الغضب يولد الكراهية.. والكراهية تولد العذاب.. وكلاهما معا حمل ثقيل لا يخفف وزنه سوى التسامح والغفران.. أن الغفران فضيله لا يقوى عليها سوى كبار النفوس، لكنها فضيلة لا تدخل في سمات شخصية الانسان بقدر ما تكون فلسفة في حياته يتبناها ويؤمن بها، قد تتغير في أي وقت وفي أي مرحلة من مراحل حياته كما كل أفكارنا ومبادئنا التي تتغير وتتبدل عندما تجبرنا تجاربنا الحياتيه في أحيان كثيره على تغيير طباعنا الجميله بل ورمي خصالنا الانسانيه في سلة المهملات الى غبير رجعه. ترى لماذا من نحسن اليهم لا يعرفون الرد الا بالاساءة؟ ولماذا تتحول القوة الى ضعف في ميزان الحياة وقيمها؟ هم طبعا من يعرف الجواب.. إلا أن هذا الجواب لن يغير من حقيقة أن تكرار التسامح مع البعض ليس الا غباء اجتماعيا في معظم الأحيان برغم من أنه كان يصنف في علم النفس (بالذكاء العاطفي) اذ لا يخفى على أحد أن قرار الغفران هو نوع من أنواع الذكاء العاطفي، كونه يشكل موقفا ايجابيا في التعاطي مع أذى الآخرين وحماقاتهم. كما أن فيروس التسامح الذي يصيبنا يقوي جهاز المناعه وعندما نكون في حالة حب وتسامح مع الآخرين نستطيع مقاومة المرض والارهاق والاكتئاب كما أنه يعيد الأمن والاستقرار للعلاقات الانسانية بين البشر.. لهذه الحقيقة العلمية جذور تاريخية ودينية فمن منا لا يعرف أو يحفظ الوصية العظيمة التي تبجل المغفره والتسامح لسيدنا المسيح والتي تقول " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر" ولعمر الخطاب رضي الله عنه نصيحة رائعة وحكيمة تقول: "اذا سمعت كلمة تؤذيك فطأطأ لها حتى تخطاك". اذن لماذا تعود علينا بعض الفضائل بأثر سلبي؟ ولماذا لا نقوى على التمسك بها؟ لا شك أن الانسان المتسامح هو ناتج تربية أساسها سلامة القلب وصفاء النية لكن هناك مسافة دائما تفصلنا عن الغفران عندما يكون الأذى عميقا يصبج التسامح فوق طاقة البشر.. ترى كم من الايمان والحب والعظمة نحتاج لكي نترفع عن وضاعة وبشاعة المسيئين لنا؟ وكم من التهور والاندفاع نحتاج اذا ما قررنا الانتقام وتلقين الآخر درسا في الحياة وأبجديتها. لنا الاختيار وهو حقنا في أن نسامح أو لا نفعل.. نغفر أو لا نقبل.. يقول دوج هورتون: "في سعيك للانتقام أحفر قبرين.. أحدهم لنفسك".. وأنا أقول أن هناك دائما من هو على استعداد للأخذ بنصيحته والانتحار كرها وانتقاما.. حتى لو حفر القبر لنفسه فقط!