الحديث عن التغيير حديث تمنيت ألا أخوض فيه, لكنني لاأجد مفراً من ذلك, صحيح أنه يتعلق بجانب بالغ الحساسية في المسألة الوطنية, مما يدعو لاستشعار بعض الحرج في تناوله, خشية أن تلامس كلمة هنا وأخرى هناك جرحاً نازفاً ونفسيات منفلتة، لكنني لاأجد بداً من الخوض في حديث لايسعى إلى العبث في طي صفحات الماضي, بل إلى فتح الباب أمام حوار جاد ومسؤول بين قوم عقلاء راشدين يسعون لكي يجنبوا الوطن والمواطن اليمني مزالق الوقوع في مستنقع المناطقية والعشائرية, الذي لانجاة للوطن الذي يقع فيه. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع الأحزاب السياسية اليمنية اليوم أن تنكر دورها في جعل المواطن اليمني منكسراً بالفقر والبطالة بسبب الصراع السياسي المجاني الذي قادته هذه الأحزاب التي راكمت الاحتقانات السياسية والاجتماعية وغذت المناطقية والعشائرية. وهل تنكر الأحزاب جميعها أن المحاصصة لم تثبت يوماً أنها لخير المواطن, بل لفئة قليلة؟ وهل يعقل أن تفكر هذه الأحزاب بعودة المجتمع إلى الوراء؟ لقد أصبحنا أمام ولاءات ضيقة, ستعود حتماً إلى ولاءات أضيق, قد لاتنتهي بالولاء للقبيلة فقط.. نحن اليوم أمام خديعة كبرى يجري الترويج لها هي محاولة نقل الواقع التونسي، وهذه محاولة خبيثة لن تسهم في استقرار الوطن, فمسألة الإلحاح على التمايز لا المواطنة هي الخطوة الأولى لشق الصف, كما أن تسويق الانفصالية هو ترسيخ لمسألة الهوة التي يستحيل تجاوزها بمزيد من التباعد وإثارة الفتنة. والوطن لايحبذ أن يجد نفسه أمام فريقين أحدهما يرى نفسه أنه الفريق الوطني في مقابل الفريق اللاوطني. ومع أننا نشهد في هذه الأيام المظاهرات والمظاهرات المضادة فإننا نزعم أن الفرصة لم تضع من أيدينا وليس الضباب الذي ينتشر في الأفق كافياً لحجب الرؤية.. وإذا كان البدر يفتقد في الليلة الظلماء، فعلينا ألا نفقده في أيام السياسة الصعبة، فالحاجة إليه كبيرة حتى تتخلق أفكار البناء والتعمير والنظر إلى مشكلات قابلة للحل بمزيد من الجهد والعمل, وليس بمزيد من العنف والدمار. ولست بحاجة للقول إن الوقت مازال كافياً لمراجعة الأحوال السياسية والاقتصادية في اليمن. وللأسف الشديد فإن بعض الأحزاب التي تقود المسيرات والمظاهرات في اليمن وهي تعتقد أنها سوف تستنسخ التجربة التونسية لم تنتبه إلى أن للعنف تاريخاً في اليمن، وهي جزء من هذا العنف الذي أصاب البلاد منذ أن قامت الثورة وحتى اليوم. إن مايجري في اليمن هو إفراغ لما يختزنون من كراهية ضد بعضهم البعض والموجهة أيديولوجياً. إن ماتقوم به تلك الأحزاب ليس سوى الوجه الآخر للنفس المنكسرة وترديد شعارات غير مسئولة تعد بمثابة إظهار الاستخفاف بالديمقراطية واحتقارها في سبيل مصالح ضيقة. لقد نسيت أنها كانت سبباً في تحديد الكوتا القبلية والمناطقية التي تم توزيعها في المؤسسات السيادية من أبناء القبائل وبعض المناطق. أليس من يقف على رأس المعارضة كان وأسرته سبباً في مايسمى«شئون القبائل» وهيمنتهم على الجهاز البيروقراطي، وعملوا على إحباط الإصلاحات السياسية والاقتصادية؟ ولست أدري كيف تقف أحزاب اليسار إلى جانب هؤلاء وهي تدرك أن هؤلاء هم السبب في عرقلة الدولة والمجتمع وأنهم قد وقفوا أو حلوا محل الشرعية السياسية, والتحالفات المدنية.. وكيف تتحالف أحزاب تؤمن بنظام يصدر التشريعات والقوانين والأحكام القضائية فيه باسم الشعب, إذ يفصل الدين عن السياسة مع حزب مازال يحلم بعودة نظام الخلافة الذي هو نظام ديكتاتوري. لقد تشكلت هذه الأحزاب من مجموعة من الحمقى إما بالوراثة وإما حمقى بالثقافة, فأما الأحمق بالوراثة فهو ذلك الذي سلّم عقله لفكر يعاكس التحولات الديمقراطية ويطالب بعودة الخلافة. أما الأحمق بالثقافة فهو الذي انضوى في حظيرة الحمقى بالوراثة وراهن بإخراج البلاد من مأزقها بالسباحة خلف دعاة الخلافة، وهؤلاء يجهلون أنهم قد شاركوا بشكل أو بآخر بجعل الشعب جاهلاً وفقيراً ، مغلوباً على أمره. وهنا أهمس في أذن الأحزاب القومية: ألستم أنتم من ندب حظه حينما لم تف بريطانيا في تحقيق الوحدة العربية؟ وأنتم اليوم مع الأحزاب الإسلامية تعرضون الوحدة القطرية للتهديد وتساهمون في تفكيك وحدة المجتمع في كل بلد على حده. حسبكم في هذا المضمار مراجعة مسار بعض الدول العربية.. وكيف أصبح الكيان السياسي مهدداً بالتصدع. لقد حضرتُ المظاهرة التي أطلقها مايسمى«المشترك» عند جامعة صنعاء ووجدت المظاهرة يغلب عليها ذوو اللحى والجلابيب القصار، الغضب يستبد بهم ، هتافاتهم تصعد إلى عنان السماء وبجانبهم بضعة أفراد من الاشتراكي ومن يزعمون أنهم مستقلون وهم يحاولون بذل طاقة بلاغية يظنون أنهم يمكنهم أن ينافسوا غيرهم. إن هؤلاء يقودون شباباً وطنياً مخلصاً لبلده, لكنه بلا خبرة أو تجربة، لم يقرأوا بالقدر الكافي ولم يجدوا معلماً يشرح لهم التاريخ شرحاً أميناً, وآخرون من العاطلين واللصوص والانتهازيين. وللأسف فإن أحداً لم يسمع للأغلبية الصامتة التي تنادي بالإصلاح السياسي وترفض المظاهرات بشكلها الحالي، لأنها لاتساعد البلد على أن يكون أقوى وأكثر تقدماً. الأغلبية الصامتة تطالب بترقية النشء مجتمعياً من خلال مناهج تعليم عصرية لاغش فيها حتى يتبنى- واعياً- مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات دون تفرقة بينهم بسبب المنطقة أو القبيلة ودون معالجة مرض المناطقية بمشاريع مناطقية أخرى. [email protected]