كشف الفنان كاظم الساهرعن علاقة عميقة تربطه بالنص الشعري العراقي وخصوصاً قصائد بدر شاكرالسياب ،وقال ان روح مفرداتها تكتنز حساً موسيقياً هائلاً بحاجة الي آلية تعبير نغمية تتوافق معها. وجاء كلام الساهر في حوار مع (الزمان) في لندن هذا الاسبوع بعد أن احيا حفلاً في رواق قاعة (البرت تاول هول) لحساب مؤسسة ملكونيان خصص ريعه لاطفال الشرق الاوسط. وقال الساهر الذي بدا مسيطرأً ليس علي أدواته الموسيقية حسب ، بل علي لغته وانتقاء مفرداته للرد علي اسئلة الصحفيين في المؤتمر الذي سبق الحفل، والتي كانت غالباً تدير قوس الكلام صوب السياسة، أن مكنون الابداع في داخله مرتبط بحسه العراقي والا لما كانت انتقائيته علي درجة من الدقة في تلحين القصائد. وعبر الساهر الذي راهن علي حلمه الفني منذ أكثر من ربع قرن عن ولهه بقصائد بدر شاكر السياب وأمل ان يصل بتلحين مجموعة من هذه القصائد تصل الي روح المفردة التي عناها السياب وليس الي آليتها. وقال في حديث ل (الزمان) برواق قاعة البرت تاون هول المدجج بالفخامة والذي شهد مسرحها وقوف أشهر نجوم الموسيقي الكلاسيكية وموسيقي البوب في العالم ، انه عندما يردد مع نفسه قصيدة السياب ( أحبيني ... أحبيني ... فكل من أحببتهم قبلك لم يحبوني) يكاد يرتقي بلحن أشبه بحلم هذه القصيدة وأمل أن يصل له. وكان يود الفنان الذي يعد (جائزة ترضية للعراقيين) أزاء الخسارات التي منيت بها البلاد ، أن يلحن قصائد مثل (أنشودة المطر) ( وغريب علي الخليج) ، لكنه عزف عن الفكرة بمجرد معرفته بتلحينها وادائها من فنانين أخرين. وشدد الساهر علي علاقته مع القصيدة كونها توثق الصلة بجمهوره وهو شديد الحرص علي انتقاء المؤثر منها وتلحينه ، معبراً عن امله التعاون مع شعراء مهمين في هذا الجانب. وقال كان يفترض أن أحصل علي قصيدة من الشاعر مظفر النواب في حديث هاتفي جري بيننا في بيروت ،لكن شاءت الصدف الا يتم هذا اللقاء حتي الان. وأكتنفت الساهر مشاعر حزن عميق تليق بعراقي مثله حيال أحوال بلاده ، رافضاً في الوقت نفسه توجيه رسالة الي السياسيين مبدياً امله ان تكون أفعالهم بمستوي لغتهم (الرائعة) حسب تعبيره. وشدد علي قيمة الوحدة التي تجمع العراقيين مشيراً الي فرقته الموسيقية الي وصف أعضائها بالابطال ، كونها تمثل عراقاً مصغراً من جميع الطوائف والمدن ، يواجهون المخاطر في سفرهم من العراق لمرافقته الي دول العالم المختلفة. وأبدي استياءه من لغة التقسيم التي تكتنف حياة العراقيين اليوم مشيراً الي أمه النجفية وأبيه السامرائي اللذين ربيا عائلة متكاتفة تشعر بوحدتها، كما هو حال فرقته الموسيقية التي ينحدر أعضائها من مختلف مدن وطوائف العراق ويؤدون عزفاً هارمونياً متسقاً خالي من النشاز. وتذكر سفير الاغنية العراقية فجيعة رحيل فنان بقامة غازي التكريتي تحت وطأة المرض والجوع أبان طوق الحصار الاعمي الذي كان مفروضاً علي العراق انذاك ، منبهاً ان الفجيعة نفسها تتكرر اليوم مع نخبة رائعة من الفنانيين العراقيين يعيشون في اسوء الاحوال. وقال انه عندما عمل مع الفنان الراحل غازي التكريتي في مسلسل (المسافر) للمخرج فلاح زكي أكتشف قيمة مايكتنزه هذا الانسان المتلبس بروح فنان علي درجه عالية من الامتياز الحسي ، حتي ان الفنان الانكليزي الراحل اوليفر ريد كان يخاطبه بصديقي (غازي). وقال الساهر الذي عبر عن أعتزازه العميق بجمهوره العراقي وقال لولاه لما طاف ارجاء العالم حاملاً كلمته الأولي، أنه يركز علي رسالته الفنية حيال الخطاب الاعلامي المتفاقم عن لغة الموت القادم من العراق ، مشددأ بقوله ان رقة وتعبيرية الفن العراقي هي الممثل الواقعي وليس لغة الموت الشائعة اليوم. وأضاف اننا بحاجة الي ايصال هذه الصورة الي العالم بكل مانحمل من قدرة ، فعلي هذا العالم أن يدرك ان البلد التي لديها هذه النخبة من الفنانيين التشكيليين مثلاً ، هي خلاصة لعمق ابداعي لايعرف لغة الموت .