في هذا العمل الموثق لشواهد عدن وذاكرتها نقف على تاريخ المدينة .. مدينة الليل والمرايا .. مدينة النوارس الخضر ومهرجانات الألوان القزحية .. خرافة الزرقة ونشوة الزبد الناصع لأمواجها الحانية البيضاء .. بحارات البهاء التي أشعلت القلوب ، وألهمت الشعراء والمبدعين وأفاضت عليهم بسعة آمادها التي كالوطن اليماني وخصوبة أنساقه الثقافية. من خلال التصفح الأولي يقف الرائي على منظومة مكثفة من المعلومات الفريدة والجديدة .. كما يقرأ سفر الأيام وذاكرة المكان المحمول على جناح الصور والكلمات التي قدمت الحقيقة مجردة وعارية من المسبقات الذهنية أو الأهواء الذاتية . المشاهد والشواهد تتواصل كأنما سبكت من معطيات مشهدية تتقاطع مع ذاكرة سردية عميقة الانتماء والحب لعبقرية المكان وتفاصيل الأشياء الصغيرة .. تتواتر الصفحات ضمن الموسيقى البصرية الخاصة برسومات أوائل المستشرقين ممن إنخطفوا بجمال المدينة وتوزيعها وإيحاءاتها .. ثم نتابع روعة السلم الاجتماعي والتعايش بين الناس ممن استهوتهم المدينة بموقعها الجغرافي الفريد وفضاءاتها المفتوحة وقابليتها الطبيعية لتوحيد التنوع ضمن متواليات الكيمياء السحرية للمدينة العصرية. تاليا نأتي على تلك المحطات الاستثناء في تاريخ التطور المديني بالجزيرة العربية ونقف على أوائل خطوط السكك الحديدية والبنوك وبيوت الخبرة وسباقات الخيول والأندية الرياضية والفرق الفنية . حقا لقد كانت عدن أول مدينة في شبه الجزيرة العربية تزدهر بالعصر وتتمازج مع مفرداته الأولى قبل أكثر من قرن من الزمان . ثم تتواصل الإنزياحات الدلالية والبصرية مواكبة حكمة التنوع وعبقرية الحاكميات الموصولة بالتراث غير المتعصب مما يجعلنا نقرأ في عهد السلطنات والمشيخات ذلك البعد الذي كثيرا ما تم تغييبه والعبور عليه دونما توقف واستلهام .. تماما كما حدث في كثرة كاثرة من البلدان العربية التي ابتلاها الله بمشاريع طوباوية سرعان ما تكشّفت عن استبدادات مخلة .. وقطيعة مع التاريخ ونواميسه .. وليتها واصلت درب السير إلى المستقبل .. بل العكس تماما فما فعلته لا يعدوا تشويها للماضي ورفضا تاما لشروط المستقبل بدليل ثقافة الاستبداد التي تسود ولا تعترف بتيارات العصر وضرورات الأيام . لقد أثبتت فتوة السبعينات " المزيفة " وما تلاها أننا كنا بحاجة إلى التاريخ .. وانه كان من الأجدى لنا ألف مرة أن نستوعب " دهاء التاريخ وحكمته " بدلا من حرق المراحل ولخبطة الأولويات . لقد قدمت عدن للوطن اليمني وللعمقين العربي والإفريقي أجمل المفردات وأكثر الاستثناءات خصوبة وحيوية .. ومازالت إلى يومنا هذا حبلى بقابليات خاصة لمأسسة الوطن اليمني والانطلاق به إلى آفاق رحبة.