أطفأت قبل أقل من عامين شرارة الفتنة في "القطيف"، فجر أحد مشائخها مؤخراً قنبلة المذهبية في هجوم شرس طال أبنائها من الطائفة "الشيعية"، لنتفاجأ بعدها بساعات باشتعال الحرب الإعلامية المذهبية في مختلف المواقع والمنتديات الالكترونية التي غرقت بالخطاب المذهبي فيما وزارتي الإعلام والثقافة السعودية تتفرج.. وانفردت صحيفة "عكاظ" بالانتفاض في وجه الفتنة، ومحاولة ردع المروجين لها، مسجلة بذلك أروع موقف إعلامي وطني مسئول على مستوى الساحة السعودية، حتى وإن ظلت المنابر تلوك بالفتنة..
وهنا يمكننا القول أن ما حدث هو الهدف الحقيقي من وراء الحرب الحوثية.. وطالما وشرارة الفتن المذهبية اشتعلت داخل السعودية والبحرين والكويت وغيرها، فإن تغذيتها بمزيد من مشاعر الكراهية التي توصلها إلى حالة الانفجار، أمر سهل بفضل الصحافة وإعلامنا الالكتروني البليد، وبفضل الفساد والمحسوبية التي وضعت المؤسسات الثقافية والإعلامية في بلداننا بأيادٍ غير أمينة، ذبحت الثقافة الوطنية من الوريد إلى الوريد..
إن ما يمكننا قوله الآن هو أن المهمة (الحربية) للحوثيين انتهت بكسر حاجز الوفاق والوئام بين طوائف كل بلد، وغرس بذور التباغض والكراهية بين أبناء الشعب الواحد تحت شعارات مذهبية، وإشاعة ثقافة التجريم والتخوين للآخر المختلف.. لذلك علينا أن نتوقع إعلان انتهاء الحرب السادسة في أي ساعة قادمة..!
* تحديات جسيمة بالانتظار!
بتقديري، أن أي اعتقاد من قبل اليمن أو السعودية بأن إعلان الحسم العسكري يعني زوال الخطر الحوثي سيكون بمثابة الخطأ الأشد فداحة، لأن "الحوثية" حرب فكرية وثقافية لن يمنعها أي جدار حدودي فاصل بين البلدين، أو منطقة عسكرية عازلة، من بث سمومها عبر الفضائيات، والمواقع الالكترونية، والوصول إلى غرف النوم..
كما أن الحرب خلفت آثاراً نفسية، ومشاعر كراهية، ولصقت شبهة "الخيانة والتآمر" بحق أبناء طوائف محددة، وأطلقت أيادي القوى المتشددة من جميع المذاهب لتراشق خطاب الفتنة عبر مختلف المنابر الدينية والإعلامية والثقافية والسياسية، وأعادت إنتاج قوى انتهازية جديدة، وخلقت مناخاً حساساً من العلاقات الاجتماعية والمؤسسية... وكل ذلك يمثل تحديات كبيرة وخطيرة إن أخفقت السلطات في التعاطي معها بروح المسئولية الوطنية التي تتقدم على أي حسابات خاصة فإنها ستجد نفسها غارقة بالأزمات الخطيرة التي تهدد سيادتها الوطنية..
إن من الأخطاء التي ترتكبها حكوماتنا اليوم هو الاستهانة بخطورة البناء الرخو للقواعد الإعلامية للدولة، والتي تجلت بأوضح صورها خلال الحرب الحوثية السادسة، التي فتحت أبواب التوسع الأفقي بأعداد المنابر الإعلامية بقصد مواجهة الترويج الحوثي، وتجاهلت أن حاجتها الحقيقية تكمن في التوسع العمودي (النوعي)، الذي يحترف صناعة الموقف الوطني، والتعاطي مع المعلومة بمسئولية، ودراية بحقيقة ما يجري، واتجاهات الحرب النفسية.. وليس التخبط الأعمى، والتحول إلى متجر لتسويق البيانات الحوثية، وترويج الإشاعات التي تمس السيادة الوطنية، وتطيح بمعنويات المدافعين عن الوطن، وتزعزع ثقة الساحة الشعبية بقيادتها السياسية- حتى وإن كان ذلك عن جهل وقصر نظر- فإن الجهل أكبر آفات الدمار..!
لا شك أن على صناع القرار الالتفات إلى أن فشل الإعلام في إيصال الخبر، والحقيقة، والتحليل الموضوعي الأمين إلى ساحة الرأي العام سيخلق فراغاً معرفياً لدى الشارع، وحينئذ لن تفوت القوى المتربصة بأوطاننا فرصة إشغال الفراغ بفكرها المتطرف الهدام، وتعبئتها المغلوطة، وتسريباتها الزائفة، لتفاجأنا لحظة احتدام الموقف بأن شوارعنا مهزومة قبل سماع أزيز الرصاصة الأولى...
أن اليمن والسعودية مليئة بالمفكرين والمثقفين والإعلاميين الأفذاذ القادرين على إدارة الأزمة الثقافية، وصد دعوات التمزيق، وحملات غرس الكراهية، ووئد كل أشكال الفتن، غير أن هؤلاء ينتظرون من يمكنهم من المسئولية، ويحملهم الأمانة الوطنية بدلاً من القوى الانتهازية.. فالمرحلة القادمة أخطر من أي مرحلة سابقة، وما لم نعيد حساباتنا في آليات مواجهة التحديات، فإننا نكون قد اتخذنا قراراً غبياً بالانتحار..!
.........................................
* مدير تحرير نبأ نيوز
[email protected]
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.