بدا جميع حاضري منتدى السعيد الثقافي وهم يسمعون بإنصات إلى السفير الكويتي سالم غصاب الزمانان كما لو كان لسان حالهم يقول (ليت الزمانان كان سفيرا للكويت في اليمن من زمان), ذلك إن الحضور الكثيف الذي ميز المنتدى ربما منذ افتتاحه قبل عقدين بدا كما لو كان استفتاء من نوع آخر على حضور الكويت في قلب أهل اليمن وهم الذين تعلموا في مدرسة الكويت وجامعة الكويت وقرأوا في مكتبة الكويت وعالجوا مرضاهم في مستشفى الكويت. حضور حول قاعة السعيد كما لو كانت فصلا دراسيا مزدحما في اليمن حيث يتوزع الطلاب على الشبابيك والزوايا ويقسم البعض الآخر أنفسهم فوق المقعد بمعدل أربعة لكل مقعد, وليس مبالغة القول إن كل شرائح المجتمع التعزي وسلطته المحلية كانوا في حضر السفير الزمانان يتقدمهم حمود الصوفي وأعضاء مكتبه التنفيذي والسلطة المحلية وريفيون كثر قدموا من المديريات النائية.
أما السفير المثقف الذي نهل مثل غيره في العالم العربي من تجربة الكويت الثقافية الرائدة في المنطقة فكان هو الآخر نجما ساطعا في سماء السعيد يشدو في حب اليمن ويمتعهم بما تزخر به الكويت من حب لأهل اليمن الذين شاركوها في مطلع الخمسينات في تقديم المشورة حول بعض المجلات الثقافية الصادرة من بينهم مجلة العربي الشهيرة التي قال عنها السفير أنها (سفير الثقافة العربية في بيوت العرب), هذه المجلة التي لا يخلوا بيت في المنزل لم يحجز نسخته منها يوما ما.
محاضرته التي ألقاها تحت عنوان (الكويت والتنمية.. التنمية الثقافية نموذجا) عكست في ثناياها حجم معرفة الزمانان الواقع العربي وبأهل اليمن على وجه العموم وتحديدا محافظة تعز التي وصفها بالمحافظة المثقف أهلها وبتجارها المستنيرون حاملي مشعل الثقافة بيد ومشعل الإنسانية باليد الأخرى وهو ما جعل المحافظ يصمد على غير عادته حتى نهاية المحاضرة استمتاعا بما ورد فيها من إشارات بالغة التشويق والأهمية.
صفحة طوت من سحابة صيف مرت في سماء العلاقات بين البلدين المتحابين منذ القدم, عبر عنها أبناء تعز بهذا الاحتفاء الكبير بالسفير في حين تمنى كثيرون لو تمكن من مصافحته ليعبر له ربما بكلمة (آسف) فقد كان موقف اليمن في حرب الخليج الأولى يصب في خانة (الظاهرة الشعاراتية التي أثبتت فشلها) في كل الأحوال في المنطقة.
محاضرة السفير (المطولة) غفر لها أسلوبه في الطرح وثرائها في التناول وشوق أهل تعز لنسمة هواء ثقافية كويتية تعطر أريج السعيد الثقافي وتأخذ شكلا مختلفا هذه المرة غير الكتاب والمجلة والمسرح ويكون مصدرها احد رواد الثقافة في الكويت مباشرة.
فالتنمية الثقافية في نظر السفير المثقف هي ما تحدثه في ثقافة وفكر الشعوب وهي كذلك كانت في الكويت فقد الأمس الكويتيون التنمية في بلدهم سواء في البنية التحتية أو في البنية الثقافية والمعرفية والإنسانية بما انعم الله عليهم من ثروة نفطية فالنفط لم يكن هو من واجد الثقافة بل هي من قبل الطفرة النفطية بعقود.
وأضاف السفير في هذا السياق أن أهل الكويت تحملوا مسؤولية أخلاقية تجاه الدول العربية وأسهموا في تنميتها كسياسة خارجية خالية من الاعتبارات الأخرى فكانت الكويت عبر مؤسساتها التنموية الاقتصادية تجوب البلدان العربية لتؤسس مشروعا يؤثر في حياة الناس ولذلك كانت الأولوية فكانت عشرات المدارس والكليات والجامعات والمستشفيات لتوجد أساسا للحياة العصرية والتي لن تكون كذلك بدون الثقافة اللازمة للتعامل مع الأحداث والمتغيرات. * مراسل "نبأنيوز" في تعز