إنها فلسفة عميقة، خطيرة لا ُيستخف بها. لا يجوز أن نواجهها بالقهقهة أو التقليل من شأنها. بل ولا يجب أن تمر من فوق رؤوسنا مرور الكرام. سياسة المصالح، من أين تؤكل الأكتاف. سياسة للخلف در..... ابحث يا حمار عن الصدف في الشاطئ، لملم الصدف يا حمار... وسيأخذ منك صاحب النفوذ أحلى الأصداف. لأنك حمار وهو يعرف من أين تؤكل الأكتاف. غير مهم انه لم يكد ويتعب. شيء هامشي كونه لم يبحث. ُخلق أمثالك لهذا، أنت قدرك التعب. خلق ناس مثله في أفواههم مجرف من ذهب. شباب هذه الأرض، ما أشبههم بالأكياس العلاقيات. أنا من هؤلاء الشباب. كلما ضاف صدري، كثيرا ما يضيق. لا أجد لعقدي المتشابكة منفذ نور، لا أجد لأحلامي تحقيق... لا أجد لرأسي المثقل وسادة أتوسدها... لا أجد لحياتي فرح و لا ذرة سرور. أذهب لأشتري علاقي قات، أركب المواصلات واصعد إلى أعلى جبل عصر. أجلس فوق جبل عصر وأطل على مدينة صنعاء. أخزن، أفكر، أتنهد... حتى ينتهي القات وأعود أدراجي وهمومي كالنسانيس تتنطط أمامي لتذكرني بأني لم أحل أيا منها. أرى في وجوه النسانيس مشاكلي، وظيفة، زوجة، بيت، استقرار، طموح. كلها نسانيس!!! فأصافحها بحزن وأعود إلى بيتي. لا أنسى بعد أن أقضي على آخر ورقة أن أطير الكيس المسكين في الجو... مسكينة أكياسي كلها لا تحوي إلا قليل من القات، أحيانا حبة بصل وحبتين طماطم، أحيانا ربع ك سكر، وفي بعض المواقف قليل من صابون الثياب. مسكينة أكياسي لم تحوِ يوما لا ذهب ولا ثياب فاخرة ولا عطور ساحرة ولا طعام لذيذ... ولا مال كثير. تأملت كيسي يعلو وينخفض، مسكين وأنا مثله مسكين. مثلي لا يعرف سوى القليل بداخلة، ولا يعرف أن يحمل أهداف ومكاسب كثيرة... مثلي تائه مشرد يتلمس بأصابعه مصيره. مثلي يحمل بداخلة ما ُكتب له أن يحمله، مثلي قد يرتفع ليشبك في شجرة داخل قصر وقد تقفز وتحطه أرضاً قطة ليمتد فوق كومة قمامة.. مثلي لا يعرف أين خلفه وأين أمامه؟ هذه الأكياس مثلنا نحن الشباب. لا نملك تحديد أي طريق، بل وإذا اشتعلت النيران نكون أول من يذوب بين ألسنة الحريق. لا نملك لا أن نهرب ولا أن نفر، فلا وصلنا لمرتبة الكلاب التي تهرب و لا حتى الهر الذي يفر. جلست أتأمل من مكاني المرتفع فوق جبل عصر الأكياس تتطاير أمامي في الجو، فأكاد أراها تشكل بوجوه أصحابي، فأرفع يدي محييا، أهلا محمد، كيف الحال يا منصور، كيف دنياك يا علي؟ أين أراضيك أبو الشباب يا أسعد؟ والأكياس تتطاير أمامي ولا يجيبني منها أحد. أسئلتي المعتادة التي كلما أتيت هنا ظلت تراودني هي، هل سأجد وظيفة؟ هل سأتزوج؟ هل سيكون لي ابن؟ هل سيكون لي بيت؟ هل سأكل وأشرب؟ هل سأفرح وأرتاح؟ كيف أفعل أي من هذا وأنا لا قرابة بيني وبين أي من المسئولين، كيف؟ كيف أعمل، كيف أطمح؟ عمري يمر سريعا وأنا أتحسر وأتململ. بعض الأكياس العلاقيات من زملائي ومن دفعتي لا يتخرجون من الجامعة إلا وقد تم خلق وظيفة في انتظارهم ليشغلوها. يحدث لهم ذلك ببساطة لأنهم تزوجوا بنت مسئول أو لأن مسئول يقرب لهم قرابة أسرية ولو من بعيد. ليس لدي أنا أي شيء من هذا؟ لذا كنت ومازلت كيس علاقي، ولا يوجد في الأمر جديد. أنا منذ قال لي أبي قبل وفاته: "يا بني المال يلد مال أكثر، والفقر يلد فقر أكبر" وأنا متوكل على الله ليساندني بعونه وأثبت أن الحركة والعمل هي التي تلد مال أكثر وأن اليأس والكسل يلد فقر أكبر. تأملت صنعاء الجميلة المسكينة،، لم تجد من يرعاها. أحبها كثرا برغم كوني لم أر فيها سوى البؤس والمهانة. حمدت الله أن حبها لا زال مجاني، ولم يحول أولاد الأبالسة حبها إلى اشتراك سنوي أو شهري يسدد إلى جيوبهم وخزائنهم. كانت كل هذه الأفكار تجول داخل رأسي حيت توقفت سيارة خلفي. سيارة فاخرة لا أعرف نوعها ولا اسمها. نزل منها رجل، امرأة وطفل. صدحت الموسيقى من السيارة. أغنية مصرية راقصة وحلوة. أنا أحب الأغاني المصرية ويطرب لها قلبي غير أنني نسيت متى فعلها آخر مرة. أعطيت الأسرة ظهري خشية أن أضايق الأسرة. كانت الموسيقى عالية رجتني، رجت كياني ورجت كيسي في حضني. فأمسكته بأصابعي العشرة خشية أن تطيره في الجو. شعرت بنقر على كتفي، فالتفت لأجد الرجل يقف خلفي قائلا: "معي عائلة وأنت واحد. بإمكانك أن تنتقل إلى مكان آخر لتخزن فيه." لم أهتم كونه يطردني من مكان عام، ليس ملكة بل كنت ممتناً كونه قال لي "أنت واحد"، فنهضت لأغير مكاني وأجبته: "أشكرك! أنا واحد؟؟، الله يحفظك" لقد أكرمني هذا الرجل، أما أنا فلم أكن أعرف سوى أنني كيس علاقي. نهضت ألملم مائي، قاتي ونفسي. رفعت رأسي إلى وجه الرجل فألجمتني المفاجأة. كان الرجل الذي طلب مني مغادرة المكان زميل قديم منذ أيام الثانوية. كبر وسمن وتغير ولكنني ميزت حتى صوته. حملقت في وجهه، هتفت: "أنت؟؟؟ معقول؟" تأمل هو وجهي، أبتسم وصاح بصوت رج كيس القات الخاوي في يدي: "أهلااااااا" اقترب مني، صافحني وتعانقنا. أيام الثانوية، أيام الشباب والطيش والأحلام الوردية. سألني ما أخباري، تزوجت؟ لا..توظفت؟ لا.... معك بيت؟ لا.... معك سيارة.؟ لا... معك خطط مستقبلية؟ لا...... ضاق الرجل مني... فقال مجاملا: "لكن ما شاء الله، كما أنت لم تتغير: أما أنا فسمنت كثيرا للأسف" قالها بتحسر يغلف مضمون من التفاخر والفشر. أجبته، "أنا لم أتزوج ولم أنجب، فلما أسمن؟" قهقه هو بصوت هزني وتشبثت بكيس القات وأجاب: "أنا زوجتي هي التي تلد وليس أنا، ما بك يا رجل؟؟؟؟ "لم اخبره لئلا يستاء مني أن من يراه يعتقد انه هو من حبل وولد. تنحنح بعد ذاك الضحك الذي سمعة كل سكان وادي ظهر، قال لي: "أما أنا فأعمل في الشئون المالية، تزوجت ولدي ولد" فاقتربت هامسا في إذنه: "أما أنا فكيس علاقي، ولكن لا تبوح بالسر لأحد". قهقه وهو يقول "منكت فظيييييييييييييع" وما كنت أنكت... كنت أبكي، كثر التنكيت... ما هو إلا حزن مريع. بدأت زوجته تضيق من انتظارها فنادته. أرتبك كوني سمعت صوتها، وهمس: "أنا آسف، غير مكانك لو سمحت أنت واحد وستنتقل بسهولة. زوجتي مدلله ولا أريد إغضابها" فهمت أنا ما بين السطور. هززت رأسي وتوجهت لأنزل إلى مكان آخر. ابتعدت عنهم، ربما زوجته المدللة تريد أن ترفع نقابها أو تريد أن تغني.. أما أنا فلست إلا علاقي لم يبق فيه إلا القليل. ابتعدت وأنا أحدث نفسي، صاحبي موظف في منصب فاخر والسيارة دليل، متزوج والوظيفة دليل، وابنه دليل استمرار ذريته. ما شاء الله كم هو سعيد. كنت أغششه في الامتحانات... لأنة كان بليد. لديه في الأرجح بيت وليس مستبعد أن يكون لدية حديقة بل لا استبعد امتلاكه طائرة. آه منك يا دنيا لعوب وغادرة. ابتعدت عنهم، ومددت يدي إلى داخل الكيس فوجدت أن القات قد انتهى، طيرت الكيس تأملته يعلو ويميل وينخفض. ليت أستطيع مثله أن أطير وأتطاير... ليت أكون حر أحيا أو أموت دون أن ُأعاقب.... تعبت كون أني بشر.. أريد أن أكون كيس علاقي..... لا ينقض علي أبدا غول الإحباط وأظل دوما أسافر.