-دي برس/ حمزة مصطفى المصطفى - نحن "العثمانيون الجدد"، هكذا عبر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو نهاية العام الماضي في معرض رده عن سياسية تركيا الفاعلة في الشرق الأوسط. كلام أوغلو لم يلق ارتياحاً في الأوساط الغربية، خاصة عند الحليف الأقوى (واشنطن)، والتي دائماً ما حملت بعض الدول الأوربية كفرنسا وألمانيا مسؤولية الانعطافة التركية باتجاه الشرق. منتصف العام الجاري صدرت دراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية حذرت قادة واشنطن من توجهات تركيا الجديدة داعية الغرب إلى إعادة تركيا إلى حاضنته. الدراسة السابقة لامست هواجس صانع القرار الأمريكي، والذي بدأ بابتداع الوسائل لتحقيق غايته فلم يجد من بد سوى طرح مشروع نشر الدرع الأمريكية التي أصبحت درعاً أطلسية في أراضي بلاد الأناضول. ضمن السياق السابق تبدو حكومة أنقرة في وضع حرج للغاية بعد مطلب واشنطن نشر المنظومة الصاروخية للدفاع الجوي ضد أخطار الصورايخ البالستية والمعروفة ب" الدرع الصاروخي" على الأراضي التركية. خاصة في ظل الضغوط التي تمارسها إدارة أوباما على حليفتها لحملها على الموافقة بدايةً على نشر سلسلة أنظمة رادار، التي تعتبر إحدى المكونات الرئيسية للدرع المزمع نشره وربطها مع باقي المكونات التي ستنشر في رومانيا والتشيك. تنظر تركيا بعين الريبة إلى هذا المشروع، انطلاقاً من موقعها الجيوسياسي الذي يحاذي دول لا تتوافق توجهاتها السياسية مع الاستراتيجيات الأمريكية، خاصة إيرانوروسيا. إضافة إلى مخاوف بأن يسهم ذلك في تدهور علاقاتها مع هذه الدول بعد الانفتاح التي شهدته خلال السنوات الماضية. كما تخشى تركيا أيضاً من أن تستخدم محطات الرادار التابعة للناتو في تزويد إسرائيل بمعلومات عن دول مجاورة لها مثل إيران أو سورية. رغم المخاطر الكبيرة للمنظومة الصاروخية، وأبرزها أن تتحول تركيا إلى ساحة للمنافسة الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدةوروسيا بشكل يعيد للذاكرة الدور التركي إبان الحرب الباردة. إلا أن غالبية المراقبين يعتبرون أن أنقرة لن ترفض المشروع الأمريكي بغطاء أطلسي نظراً لالتزاماتها الأمنية الموقعة مع الناتو، التي تستوجب عليها الالتزام بنظام الدفاع الجماعي الذي يقرره الحلف. إنما ستلجأ إلى انتزاع ضمانات من واشنطن تحاكي هواجسها السياسية والأمنية، أو قد تقرر تأجيل الموافقة حتى قمة الناتو التي ستعقد في لشبونة، نتيجة التحفظات الفرنسية والألمانية حيال تداعيات نشر هذا النظام على أوروبا. في سياق مختلف، يرى العديد من المحللين أن غاية واشنطن من نشر الدرع الصاروخي في تركيا أبعد ما تكون عن التحليل السابق، فهي تدرك تماماً وبناًء على تجربة حرب العراق 2003 أن أنقرة لن تكون بمثابة القاعدة التي يمكن استخدمها لشن أي حرب مقبلة في المنطقة، في ظل ما يروج عن ضربة عسكرية ضد إيران. كما أن توافقاتها الاستراتيجية مع روسيا والتفاهمات المعلنة يقلل من إمكانية إسهام المنظومة في بلورة منافسة أو سباق تسلح بين القوتين الأكبر، خاصة بعد تجديد العمل باتفاقية خفض الأسلحة الاستراتيجية " ستارت 2" بصيغة محدثة. بالتالي، فإن الهدف الأمريكي يكمن في تثبيط المقاربة التركية الجديدة لتوجهاتها الجيوستراتيجية الفاعلة في الدائرة الشرق – أوسطية. والعمل على إعادتها للحاضنة الغربية في إطار حلف شمال الأطلسي بعد فشلها في إقناع بعض الدول الأوربية بقبول ملف انضمامها للاتحاد الأوروبي، وهو ما حتم على أنقرة البحث عن دوائر جيوسياسية جديدة لتعزيز دورها. بالمحصلة، يعتبر الدرع الصاروخي مناورة أمريكية للحيلولة دون تبلور نظام إقليمي صاعد في المنطقة لا يتلاءم مع مصالحها تكون أنقرة أحد أبرز أعمدته الرئيسية.