أستغرب وبشدة خروج الآلاف من المسلمين ليطالبوا بابا الفاتيكان بالاعتذار عما قاله عن الإسلام وعن رسول الإسلام محمد صلوات الله وسلامه عليه. ومبعث استغرابي هو أن رد الفعل الإسلامي شابه بشكل أو بآخر موقف المسلمين من نشر الرسوم المسيئة للرسول، أو وصف بوش للإسلام بالفاشية، علماً أن هذه المواقف لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال مقارنتها بكلام بابا الفاتيكان. يمكن بسهولة وضع نشر الرسوم في خانة (الاستهتار) أو (تعمد الإساءة من شخص لا يمثل شيئاً)، كما لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال محاسبة (بوش) على أقواله، فالرجل اعتاد أن (يهبب) في كلامه، وكفى بالمرء أن يقرأ كتاب مايكل مور (رجال بيض أغبياء) ليدرك أن الرجل (مرفوع عنه القلم)، أما تصريحات بابا الفاتيكان فهي كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فمن المفترض أنها صادرة عن شخص مسؤول، عالم، لا ينطق إلا بما يؤمن به. هناك من قال أن كلام البابا ينم عن جهل بالإسلام، وهذا الكلام، وإن بدا أنه هجوم على البابا، إلا أنه وقوف معه، في محاولة لتبرير الخطأ الذي اقترفه –عمداً أو عن غير قصد- وذلك أن رجلاً تبوأ أرفع منصب ديني مسيحي لا يمكنه أن يجهل الإسلام بهذا الشكل، ولا أظن المسيحيين يقبلون أن نقول عن حبرهم الأعظم أنه (جاهل). أما لو كان البابا عالماً بحقيقة الإسلام، إلا أنه خالف قناعاته إرضاء لهذا الطرف أو ذاك، قهذه مصيبة أعظم، ولا أظن المسيحيين يقبلون –ولا حتى نحن كمسلمين- أن يكون حبرهم الأعظم (منافقاً وكاذباً). وهناك من قال أن كلام البابا منقول عن كلام إمبراطور بيزنطي، وبالتالي ليس كلامه هو شخصياً، وما هذا العذر إلا محاولة يائسة ثانية لإصلاح الخطأ، فنقل الكلام عن شخص آخر لا يعني بأي حال عدم مسؤولية ناقل الكلام، إلا إذا كان هذا الناقل تافهاً، إمعة، لا رأي له ولا شخصية، وهذا أيضاً ما لا يقبله المسيحيون في حبرهم الأعظم. أما الواقع المر الذي يرفض معظم الناس تصديقه لا لصعوبة إدراكه، ولكن لصعوبة تصديقه، فهو أن البابا قصد كل حرفٍ قاله وعناه، وفي هذه الحال فالدعوة الإسلامية والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يتراجع البابا عن تصريحاته ليست إلا تفاهة وسفه لا معنى له. فالبابا –وإن تراجع عن قوله- لن يتراجع عن الإيمان به، فلماذا الدعوة للاعتذار؟! لقد أعلنها واضحة وليس لدينا والحال كذلك إلا أمرين لا ثالث لهما، فإما أن نسكت ونصمت، ونعرف وضعنا أننا شعب ضعيف خانع مستسلم لا حول له ولا قوة، ولا يهابه أحد ولا يخاف، أو أن يكون الرد كفيلاً بإسكات أي صوت يفكر في الظهور مستقبلاً، والله من وراء القصد.