ما أن أعلن الديوان الملكي السعودي وفاة ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود السبت، حتى بدأت التساؤلات حول تأثير الوفاة على الاستقرار السياسي للمملكة ومستقبلها، خصوصاً في خضم ما يجري من حراك شعبي في المنطقة عموماً وفي السعودية التي بدأت فيها بعض التحركات الاحتجاجية المحدودة مؤخراً. كما تثير الأوضاع الصحية الحساسة للملك وكبار أعضاء العائلة الحاكمة أيضاً تساؤلات حول سيناريوهات الخلافة في المملكة التي تلعب دوراً مهماً في الشرق الأوسط فضلاً عن أنها اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. يعتبر الأمير الراحل سلطان شخصية محورية في البلاد وقد هيمن على سياستها الدفاعية وكان ينظر إليه منذ فترة على انه ملك المستقبل، وشغل منصب وزير الدفاع لنحو نصف قرن وفي عام 2005 أصبح وليا للعهد للعاهل السعودي الملك عبد الله وتكمن قوته في سيطرته على القوات المسلحة الرسمية، واشرف على مشتريات أسلحة ضخمة جعلت من المملكة واحدة من أكبر دول العالم من حيث مشتريات السلاح.
بدء ينسحب في السنوات الأخيرة بشكل تدريجي من المشاركة في صنع القرار، وكان وفي اغلب الأحيان لا يعمل سوى ساعة أو ساعتين يومياً، كما نقلت الكثير من مهامه لأمراء آخرين أبرزهم ابنه الأمير خالد الذي قاد القوات السعودية والعربية خلال حرب عام 1991 لطرد القوات العراقية من الكويت. والأمير خالد يشغل منصب مساعد وزير الدفاع. على مستوى السياسة الخارجية يعتبر الأمير سلطان من أكثر الشخصيات السعودية حرصاً على إقامة علاقات وثيقة مع الغرب وبصفة خاصة الولاياتالمتحدة رغم انه نأي بنفسه مثل بقية أفراد الأسرة الحاكمة عن الهجوم الذي قادته الولاياتالمتحدة على العراق في عام 2003، وقد بذل أحد أبنائه السبع الأمير بندر الذي كان سفيراً للمملكة لدى الولاياتالمتحدة في الفترة من عام 1983 إلى عام 2005 قصارى جهده لتخفيف حدة التوتر الذي طفا على سطح التحالف الاستراتيجي بين البلدين عقب هجمات 11 أيلول. المرشح المحتمل وللمرة الأولى في تاريخ السعودية التي تأسست العام 1932، لن يخلف ولي عهد الملك وستختار هيئة البيعة التي تضم عدداً من أمراء آل سعود ولي عهد جديداً خلفاً للراحل سلطان. ويعد وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز (78 عاما)، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله وفقاً لكثير من المراقبين، المرشح الأبرز والشخصية الأقوى وذلك لعلاقاته القوية بالمؤسسة الدينية وقبضته الأمنية الحديدية، كما تم تعينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء في آذار 2009. ويقول مراقبون إن تعيين نايف في هذا المنصب كان الهدف منه تفادي أي فراغ في السلطة في حال حدوث مشكلات صحية خطيرة للملك وولي العهد في آن واحد، كما أنه تولى في 2010 الإشراف على تنظيم الحج في ظل الوعكة الصحية للملك ووجود ولي العهد خارج البلاد. وكان لنايف دور بارز في إرسال قوات من الجيش السعودي للبحرين في آذار الماضي لقمع الاحتجاجات التي اندلعت هناك، واتهمته صحيفة "الاندبندنت" البريطانية بإعطاء الأوامر لقتل المتظاهرين العزل في المملكة العربية السعودية في آب الماضي"، كما أنه قاد حملة ضد الجماعات الإسلامية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول. آليات الخلافة وضمن آليات الخلافة التي أقرت قبل بضعة أعوام، عين الملك عبد الله أعضاء هيئة البيعة، ووضع على رأسها أخيه غير الشقيق الأمير مشعل بن عبد العزيز، تضم الهيئة 35 أميراً من أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز مهمتهم تأمين انتقال الحكم ضمن آل سعود، لا سيما عبر المشاركة في اختيار ولي العهد. والهيئة مكونة من أبناء الملك المؤسس، وينوب عن المتوفين والمرضى والعاجزين منهم، أحد أبنائهم، يضاف إليهم اثنان من أبناء كل من أبناء الملك المؤسس يعينهما الملك وولي العهد، وكان الملك عبد الله أعلن في تشرين الأول 2007 اللائحة التنفيذية التي تحدد آليات تطبيق نظام هيئة البيعة بعد عام من إصداره. ووفقا للائحة يتمتع أعضاء الهيئة بعضوية مدتها أربع سنوات غير قابلة للتجديد، إلا إذا اتفق إخوة العضو المنتهية ولايته على ذلك، وبموافقة الملك، وبحسب نظام هيئة البيعة الصادر في تشرين الأول 2006، توكل الهيئة إلى لجنة طبية مهمة التأكد من أهلية الملك وولي عهده في إدارة الحكم. وفي حال تقرير عدم الأهلية الدائمة، فإن "مجلسا مؤقتا للحكم"، مشكلا من خمسة أعضاء، يتولى تصريف أمور الدولة، على أن تقوم الهيئة في غضون سبعة أيام "باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس" عبد العزيز آل سعود، ويقترح الملك على "هيئة البيعة" اسما أو اسمين أو ثلاثة أسماء لمنصب ولي العهد. ويمكن للجنة أن ترفض هذه الأسماء وتعين مرشحاً لم يقترحه الملك. وإذا لم يحظ مرشح الهيئة بموافقة الملك، فإن "هيئة البيعة" تحسم الأمر بالغالبية في عملية تصويت، يشارك فيها مرشحها ومرشح يعينه الملك، وذلك خلال مهلة شهر. وكان تعيين ولي عهد السعودية، شأن يخص العائلة المالكة التي تقرر تولي المنصب بالتوافق مبدئياً، وتتخذ "هيئة البيعة" من الرياض مقراً، ويرئسها أكبر أفراد العائلة المالكة سناً. وتعقد اجتماعاتها العادية بحضور ثلثي الأعضاء، وتتخذ قراراتها بالغالبية وعبر التصويت السري. وتتمثل مهمة الهيئة في "المحافظة على كيان الدولة، وعلى وحدة الأسرة المالكة وتعاونها وعدم تفرقها وعلى الوحدة الوطنية ومصالح الشعب"، وعين العاهل السعودي أيضاً بمرسوم ملكي خالد بن عبد العزيز التويجري أمينا عاما لهيئة البيعة. دي برس