غنت قديما كوكب الشرق "أصبح عندي اليوم بندقية.. فإلى فلسطين خذوني"، كانت كل المشكلة هي فلسطين وحلها بسيط: بندقية! اليوم أصبح عندي بندقية.. ولكن.. إلى أين اذهب؟!؟ هل اذهب إلى فلسطين؟ أم اذهب إلى العراق وأطلق رصاصات بندقيتي على الأمريكيين؟ أم إن علي أن اذهب إلى لبنان ؟! أم إلى سوريا اذهب واستعد للغازي المتوقع قدومه وليبارك الله فيما بقى!؟ أم إن علي أن أحارب ببندقيتي المسكينة تلك القواعد الأجنبية التي تنتشر في البلاد الرأس دبوسية والتي تحتضن قوات العدو؟! أم إن علي أن أوجه بندقيتي نحو أولئك المتطرفون الذين لا يرون من طريق في مقاومة الاضطهاد العالمي الصهيوني للمسلمين إلا بتفجير خزان نفط ويعملون بجد شديد على أن ينهوا الهيمنة الأمريكية بتفجير تلك الوسادة أسفل رأسي؟! أم إن علي أن اسمع تلك النصائح العبقرية العالمية بتقديس الحرية والديمقراطية والنضال من اجل الإنسانية بتصويب بندقيتي نحو صدر شقيقي؟!..في الأخير وبعد تأمل في هذا المشهد المأساوي انتابني يأس عارم فوضعت البندقية جانبا ورحت اركض نحو الهدف الوحيد في حياتي .. لقمة العيش! منطقتنا العجوز تدمي تجاعيد وجهها أحداث مأساوية من أقصاها إلى قصاها.. هي قلب العالم وهي مركز العالم مهبط الديانات ومهد الحضارات .. والمشاكل والطوائف والاقتتال والاحتلال, يقدم لك مذيع نشرة الأخبار شرحا مفصلا للأسباب الوجيهة التي يقترحها عليك العالم لكي تغرق في يأسك.. العراق يغرق في مستنقع مخيف وعندما يمد يده من تحت الأعماق طالبا النجدة يجد من يضع فيها قنبلة مع تحيات المحتل الأمريكي. سوريا ينظر إليها بوش وهو يصيح ويخبط أقدامه في الأرض في غيظ وحنق وهو يشد جاكتة أبيه ويقول له ( أريد هذه أيضا) كشأن أي طفل في محل ألعاب.. وفي فلسطين استطاع الأخوة أصحاب المنحنيات الاقتصادية الكرشية أن يحققوا المستحيل في خلق مشاكل داخلية في "الكم لبنة" التي استطاع الفلسطينيين أن يحصلوا عليها وقد "فتح" الله عليهم بالكثير من الأساليب لخلق الفتنة الداخلية ولا عجب فقد قال عنهم ياسر عرفات إن المنظمة إن كانت تضم 1000عضو فعملاء إسرائيل فيها 3000! ناهيك عن التناقض الوقح في رفض الديمقراطية التي أتت بأناس مثل"حماس" إلى الحكم!!.. هذا غير انتشار القوات الأمريكية في الكثير من الدول العربية لحماية المصالح الأمريكية.. ناهيك عن نماذج من الحكام الذين ابتلى الله الأمة بهم عسى الله أن "يكفينا" شرهم.. بعد هذا كله وبعد كل هذا السواد في الصورة وفي عصر الانحطاط والمذلة التي نعيشها والتي سيكتب عنها وعن "من عايشوها" التاريخ ليصفهم بأقذع الأوصاف وبأنهم قوم تخلوا حتى عن طيب النوايا! أليس من الواجب بعد كل هذا أن نصوب البنادق إلى رؤوسنا!!. أصبح عندي اليوم بندقية.. ولكن مَْن أنا، وفي صف من أقف، وفي أي اتجاه اضرب؟! لكي استخدم بندقيتي يجب أن اعرف إجابة عدة أسئلة: هل نحن عرب مسلمين.. أم نحن شرق أوسطيين فان كنا عرب لماذا نرى العراق يغوص بسرعة خرافية في أعماق اقتتال داخلي والفوضى والاحتلال دون أن نفعل شيئا وان كنا مسلمين فلماذا يضايقنا المشروع النووي الإيراني كل هذا الضيق بينما لا يزيدنا المفاعل الإسرائيلي إلا اطمئنانا وسعادة؟! هل الغرب حليفنا أم عدونا؟!..هل ما يحدث في العراق مقاومة أم أعمال تخريب! والاهم من كل هذا كيف أستطيع أن أدافع عن نفسي دون أن اغضب الغرب وأصبح إرهابيا يلعنني حتى إخوتي ويلاحقوني في كل شارع طالبين رأسي؟! ما هي هويتنا؟ والاهم ما هي قضيتنا ؟ من نحن وماذا نريد؟! في اعتقادي أن أي امة لا تعرف من حلفائها ومن أعدائها ولا تعرف ما هو هدفها الأساسي والاستراتيجي هي امة لن تغادر نشرة الأخبار المأساوية أبدا؟ يجب أن نرى من حولنا بعين فاحصة ونراقب تصرفاتهم ونفهم جيدا وضعهم. لا يصح ان نقنع أنفسنا أن من يقتلني في العراق يريد بكل حب أن يداويني باليد الأخرى! لا يصح أن نقتنع إن الغرب يغتصب وينهب خيراتنا وأهلنا وفي نفس الوقت هو يقيم مؤتمرا لمناقشة حقوق الطفل العربي، ذلك الطفل الذي قام بالأمس فقط بقتل الآلاف منه.. لا يصح أن نقتنع إن الطفل العربي على أوراق المؤتمر.. يجب أن نفهم انه ذلك المدفون في مقابر الشهداء الصغار .. لا يصح أن نقتنع إن أمريكا بالتحديد تتهمنا بتفجيرات 11 سبتمبر وبالتالي تضرب أفغانستانوالعراق وتسيطر على كل المنطقة بالعصا ( دون حتى الجزرة)، وفي نفس الوقت هي تخبي في الجيب الداخلي لبدلتها خطة رائعة كتبتها بألوان قوس قزح ستجلب لنا الفرح والعسل واللبن والحرية والديمقراطية و... ومزيد من قنوات الفاشن! كل هذا لا يصح مهما حاولنا أن ندعي الغباء فنحن للأسف شعوب عريقة ذكية تعرف جيدا إن كل هذا لا يصح، وان كان إخواننا يصيبوننا بالحول الذهني عندما نفكر في هويتنا وفي حلفائنا وأعدائنا نجد بعض الإخوان ينادون بالمقاومة ويمثلون بالفعل قلعة عروبية صادقة ولكنهم أيضا لم يطلقوا رصاصة؛ وآخرين هم عبارة عن مجموعة بسيطة لقنوا إسرائيل إحدى هزائمها القليلة، كما إننا نجد بعض الإخوان يدعمون لبنان بكل قوة في إعادة اعمار ما دمرته الحرب، وفي نفس الوقت يدعون وزيرة الخارجية الإسرائيلية لحضور مؤتمر عندهم.. إن ذلك أشبه بجراح ينقذ حياة مريضه بعملية وبعدها مباشرة.. يطلق الرصاص على رأسه! يجب أن نعرف ما هي قضيتنا فعلينا أن نحدد كأمة هل الموضوع هو أن "نعيش وخلاص"! فإن سقطت العراق فهناك سوريا، وان سقطت فلسطين هناك الأردن، وان سقط الأردن هناك لبنان، وان سقط لبنان هناك بيروت، وان سقطت بيروت هناك الاشرفية، وان سقطت الاشرفية لابد أن يبقى هناك ملهى ليلي ولو صغير يجتمع فيه حكماء العرب ليشربوا نخب سياسة الحكمة وتجنب الحرب والإبقاء على المنطقة غير مدمرة!! هل قضيتنا أن نعيش في المناطق التي لم تحتل بعد ونحن صامتون وتحت ضل أي ظروف من مهانة و ذل المهم "إننا عايشين" لا يهم كيف نحن "عايشين" فنحن نهرب من الزوايا المدمرة إلى زوايا ذل ضيقة ولكننا نستطيع فيها الاستمتاع بمذاق الحياة الأمريكية! أم إن القضية أن نفهم إننا امة تحت الاحتلال الفعلي مهما كان المحتلون مهذبين ولم يجرحوا شعورنا بوصف واضح فاضح للاحتلال.. نحن محتلون فكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. هل القضية أن نسخر كل طاقاتنا للمقاومة ونفهم إن قضيتنا في المقاومة وليس الاستمرار بالعيش بما يمكن العيش به.. مع التذكر إن النصر والكرامة والتفوق والعيش الكريم ليست أبدا أساطير وأفكار رجعية تدعو للسخرية كما يراد لنا أن نؤمن، وان علماء المسلمين لا يتكلمون بتلك اللهجة المضحكة في الأفلام المصرية، وان الحديث عن العروبة لا "يصدع الدماغ" كما تحاول أن تظهره نفس الأفلام! علينا أن نؤمن إن المنطق يقول إن الأمة التي لا تريد أن تقاتل يستحيل أن تنتصر، والأمة التي لا تريد حتى أن تقاوم لا يمكن أصلا أن تعيش!. علينا أن نوحد صفوفنا ونؤمن بأننا عرب مسلمين وفي أي مكان في المعمورة يجد شخص يحمل إحدى هاتين الصفتين فهو حليفي وهو من يجب أن أضع يدي في يده.. هناك قصة معبرة حدثت في حرب إيرانوالعراق حيث لجأ جنديين عراقيين إلى احد الخنادق وبعد قليل قفز في الخندق ثلاثة أشخاص آخرون وظل الجميع دون حراك طوال الليل خوفا من القصف والقتل وفي الصباح أتضح أن ذلك الخندق ضم جنديين عراقيين وثلاثة جنود إيرانيين!! نبه احدهم إلى أنهم جميعا مسلمين ولا داعي للقتال وعلى ذلك رجع كل إلى ثكنته. علينا أيضا أن نؤمن إن الأمريكيين وإسرائيل هم ليسوا أصدقاء وإنهم محتلون لا يريدون لنا الخير بل يريدون لنا الشر. يجب أن نفهمها هكذا بوضوح ودون كلمات لكن واصلا وبس ! علينا أيضا أن نؤمن إن الزعماء هم من يعكسون مواقف شعوبهم وليس من يعاكسونها وبأن من المخجل انه أصبح موقف "الشارع" مختلف تماما ومناقض لمواقف الزعيم.. ولازال الجميع يتذكر (بفخر) موقف ذلك المذيع الخليجي الذي سأل فخامة الرئيس عن رأيه في العدوان الإسرائيلي، ولا زلنا جميعا نتذكر ملامح ذلك المذيع وهو ( مبلود) ومندهش من رد الرئيس الذي ندد بقوة بالعدوان وأصر على اقتناعه التام بحق حزب الله في المقاومة.. كان منظر المذيع يدعو للضحك والألم وهو مصدوم، فهو لم يعتد تلك الشفافية والوضوح من زعماء المنطقة فما كان من الرئيس إلا أن أوضح له بأن الزعيم الحقيقي هو من يتلمس نبض شعبه ويعرف أفكاره ويعبر عنها! أنا لست مسئولا عن البؤس الذي نعيشه جميعا في المنطقة.. لست مسئولا عن فشل المثقفين والقادة والعسكريين والعلماء العرب والمسلين في العقود الماضية في أن يوجدوا لنا أيام أفضل نعيشها.. هم (مع احترامي) فشلوا في ذلك وتناثروا مابين العمالة والخيانة والغباء والفشل وتناثر من بعدهم عقد الأمة العربية.. ولكنني مسئول مع كل هذا الجيل في الأمة العربية الإسلامية عن الأيام التي ستأتي في خلال العقود القادمة. تلك المسئولية تكون أولا بأن نفهم ما هي قضيتنا، وان نعرف أي بندقية نحمل، وإلى أي جهة نطلق رصاصها؟! سنكون مسئولين أما عن احتلال الأعداء آخر ذرة رمل في موريتانيا على المحيط الأطلنطي أو عن تحرير القدس وبغداد.. سنكون مسئولين أما عن وجود مجتمع نشيط واعي ومدرك لأهدافه وهويته وقضاياه أو عن وجود مجتمع يردد بأعلى صوته مع مطرب "متحضر" مثل جاد شويري ( انا مش حتغير قلبي كبير وعقلي صغير) فليعيش العقل الصغير طالما القلب كبير، أو كما نقول نحن "فسح"!. سنكون مسئولين أما عن الأمن والسلام ووقف المذابح الرهيبة في أوطاننا العزيزة أو عن استمرار تلك المذابح واستمرار قتل الأطفال وسفك الدماء.. سنكون مسئولين أمام الله عز وجل وسيقف الجميع في خوف رهيب، وفي هلع شديد أمام رب العزة في يوم لن نستطيع فيه إلا أن نجيب .. سنُسأل عن أرواح الشهداء والأطفال.. وعن روح تلك الطفلة الصغيرة في لبنان التي انشطر جسمها إلى نصفين...بأي ذنب قتلت؟! [email protected]