مقتل وإصابة أربعة جنود في اشتباكات مع مسلحين خلال مداهمة مخزن أسلحة شرقي اليمن    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    قتلوه برصاصة في الرأس.. العثور على جثة منتفخة في مجرى السيول بحضرموت والقبض على عدد من المتورطين في الجريمة    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    الكشف عن هويات القتلى اليمنيين في تفجير حقل للغاز بطائرة مسيرة بدولة عربية (الأسماء والصور)    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوحدة الألمانية.. قصة إنبعاث من جحيم الخراب إلى الفردوس(ملف)

قبل ستين عاماً وبضعة أشهر كانت الحقيقة الوحيدة التي يستطيع العالم الحديث عنها هي أن الحرب العالمية الثانية قضت على ألمانيا، وأعادتها إلى القرون الوسطى.. فقد هدمت الحرب أكثر من (162) مدينة ألمانية متوسطة، وحوالي (50) مدينة كبيرة تهديما كاملا ، فيما خلفت سنوات الحرب الست ملايين القتلى و الجرحى الألمان؛ علاوة على استقطاع أجزاء من ألمانيا وضمها للدول المجاورة.
لكن النتيجة الأسوأ للحرب العالمية الثانية كانت في تقسيم ألمانيا إلى أربع أقسام ينتمي كل قسم منهم إلى دولة من دول الحلفاء الأربعة المنتصرين في الحرب، ثم ما لبثت أن توحدت الأجزاء الثلاثة (الغربية) لتشكل جمهورية ألمانيا الاتحادية، والتي انتهجت نظاماً غربياً (رأسمالي)، في الوقت الذي أعلن القسم الشرقي قيام ألمانيا الديمقراطية التي تتبع المعسكر الشيوعي (الاشتراكي).
اليوم تقف الأجيال مذهولة، تتساءل: يا ترى أي عصا سحرية تلك التي أمسك بها الألمان بعد كل ذلك الدمار والتجزئة ليعودوا مجدداً إلى صدارة حياة العالم المتقدم!؟ وأي الدروس العظيمة التي كتبها الألمان للأجيال ليستلهموا منها إرادة الانبعاث من جحيم الحرب إلى الفردوس!؟
"أن الوحدة هي أكبر من أن تكون وسيلة لضخ الأموال أو مشروعا إصلاحيا. فالبلد بحاجة إلى نقطة ارتكاز وهدف واحد، حتى يسهل التعامل مع التحديات والصعوبات. وهذا ما قد يتأتى من خلال إذكاء روح التضامن الجماعي الألماني".
(المستشارة ميركل) 3/10/2006م
"حملت هذه الوحدة معها العديد من مظاهر التغيير، فبها ومعها تغيرت ألمانيا. ولذا توجد أسباب جمة من شأنها أن تكون مدعاة للتفاخر والاعتزاز بمظاهر التغير في المجتمع والاقتصاد والسياسة منذ أن رأت الوحدة النور".
(صحيفة/ شتورجارتر ناخريشتن) 4/10/2006م

"بعد ستة عشر عاما على الوحدة الألمانية مازال الحديث يجري عن شرق ألمانيا.. مثل هذا الحديث في غير محله وغير مبرر. ففي حقيقة الأمر فإن مفهوم "شرق ألمانيا" لم يعد قائما، بفضل عقليات اتخذت من التطور الاقتصادي ومن النماء البشري وسائل للتغير"
(صحيفة/ هاندلس بلات) 4/10/2006م
* كلمة السر لولوج بوابة الوحدة
إن تقسيم ألمانيا لم يكن كافيا لكسر إرادة القوى الوطنية الألمانية التي ظلت مصممة على تجاوز نكسة الحرب، وعدم التقوقع داخل قدرها التدميري السحيق؛ حيث أخذت النخب الوطنية الألمانية علي عاتقها تنمية العقل الألماني، والنهوض بقدراته الذاتية لتعويض مخلفات الحرب العالمية الثانية، وآثارها التشطيرية..
فكان النموذج الألماني في التنمية والعمل أن جعل القسم الشرقي الألماني درة التاج في المعسكر الشيوعي، وصار القسم الغربي بدوره التجربة الرأسمالية الأمثل في المعسكر الغربي.. لكن الفرق هنا أن ألمانيا الاتحادية بنت نفسها على أسس تعليمية قوية، واستمد الحكم أصوله فيها من القواعد الشعبية، حتى إن قوى الاحتلال الغربي فوق أراضيها لم تكن لتفعل بها الكثير طالما أن الحكم يستمد شرعيته من أصول شعبية، ويتعزز بقوة مواطنيه، وبفضل الديمقراطية التي تبنتها ألمانيا الاتحادية في 1948/1949 عندما قامت برلمانات الولايات المنتخبة ضمن مناطق النفوذ الأمريكي والبريطاني والفرنسي بصياغة الدستور خلال مجلس برلماني انعقد في بون.
وكان الألمان يرون في هذه الخطوة بمثابة التحول نحو الديمقراطية البرلمانية الحقيقية، كونها تمنحهم حق حجب الثقة عن المستشار الاتحادي بطريق التصويت ، كما أنها تقلص سلطات رئيس الجمهورية ، فلم يعد بالامكان سن القوانين عن طريق المنافسة من خلال الشعب، مثلما كانت عليه الحال في جمهورية فايمار.
ولو كان هناك استحقاق تاريخي لأحد من الساسة الألمان في رفع قواعد الوحدة الألمانية فإنه بتقديري للسيد "لودفيغ إرهارد"- أول وزير للاقتصاد في ألمانيا الاتحادية- والذي كان له الفضل في تأسيس النظام الاقتصادي الاجتماعي بألمانيا الاتحادية، وبالتالي فإن الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته حقبة الخمسينات والستينات كان ضرباً من الخيال، فلم يكن أحد في العالم يصدق أن ألمانيا ستستطيع التقاط أنفاسها بهذه السرعة بعد هول الدمار الذي ألحقته الحرب العالمية الثانية بها.. وهذا الانتعاش انعكس بطبيعة الحال على مدى الاستقرار الداخلي الذي تتمتع به الدولة، وعلى إعادة توطين الملايين ( تقدرهم بعض الإحصائيات بثمانية ملايين) مهاجر من الجزء الشرقي ومناطق أخرى؛ علاوة على انعكاسه على تضييق نفوذ العديد من الحركات المتشددة ، مقابل تعزيز مواقع أحزاب ديمقراطية أخرى أصبحت تتبنى أدوار فاعلة في التنمية الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية..
ومن هنا يمكن القول أن الألمان دخلوا بوابة الوحدة بكلمتي سر هما: الديمقراطية وثورة الاقتصاد.. ولولا الظروف التي هيأتها هاتين المفردتين السحريتين لما كان بوسع أحد اليوم التحدث عن أي "وحدة ألمانية"!
لذا لم يكن عجيبا أن يقفز الاقتصاد الألماني ليحتل المرتبة الثالثة عالميا، بعد الثورة الاقتصادية التي بلغت أوجها في حقبة الثمانينات.. ليتزامن ذلك مع غليان شعبي ألماني باتجاه الوحدة، زج قيادة ألمانيا الشرقية في موقف حرج، وجدت فيه نفسها عاجزة تماماً عن إيقاف الهدير الجماهيري، فكان أن دفعت الأحداث الى انهار جدار برلين في 9 نوفمبر 1989م، ليضع الجميع أمام الإرادة الشعبية الحرة، والذي ما زال الألمان يشبهونه بسقوط الباستيل في فرنسا عام 1789م.
لقد ترقبت القوى الوطنية الألمانية اللحظة المناسبة، وهيأتها - أيضاً- جهود السياسة الخارجية لألمانيا الاتحادية التي بذلها السيد "هلمت كول"، ثم تزامنت مع متغيرات دولية في نهاية حقبة الثمانينات بسقوط الاتحاد السوفيتي، ثم انهيار الكتلة الشرقية، ليقف الشعب الألماني ويعلن عن نفسه مجدداً، ويعبر اكبر محنة في تاريخه.
وقد قيل يوم الثالث من أكتوبر 1990م الذي تم الإعلان فيه عن إعادة تحقيق الوحدة الألمانية: إن الوحدة ستكون وبالا علي ألمانيا، وان الفائض الاقتصادي الضخم سوف يتم ابتلاعه في عملية تهيئة القسم الشرقي – ورغم أن ذلك حدث فعلاً- لكن ألمانيا التي تتبني سياسة الوحدة الأوربية في مواجهة التحديات الدولية تجد إن وحدة أراضيها وشعبها أولى، وتأتى على أس اهتمامات الساسة الألمان حتى وان كانت التضحيات الاقتصادية كبيرة.
ومرت السنوات وها هي ألمانيا الموحدة تؤكد اليوم أن من راهنوا علي تراجع الدور الاقتصادي الألماني علي خلفية الوحدة قد راهنوا عكس إرادة الشعوب التي لابد لها من الانتصار- ولو بعد حين، فهل نعي درس الوحدة الألمانية وتكون الإرادة بداخلنا دافعا للتحول والتحرك للأمام.
يقول البروفسور الألماني "الفرد غروسر" أن من حسن حظ الألمان أن الوحدة تمت بناء على المادة 23 وليس على المادة 146 من القانون الأساسي (الدستور).. ففي عام 1945 لم تلغ القوى المنتصرة ألمانيا ولم تتفاوض مع حكومة ألمانية، بل قامت مجتمعة ب "مصادرة" السيادة الألمانية. وبهذا المعنى كانت جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية تقومان على نفس المستوى من الشرعية.
لكن جمهورية ألمانيا الاتحادية كانت تقوم على الحرية، أما جمهورية ألمانيا الديمقراطية فلم تكن كذلك. فلو طُبقت المادة 146، آخر مادة في الدستور، (التي تقول: "هذا الدستور يفقد صلاحيته في اليوم الذي يدخل فيه حيز التنفيذ دستور أقره الشعب الألماني بكامل حريته") لكانت كلا الدولتين، جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية، قد حلّتا معاً. أما المادة 23 (التي تقول: "هذا الدستور يطبق في بادئ الأمر في منطقة الولايات: بادن، وبافاريا (...). أما الأجزاء الأخرى من ألمانيا فيطبق فيها بعد انضمامها") فكانت تعني توسيع نطاق حرية الألمان حتى الحدود البولونية.
وتشير حقائق التاريخ إلى أن جمهورية ألمانيا الاتحادية لم تصبح متعجرفة أبداً بعد عام 1990.. ولم تفقد أبداً الخصوصية التي تعين عليها المحافظة عليها، وتقديمها لدول الاتحاد الأوروبي الأخرى كنموذج يحتذى به: فقط جمهورية ألمانيا الاتحادية لم تؤسس على فكرة الأمة وإنما على قيمة أخلاقية سياسية: الرفض المزدوج للنازية في الماضي وللستالينية في الجوار. (أنظر الملف المصور.. أنقر هنا)
* قوة أوروبا تعززها قوة ألمانيا
كان السؤال الأساسي الذي واجهته ألمانيا وأوروبا قبل 15 عاماً: ما العمل لكي يؤدي توحيد ألمانيا إلى تقوية أوروبا بدلاً من إضعافها؟ كان جيران ألمانيا الغربيون، وعلى رأسهم فرنسا، يطرحون هذا السؤال من موقع القلق على فقدان بعض ميزاتهم. كانت باريس تريد الحيلولة دون اختلال توازن القوى بين الدولتين الكبيرتين في أوروبا الغربية والذي تعتبره فرنسا بالغ الأهمية. ومن يعرف التاريخ الأوروبي لا يستغرب ذلك على الإطلاق.
إلى الشرق من ألمانيا كان لدى الناس هموم أخرى. كانت بولونيا تريد التأكد من أن حدودها الغربية ستصبح حدوداً نهائية. لكن الوحدة الألمانية لم تسبب مخاوف فقط في أوروبا الشرقية بل رافقها أيضاً شعور بالأمل. فمنذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات أدرك البولونيون العلاقة الوثيقة بين وحدة ألمانيا وحرية بولونيا وناقشوها. وإلى حد ما مهد نشوء نقابة العمال البولونية "التضامن" ("زوليدارنوش") الطريق أمام الوحدة الألمانية.
لكن الوحدة الألمانية فتحت أمام بولونيا الباب نحو الغرب: فلولا ألمانيا الموحدة لبقي الباب موصداً أمام شعوب أوروبا الشرقية على طريق انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإلى الاتحاد الأوروبي.
نعم، لقد أصبحت أوروبا بقيام الوحدة الألمانية أكثر قوة. وأصبح القلق الذي ساور البعض عام 1989/1990 بحكم المنسي تقريباً.. فليس هناك أي مشكلة اسمها تعاظم القوة الألمانية في أوروبا، إذ إن ألمانيا الأكبر اندمجت أيضاً في هياكل المنظمات الاندماجية الغربية، ولم يعد هناك وجود للقضية الألمانية التي كانت تسبب للألمان وللأوروبيين الآخرين كثيراً من وجع الرأس. وهذه هي دون شك النتيجة السارة لستة عشر عاماً في عمر الوحدة الألمانية.
ويذكر "يانوش رايتر"- سفير بولوني سابق في ألمانيا- إن المسألة التي لم تزل مفتوحة هي السؤال عن التطور المقبل لأوروبا. فبعد انضمام عشرة أعضاء جدد لم يصبح الاتحاد الأوروبي أكبر وحسب بل أصبح أكثر تنوعاً أيضاً، ولذلك يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحدد من جديد ستاتيكيته الداخلية وموقعه في العالم. ويتعين على ألمانيا أن تلعب في ذلك دوراً يتناسب مع قدراتها ومع موقعها الجغرافي، وهذا يعني دوراً مركزياً.
ويرى "رايتر" إن ألمانيا هي البلد المؤهل جداً للعمل مع الغرب والشرق. فعلاقاتها مع فرنسا تقوم تقليدياً على ثقة متبادلة كما أنها تلقى التقدير في بولونيا أيضاً. وإذا ما "أهملت" ألمانيا أياً من هذين الشريكين يتغير نظام الإحداثيات الأوروبي بكامله؛ وينطبق الشيء نفسه بدرجة أقوى على دور جمهورية ألمانيا الاتحادية في العلاقة الأطلسية، أي مع أمريكا.
* محطات تاريخية على طريق الوحدة الألمانية
جاءت الوحدة في أعقاب تزييف الانتخابات في ألمانيا الديمقراطية السابقة والمعروفة باسم ألمانيا الشرقية وحدوث موجة غير مسبوقة من الهجرة الجماعية في عام 1989 قبل أشهر من انهيار النظام الحاكم هناك.
لقد بدأ مشوار الوحدة الألمانية في أعقاب استقالة "ايريش هونيكر"- رئيس الدولة والحزب الشيوعي الحاكم- في الثامن عشر من أكتوبر 1989 وسقوط سور برلين وأعقبها الخطوات الفعالة للوحدة في نوفمبر من نفس العام.(أنظر الملف المصور.. أنقر هنا)
وفيما يلي بعض أهم تواريخ الأحداث التي أنتجت الوحدة الألمانية:
• 9 نوفمبر 1989 أعلن جونتر شابوفسكي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي خلال مؤتمر صحفي أن ألمانيا الديمقراطية فتحت المعابر الحدودية وبعدها بقليل انطلق الآلاف من مواطني ألمانيا الديمقراطية إلى الشطر الغربي في ألمانيا الغربية آنذاك وسقط سور برلين بعد 28 عاما من بنائه.
• 13 نوفمبر 1989 تم تكليف هانز مودروف من قبل مجلس الشعب بتشكيل حكومة جديدة وتشهد مظاهرات أيام الاثنين والتي استمرت شهورا تعليق لافتات تحمل عنوان "ألمانيا أمنا بلد واحد".
• 3 ديسمبر 1989 استقالة أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي واللجنة المركزية.
• 7 ديسمبر 1989 مؤتمر الدائرة المستديرة من الأحزاب القديمة والجديدة والمنظمات بحضور ممثلي الكنائس لبحث وسائل التغلب على الأزمة في البلاد.
• 19 ديسمبر 1989 المستشار هيلموت كول يزور ألمانيا الشرقية لأول مرة والجماهير تستقبله بحفاوة وتهتف "هيلموت ، هيلموت" وتردد أيضا "ألمانيا أمنا بلد واحد".
• 15 يناير 1990 نحو 2000 متظاهر يقتحمون مراكز استخبارات أمن الدولة "الشتازي" في برلين الشرقية ونحو 100 ألف يتظاهرون أمام المبنى.
• 28 يناير 1990 ممثلو الأحزاب القديمة والجديدة يجتمعون لتشكيل حكومة جديدة في ألمانيا الشرقية بمشاركة جمعيات حقوق الإنسان في اجتماع الدائرة المستديرة.
• 1 فبراير 1990 رئيس الوزراء هانز ميدروف يطرح التصورات حول الوحدة الألمانية ويؤكد فيه على الحياد العسكري والهياكل الفيدرالية.
• 7 فبراير 1990 الحكومة الألمانية تعرض على ألمانيا الشرقية إجراء مفاوضات عاجلة حول توحيد العملة المالية.
• 18 مارس 1990 أول انتخابات حرة في ألمانيا الشرقية ويفوز فيها التحالف المحافظ المسيحي.
• 12 أبريل 1990 اختيار لوتار دي ميزير رئيسا للوزراء
• 23 أبريل 1990 الائتلاف الحاكم في بون يتفق على اتفاقية توحيد العملة المالية.
• 5 مايو 1990 عقد أول جلسة من مؤتمر اثنين + أربعة بحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وألمانيا الشرقية في العاصمة بون ومناقشة اتفاقية الوحدة.
• 18 مايو 1990 توقيع اتفاقية حول الوحدة النقدية والاقتصادية والاجتماعية وهي الساعة التي اعتبرها المستشار كول "الميلاد الحقيقي لألمانيا الموحدة الحرة".
• 1 يوليو 1990 سريان الوحدة النقدية وتحول ألمانيا الشرقية للتعامل بالمارك الألماني وسحب أفراد المراقبة على الحدود الداخلية.
• 2 يوليو 1990 بداية المشاورات حول المعاهدة الثانية.
• 16 يوليو 1990 المستشار كول والرئيس السوفيتي جورباتشوف يعلنان التوصل لصيغة حول الوحدة الألمانية تبقى بموجبها ألمانيا عضو في حلف الناتو.
• 22 يوليو 1990 مجلس الشعب في ألمانيا الشرقية يوافق على قانون الولايات الجديد في ألمانيا الشرقية.
• 23 أغسطس 1990 مجلس الشعب في ألمانيا الشرقية يوافق على انضمام ألمانيا الشرقية لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
• 31 أغسطس 1990 توقيع معاهدة الوحدة الألمانية في برلين الشرقية والبرلمان الألماني ومجلس الشعب يوافقان في العشرين من سبتمبر بأغلبية الثلثين.
• 24 سبتمبر 1990 خروج ألمانيا الشرقية من حلف وارسو.
• 1 أكتوبر 1990 ألمانيا تحمل كل مقومات السيادة وتوقف تحفظات الحلفاء حول معاهدة الوحدة في الثالث من أكتوبر.
• 3 أكتوبر 1990 في منتصف الليل رفع العلم الألماني بألوانه الأسود والأحمر والذهبي فوق مبنى البرلمان في برلين وعزف النشيد الوطني ومئات الآلاف من الألمان يحتفلون في الشوارع والطرقات بالوحدة الألمانية داخل العاصمة وكافة الولايات الألمانية.
ألمانيا اليوم
السكان
عدد السكان: تعتبر ألمانيا أكبر دولة في السوق الأوروبية من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها 82,5 مليون نسمة، (42,2 مليون من الإناث). ويعيش في ألمانيا حوالي 7,3 مليون أجنبي (8,8% من مجمل السكان) منهم 1,8 مليون تركي.
كثافة السكان: 231 نسمة في كل كم²، وبهذا تنتمي ألمانيا لأكثر البلاد الأوروبية كثافة في السكان
معدل الولادات: وسطيا 1,4 طفل لكل امرأة
معدل تزايد السكان: 0,0%
بنية الأعمار: %14 من السكان تحت 15 عاما، 19% فوق 65 عاما متوقع العمر الوسطي يصل متوسط العمر المتوقع للرجال إلى 76 سنة، وللنساء 81 سنة (من مواليد 2003)، وبهذا تقع ألمانيا فوق متوسط دول منظمة OECD
الحياة المدنية: %88 من السكان يعيشون في مدن ذات تجمع سكاني كبير. ويوجد في ألمانيا 90 مدينة كبيرة يتجاوز عدد سكانها 100000 نسمة.
الأديان: ينتمي حوالي 53% من السكان للديانة المسيحية (26 مليون كاثوليك، 26 مليون بروتستانت، 900000 أورثوذكس) كما يوجد 3,3 مليون مسلم وحوالي 230000 بوذي، 10000 يهودي، 90000 من الهندوس. ويضمن الدستور الألماني حرية الاعتقاد والفكر والدين. كما لا يوجد كنيسة حكومية أو رسمية.
النظام السياسي
التشريع القانوني: نظام المجلسين: إلى جانب البوندستاغ (البرلمان) يوجد البوندسرات (مجلس الولايات) الذي يمثل حكومات الولايات، ويمثل مصالحها فيما يتعلق بالتشريعات.
بناء الدولة: ألمانيا عبارة عن دولة اتحادية فيدرالية مؤلفة من 16 ولاية اتحادية لكل منها دستورها وبرلمانها وحكومتها. أما حكومة الاتحاد (المركزية) فلها سلطة الدولة العليا. ويقوم مجلس الولايات بتمثيل الولايات على المستوى الاتحادي ويساهم في سن التشريعات والقوانين الاتحادية
حق الانتخاب: يتمتع كل من أتم الثامنة عشرة من العمر بحق الانتخاب العام بشكل متساو وسري (في بعض الانتخابات المحلية 16 عاما) وذلك لانتخاب البرلمان الألماني كل أربع سنوات
الرئيس الاتحادي: هورست كولر (حزب CDU) منذ عام 2004
المستشارة الاتحادية: د.أنجيلا ميركل (حزب CDU) منذ عام 2005
نظام الأحزاب: نظام تعدد الأحزاب، تتمتع فيه الأحزاب بدور دستوري مميز وبدعم مالي من الدولة، كما أن الطريقة الوحيدة لمنع أي حزب هي عن طريق المحكمة الدستورية العليا (الاتحادية)
الأحزاب الممثلة: الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني (SPD)، حزب الاتحاد
في البرلمان: الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU)، حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، حزب بوندنيس90/الخضر (الخضر)، الحزب الديمقراطي الحر (FDP)، حزب اليسار.PDS (الحزب اليساري)
النظام القانوني: ألمانيا هي دولة قانون اجتماعية. تسود فيها أسس توزيع السلطة وقانونية الإدارة. وتخضع كافة أجهزة الدولة لأحكام الدستور. كما يضمن الدستور لكل مواطن حقوقه الأساسية. وتسهر المحكمة الدستورية العليا (الاتحادية) على الالتزام بأحكام وقواعد الدستور. وعلى كافة أجهزة الدولة التقيد بالأحكام التي تصدر عن هذه المحكمة.
التعاون الدولي
تعمل ألمانيا إلى جانب شركائها في أوروبا وعبر الأطلسي من أجل إرساء أسس السلام في العالم ومن أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهي عضو في المنظمات الأوروبية والعالمية الهامة.
الاتحاد الأوروبي: جمهورية ألمانيا الاتحادية هي من الأعضاء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأوروبية (EU). وفي النصف الأول من عام 2007 ستتولى ألمانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
الأمم المتحدة: ألمانيا عضو في الأمم المتحدة منذ عام 1973. وتتحمل ألمانيا حوالي 10% من موازنة المنظمة العالمية وهي بذلك ثالث أكبر ممول لها. وتعتبر ألمانيا من الدول التي تستوطنها المنظمة الدولية، فمنذ عام 1996 تحمل مدينة بون لقب "مدينة الأمم المتحدة" حيث تستوطن فيها 12 منظمة تابعة للأمم المتحدة.
منظمات أخرى واتفاقيات تعاون: ألمانيا عضو في حلف الناتو (منذ 1955)، وفي منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD)، وفي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية (OSZE)، وفي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي(IWF)
وزارة الخارجية: من خلال مركزها في برلين وشبكة التمثيل الخارجي التي تضم 226 فرعا تقوم وزارة الخارجية الألمانية بتمثيل ألمانيا في الخارج. ولألمانيا حاليا علاقات دبلوماسية مع 191 بلدا في العالم.
المهمات الخارجية: يشارك الجيش الألماني حاليا في ثمان مهمات في الخارج، لحفظ الأمن والسلام وتقديم المساعدات الإنسانية، تحت راية الأمم المتحدة وضمن إطار الناتو والاتحاد الأوروبي. وتعتبر ألمانيا من أكبر المساهمين في المهمات الدولية لحفظ السلام ومعالجة الصراعات.
الاقتصاد
القوة الاقتصادية: تمتلك ألمانيا الاقتصاد الأكبر بين دول الاتحاد الأوروبي وثالث أكبر اقتصاد في العالم. وتمثل ألمانيا السوق الأهم في أوروبا بما تحققه من أكبر ناتج قومي إجمالي وبما تمتلكه من أكبر عدد للسكان. ويقارب الناتج القومي الإجمالي 2216 مليار يورو (عام 2004) كما يقارب الناتج القومي المحلي للفرد 26856 يورو.
التصدير: ألمانيا هي أكبر مصدر في العالم. حيث يصل حجم الصادرات إلى 733,5 مليار يورو (عام 2004). أهم شركاء ألمانيا التجاريين هم: فرنسا (10,3%)، الولايات المتحدة (8,8%)، بريطانيا (8,3%)، إيطاليا (7,1%)
البنية الاقتصادية: إلى جانب الشركات العالمية الكبيرة تشكل الشركات ذات الحجم المتوسط جوهر الاقتصاد الألماني. حيث يعمل حوالي 70% من مجمل اليد العاملة في هذه الشركات ذات الحجم المتوسط.
أهم القطاعات: صناعة السيارات، بناء الآلات، التقنيات الإلكترونية، الصناعات الكيميائية، تقنيات البيئة، الميكانيكا الدقيقة، البصريات، التقنيات الطبية، التقنيات الحيوية (البيولوجية) والوراثية، التقنيات الدقيقة (نانو)، تقنيات الفضاء والنقل الجوي، التوطين والنقل
مركز استثماري: تعتبر ألمانيا مركز جذب قوي للمستثمرين الأجانب. وتمتلك أكبر 500 شركة في العالم فروعا لها في ألمانيا، أما العدد الإجمالي للشركات الأجنبية فيصل إلى 22000 شركة، يعمل فيها ما يقرب من 2,7 مليون إنسان. ويصل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 544,6 مليار يورو (أرقام 2003)
البنية التحتية: تمتلك ألمانيا بنية تحتية حديثة ومتطورة باستمرار. ويبلغ طول شبكة الخطوط الحديدية 36000 كم، بينما تصل شبكة الطرقات إلى 230000 كم. إضافة إلى ذلك تمتلك البلاد أحدث شبكة للاتصالات والهاتف في العالم.
المعارض: حوالي ثلثي المعارض العالمية الشهيرة تقام في ألمانيا (تقريبا 140 معرضا عالميا)
البحث والتطوير العلمي
براءات الاختراع: تحتل ألمانيا المرتبة الأولى في أوروبا من حيث عدد براءات الاختراع المسجلة. وإلى جانب اليابان والولايات المتحدة تنتمي ألمانيا إلى أكثر بلدان العالم ابتكارا من خلال 157000 براءة اختراع مسجلة
مقومات البحث: 16 جائزة نوبل كانت منذ عام 1948 من نصيب علماء مؤسسة
العلمي المتميز: معاهد ماكس بلانك. بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من المؤسسات التي تتمتع بسمعة عالمية ممتازة: مؤسسة فراونهوفر للأبحاث التطبيقية، مجموعة هومبولت التي تمتلك 15 مركز أبحاث عالمي معروف
ألمانيا، موطن الاقتصاد
تنتمي ألمانيا لأكثر بلدان العالم الصناعي تطورا، وتشكل بعد الولايات المتحدة واليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وبعدد سكانها البالغ 82,5 مليون نسمة تعتبر أيضا أكبر وأهم سوق في دول الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2004 بلغ حجم الناتج القومي المحلي في ألمانيا 2216 مليار يورو، الأمر الذي يعني متوسط دخل للفرد الواحد بما يعادل 26856 يورو. ومرد هذه الأرقام بشكل أساسي للتجارة الخارجية.
ففي عام 2004 بلغ حجم الصادرات الألمانية 734 مليار يورو، بنسبة تعادل ثلث الناتج القومي الإجمالي، وبهذا الرقم احتلت ألمانيا مركز الدولة المصدرة رقم واحد في العالم. أما العصب الأساس في الصادرات الألمانية فهو القطاع الصناعي، الذي تبلغ مساهمته في الصادرات 84% حسب أرقام 2004. وبهذا فإن الاقتصاد الألماني ذو توجهات عالمية بشكل ليس له نظير. من أهم المراكز الاقتصادية في ألمانيا منطقة الرور (منطقة صناعية كبيرة تتحول إلى مركز للصناعات التقنية والخدمات)، إضافة إلى المناطق المحيطة بمدن ميونيخ وشتوتغارت (تقنيات متطورة وسيارات)، فرانكفورت (تمويل ومصارف)، هامبورغ (مرفأ، صناعة طائرات "إيرباص"، إعلام)، ولايبزيغ.
وعلى الصعيد العالمي يعتبر مستوى المعيشة في ألمانيا مرتفعا جدا مقارنة بالدول الأخرى. حيث يصل متوسط الدخل الإجمالي للعامل إلى 2500 يورو شهريا، وللموظف 3400 يورو. كما أن ألمانيا تشتهر بثبات الأسعار، حيث لم يتجاوز معدل ارتفاع الأسعار في عام 2004 نسبة 1,7%.
ويتوجب حاليا على الاقتصاد الألماني معالجة العديد من المشكلات، وبشكل أساسي فيما يتعلق بنظم الضمان الاجتماعي وسوق العمل. فقد بلغ معدل البطالة في عام 2004 في غرب ألمانيا 9,4%، وفي ولايات شرق ألمانيا الخمس (الولايات الجديدة) 17%. بالإضافة إلى ذلك تأتي الأعباء المالية الرهيبة للوحدة الألمانية التي تصل سنويا إلى 80 مليار يورو (انظر الأرقام في صفحة 103). وبالمقابل تم تحقيق معدل نمو خلال السنوات السابقة تراوح عند 1%.
الاستثمارات الخارجية
تعتبر ألمانيا مركز تقليدي للمستثمرين الأجانب، ولا يعود ذلك إلى التطور التقني الرفيع وحسب، ولكن أيضا إلى المركز الجغرافي المتميز والبنية التحتية المتطورة إضافة إلى الأمان وسيادة القانون وتوفر الأيدي العاملة الماهرة والعالية التأهيل. وبعد الإصلاح الضريبي في عام 2000 انخفضت الأعباء الضريبية على الشركات والأفراد بشكل ملحوظ، الأمر الذي وضع ألمانيا في مركز تنافسي أفضل على الصعيد العالمي. ومن أجل تدعيم موقف ألمانيا التنافسي عالميا على الصعيد الضريبي، فمن المقرر إصلاح قانون الضرائب على الشركات مع الأول من كانون الثاني/يناير 2008. وقد بلغ حجم الاستثمارات المباشرة في ألمانيا بين عامي 1994 و2003 حوالي 387 مليار دولار أمريكي، منها استثمارات كبيرة لشركات عالمية عملاقة مثل جنرال إلكتريك و "AMD". وقد كان التأهيل المتميز للعمال من أقوى الدوافع وراء هذه الاستثمارات. حوالي 81% من العاملين يحمل شهادة تأهيل مهنية، 17% منهم يحملون شهادات من الجامعات أو من المعاهد التقنية العليا. ويعود الفضل في هذا إلى نظام "التأهيل المزدوج" الذي يعتمد على الجمع بين التعليم والتأهيل في الشركات وفي المعاهد، والربط بين النظرية والتطبيق، الأمر الذي يقود إلى نوعية متميزة في التأهيل بشكل عام
أهم القطاعات الاقتصادية
تعيش الصناعة الألمانية منذ سنوات، شأنها شأن جميع الاقتصاديات الصناعية الغربية مرحلة تغير هيكلي. حيث تتلاشى أهمية القطاع الصناعي لحساب تزايد أهمية قطاع الخدمات. إلا أن الصناعة ما زالت العصب المحرك للاقتصاد الألماني. وبالمقارنة مع دول صناعية أخرى كبريطانيا والولايات المتحدة، فإن للصناعة الألمانية قاعدة أوسع، إذ يعمل في قطاع الصناعة الألماني 8 ملايين عامل. أهم النشاطات الصناعية هي صناعة الآليات والسيارات (حجم مبيعاتها 227 مليار يورو، 777000 عامل)، تليها صناعة الإلكترونيات (حجم مبيعاتها 152 مليار يورو، 799000 عامل)، ثم بناء الآلات (142 مليار يورو، 868000 عامل)، والصناعات الكيميائية (113 مليار يورو، 429000 عامل).
وقد تقلصت في السنوات الأخيرة نشاطات اقتصادية تقليدية بالنسبة لألمانيا مثل صناعات التعدين والصناعات النسيجية، وذلك بسبب تغيرات الأسواق، إضافة إلى وطأة المنافسة من الدول ذات تكاليف العمل المنخفضة. كما أدى شراء شركات أجنبية لبعض الشركات الألمانية أو اندماجها معها، كما في الصناعات الدوائية إلى انتقال ملكية هذه الشركات للخارج.
إلا أن القاعدة التي تقوم عليها القدرة التنافسية للاقتصاد الألماني على الصعيد العالمي لا تقوم فقط على شركات كبيرة مثل سيمنز، على سبيل المثال، ولكن أيضا على آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة (حتى 500 عامل) العاملة، وخاصة في قطاعات بناء الآلات والسلع الوسيطة، إضافة إلى الفروع الصناعية الجديدة التي تعتبر صناعات المستقبل، مثل التقنية الحيوية (البيولوجية) والتقنيات الدقيقة (نانو) التي غالبا ما تتجمع في مناطق محددة وبكثافة عالية، مشكلة ما يسمى بالعناقيد الاقتصادية (انظر المعلومات صفحة 119). ويعمل في الشركات المتوسطة الحجم أكثر من 20 مليون إنسان، وهي تعتبر أكبر رب عمل في ألمانيا. وفي قطاع بناء الآلات "وهو قطاع رائد" لا يزيد عدد العاملين في معظم الشركات عن 200 عامل، رغم أنها تنتج آلات للقطاع الصناعي ذات نوعية متميزة على الصعيد العالمي. وتحتل ألمانيا في هذا القطاع المرتبة الأولى عالميا، إذ تبلغ مساهمتها في السوق العالمية 19,3% من مجمل ما يعرض في هذه السوق.
ألمانيا في الاقتصاد العالمي
بسبب الحجم الكبير للصادرات الألمانية، فإن ألمانيا شديدة الاهتمام بالأسواق المفتوحة. وأهم الشركاء التجاريين هم فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا. فقد بلغ حجم الصادرات من السلع والخدمات إلى فرنسا في العام 2004 حوالي 75 مليار يورو، وإلى الولايات المتحدة 65 مليار، وإلى بريطانيا 61 مليار.
ومنذ توسيع السوق الأوروبية نحو الشرق في أيار/مايو 2004 ارتفع حجم التبادل التجاري مع الدول "القديمة" في السوق الأوروبية، إلى جانب القفزات الكبيرة لحجم التبادل التجاري مع الدول الأوروبية الشرقية الجديدة في السوق. وقد تم خلال التسعينيات انتقال الكثير من المصانع الألمانية إلى هذه الدول في شرق أوروبا وإلى آسيا. حيث بلغ عدد العاملين في شركات أوروبية شرقية تابعة للشركات الألمانية في عام 2001/2002 حوالي 830000 عامل، بينما لم يكن لهذا العدد في عام 1990 أي وجود. وتصل نسبة الصادرات اليوم إلى هذه البلدان 10% من مجمل الصادرات، بمعدل يقارب حجم الصادرات إلى الولايات المتحدة.
وتنمو أيضا باستمرار أهمية العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول الآسيوية السائرة في طريق النمو مثل الصين والهند. وقد بلغ حجم الصادرات من السلع والخدمات في عام 2004 إلى هذه البلدان 21 مليار يورو إلى الصين، و3,2 مليار إلى الهند، وفي ذات الوقت وصل حجم المستوردات من الصين 32 مليار يورو ومن الهند 3 مليار. كل الدول التي تسير مسرعة في طريق النمو لديها مميزات تنافسية تتيح لها المجال أن تصبح في عداد الدول الغنية. وهذا يصب أيضا في مصلحة سياسة التجارة الخارجية الألمانية، حيث أن ألمانيا لن تستطيع الحفاظ على مركزها كبلد صناعي متطور من دون أن ترتبط بأوثق العرى بالتجارة والأسواق العالمية. ولكن هذه التطورات تضع البلد في ذات الوقت أمام تحديات جديدة. وفي هذا السياق فإن الاقتصاد الألماني أثبت بجدارة مقدرة تنافسية كبيرة مردها إلى السياسة الاقتصادية للبلاد إضافة إلى سياسة الأجور الحذرة.
الأسرة
ما تزال الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية للناس، وواحدة من أهم المؤسسات الاجتماعية على الإطلاق. وقد ازدادت أهميتها كمركز للحياة مع مرور الزمن. وتحتل الأسرة المكانة الأولى بين الخيارات الشخصية بالنسبة لحوالي 90% من السكان. وحتى في أوساط جيل الشباب تتمتع الأسرة بقيمة عالية: 70% ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و26 عاما يرون أن المرء يحتاج إلى أسرة كي يكون سعيدا.
إلا أن تصور شكل هذه الأسرة وبنيتها قد تغيرا بشكل كبير مع التحولات الاجتماعية. ففي الأسرة التقليدية الاجتماعية يعمل الأب والأم المتزوجان على تربية أولادهما بتقسيم واضح للأدوار والمهمات: الأب يعمل ويكسب المال، بينما تقوم الأم بدور ربة المنزل. أسلوب "المنفق الوحيد على الأسرة" هذا، يتم اتباعه بشكل فعلي، على سبيل المثال لدى الطبقات الاجتماعية الدنيا ولدى المهاجرين، أو لفترة زمنية معينة، عندما يكون الأولاد صغارا في السن. إلا أنه لم يعد الأسلوب السائد في الحياة الاجتماعية كما كان في السابق.
لقد تنوعت أساليب وطرق العيش المشترك بشكل كبير جدا. فحرية الاختيار بين الأشكال المختلفة للأسرة، وحتى إمكانية التخلي عن هذه الأسرة، أصبحت الآن كبيرة جدا. ويعود هذا بشكل أساسي لتغير دور المرأة في المجتمع: حوالي 60% من الأمهات يمارسن اليوم عملا أو مهنة. الأسر أصبحت أصغر مما كانت عليه في السابق. والأسر ذات الولد الواحد غدت أكثر بكثير من الأسر ذات الثلاثة أولاد أو أكثر. والأسرة التقليدية اليوم هي الأسرة التي لديها ولدان فقط. وحتى الحياة بدون أولاد، سواء لزوجين أو شريكين في الحياة، أو لفرد واحد أصبحت اليوم أكثر انتشارا. تقريبا ثلث النساء المولودات في عام 1965 ليس لديهن الآن أولاد.
ليست فقط أساليب الحياة هي التي تخضع للتغيرات، ولكن أيضا المعايير والقيم الأخلاقية تعيش عصر تغيرات جذرية. فالشراكة بين الرجل والمرأة ما تزال قيمة مهمة من قيم المجتمع، إلا أن الأسلوب القائم على حياة مشتركة دائمة قد تراجع إلى حد كبير. وبالمقابل فقد ارتفعت نوعية المعايير التي تقوم عليها هذه الشراكة. وهذا هو أحد الأسباب التي أدت إلى أن تنتهي 40% من حالات الزواج التي عقدت في السنوات الأخيرة إلى الطلاق. زواج آخر أو علاقة جديدة هما القاعدة في أغلب الأحوال. وقد ازدادت بشكل ملحوظ علاقات المشاركة والعيش المشترك التي لا تقوم على الزواج.
وبشكل خاص عند جيل الشباب وعند المطلقين تزداد شعبية "الزواج بدون عقد رسمي". وهكذا ترتفع أيضا نسبة المواليد من غير زواج الأبوين: ففي غرب ألمانيا تصل نسبة المواليد الذين يولدون لأبوين غير متزوجين إلى خمس إجمالي المواليد الجدد، وتتجاوز هذه النسبة 50% في شرق ألمانيا. ومن نتائج هذا التطور زيادة نسبة الأولاد بالتبني (ابن الشريك) ونسبة المربين الوحيدين (الأم أو الأب بشكل منفرد). خمس الأسر التي لديها أولاد، يكون هؤلاء الأولاد فيها أولاد أحد الشريكين، وغالبا أولاد الزوجة (الأم).
ولم تخل العلاقات داخل الأسرة أيضا من التطور خلال العقود الأخيرة. العلاقات بين الآباء والأولاد هي علاقات جيدة عادة، وهي لم تعد تقوم غالبا على الطاعة والتبعية ولكن على أساس المساعدة والدعم والتربية على تعلم الاستقلالية.
صحيح أن الأسر المكونة من ثلاثة أجيال تعيش الآن فيما ندر تحت سقف واحد، ولكن رغم ذلك فإن العلاقة بين الأولاد البالغين والآباء كما بين الأجداد والأحفاد مازالت متينة تقوم على أسس عاطفية قوية.
النساء والرجال
المساواة بين الرجل والمرأة التي نص عليها الدستور الألماني قطعت في ألمانيا، كما في المجتمعات المتقدمة الأخرى، خطوات كبيرة نحو الأمام. وهكذا لم تتمكن البنات في مجال التعليم على سبيل المثال من اللحاق بالشبان وحسب، بل وتجاوزنهم في الكثير من الأحيان. ففي المدارس الثانوية (غومنازيوم) مثلا، وهي ذات أرفع المستويات التعليمية، تبلغ نسبة الإناث من المتخرجين 57%. وتصل نسبة الإناث بين مبتدئي الدراسة الجامعية في الفصل الدراسي الأول إلى 54%. ومن بين الذين أنهوا تعليمهم المهني بنجاح في عام 2004 بلغت نسبة الإناث 44%.
ويزداد إقبال النساء على العمل وحصولهن عليه. في غرب ألمانيا تبلغ نسبة العاملات 65% من مجمل النساء وفي الشرق تصل النسبة إلى 73%. وبينما يميل الرجال عادة للعمل بدوام كامل، تفضل النساء، وخاصة الأمهات لأطفال صغار منهن العمل بدوام جزئي. أيضا في مجال الدخل مازالت الفوارق بين الجنسين موجودة: فالعاملات يكسبن فقط 74% من دخل زملائهن من الرجال، والموظفات 71% منه. ويعود هذا إلى حقيقة أن النساء غالبا ما تعملن في مراكز أدنى من الرجال وبالتالي تكون رواتبهن أقل. وحتى عندما يقتحمن عالم المناصب العليا، تواجه النساء صعوبات مهنية جمة. وهكذا نجد أنه رغم أن نصف الدارسين من النساء فإن نسبة العلماء من السيدات لا تتجاوز الثلث بينما لا تتجاوز السيدات اللواتي يحملن لقب بروفيسور 14% من مجمل حاملي هذا اللقب.
إحدى أهم الصعوبات التي تواجه تطور المرأة المهني تتجلى في تقسيم المهام في الأعمال المنزلية الذي لم يحظ سوى بتطور محدود نسبيا حتى الآن. أساس العمل المنزلي – الغسيل والتنظيف والطبخ – مازال في 75 حتى 90% من العائلات من مهمة المرأة فقط. وعلى الرغم من أن 80% من الآباء يمضون مزيدا من الوقت مع أولادهم، فإن النساء، وحتى العاملات منهن، مازلن يمضين مع الأولاد ضعفي الوقت الذي يمضيه معهم آباؤهم. وبينما يعرب 56% من الرجال الراغبين بالحصول على أولاد عن استعدادهم، تحت ظروف معينة، لترك العمل مؤقتا والبقاء في البيت بعد الولادة لرعاية الأطفال خلال فترة الحضانة، فإن نسبة الرجال الذين يقومون بهذا فعلا تصل بالكاد إلى 5%. بينما يستفيد 36% من الرجال في السويد من هذا الحق الممنوح لهم ويبقون في البيت خلال فترة الحضانة هذه.
وقد تمكنت المرأة من تثبيت دعائمها في العمل السياسي. حيث تبلغ نسبة الأعضاء الإناث في الحزبين الكبيرين SPD (ثلث الأعضاء) و CDU(ربع الأعضاء). أما عدد النساء في البرلمان الألماني (البوندستاغ) فقد تطور بشكل ملحوظ: في 1980 بلغت نسبة الإناث في البرلمان 8%، وفي عام 2005 تقارب هذه النسبة 32%. وفي ذات السنة 2005 أصبحت أنجيلا ميركل أول سيدة تصل إلى منصب المستشار (المستشارة) الألماني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.