ما هو موقع المرأة في البلدان العربية؟ هل هي ضعيفة، مسلوبة الإرادة، يتحكم بها الرجل والإرث الذكوري الطاغي علي المجتمع تاريخا وحاضرا؟ هل هي ضحية القيم والتقاليد أم الإسلام وتشريعاته أم قوانين الأحوال الشخصية المستندة الي الشريعة الإسلامية؟ مما يدفعنا الي طرح سؤال مختلف قليلا وهو: هل هي ضحية حقا؟ وكيف العمل علي تخلصها من الحيف اللاحق بها منذ مئات السنين؟ ما هو موقعها في تنمية البلدان وتطورها وتأمين حقوق المواطنة؟ هذه هي بعض الأسئلة المهمة التي يحاول تقرير نحو نهوض المرأة في الوطن العربي ، الذي صدر، أخيرا، عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. وقد ربط التقرير، منذ الصفحات الاولي، بين العمل من أجل نهوض المرأة العربية والحرص علي نهضة البلدان العربية بأسرها. والتقرير هو الرابع والأخير في سلسلة التقارير المتعلقة بالمنطقة العربية، التي أعدها البرنامج. كان التقرير الأول الصادر في عام 2002 بعنوان (خلق الفرص للأجيال المقبلة)، والثاني في عام 2003، (نحو إقامة مجتمع المعرفة)، والثالث (نحو الحرية في الوطن العربي)، في عام 2004. وقد اعتبر التقرير الذي ساهم في كتابته ومراجعة مسوداته وإبداء الرأي في نصوصه ما يزيد علي المائة باحث ومختص في مختلف الشؤون الاجتماعية والقانونية والاقتصادية والفكرية والأدبية عامة وشؤون المرأة والنوع الاجتماعي خاصة، ان إنصاف النساء من غبن تاريخي وقع عليهن واجبٌ ومطلبٌ حق. وفي الوقت الذي تمكنت فيه البلاد العربية من تحقيق إنجازات مشهودة في النهوض بالمرأة، مازالت أمامها أشواط لبلوغ الغايات النهائية المرغوبة. ويشير عنوان التقرير الي أهمية المنهج المتبع في الكتابة وطبيعة الرسالة التي يحاول تبليغنا إياها. اذ استخدم التقرير كلمة (نهوض النساء) وليس (تمكين النساء) المستخدم في التقرير السابق والمترجم حرفيا عن الإنكليزية. اذ يحمل نهوض المرأة (معني الفعل المناضل للمرأة لنيل حقوقها ونهضتها من خلال بناء قدرات النساء وتوظيفها بفعالية في سياق مجتمعي موات). كما انها تدل علي الفعل الإرادي ، من هنا يرسي التقرير موقفه المبني علي ان المرأة هي ذاتها من تقوم بدور رئيسي في تصحيح إرث الاستضعاف بدلا من ان تكون كما توحي المقاربة العربية للمصطلح الأجنبي في وضع المتلقي لفعلي التمكين والتقوية. يتميز التقرير بالصدق في طرح اشكالية وضع النساء وعدم فصل موضوع المرأة عن الوضع العام. فلم يبق اسير النظرة الواحدة الضيقة والقاء اللوم علي جهة معينة دون غيرها متجنبا في الوقت نفسه هلامية العاجز عن تحديد الموقف الواضح وكذلك صبغة (اللاسياسة) التي تطبع تقارير الأممالمتحدة عموما. فوضع المرأة يمثل محصلة تفاعل عديد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تتشابك بطريقة مركبة، وبعضها إشكالي الطابع، بما يعوّق نهوض المرأة. ويتناول التقرير كل واحد من هذه العوامل علي حدة وبالتفصيل. حيث يتطرق اولا الي إشكالية الداخل والخارج. بين ما هو مجتمعي تقليدي وثقافي واستبدادي وما هو مستورد ومفروض تحت شعار التجديد والتمكين سياسيا واقتصاديا وعسكريا، أحيانا، كما هو حال العراق. يذكرنا التقرير بأن (الاشكالية اكتست ثوبا جديدا بعد إعلان الإدارة الامريكية الحالية عزمها علي اعادة تشكيل البنية المجتمعية العربية خدمة لاغراض حربها علي الإرهاب، كما تعرفه. ولايجوز الخلط بين الترويع الإجرامي للأبرياء ، المدان سلفا، وبين المقاومة المشروعة التي يكفلها القانون الدولي ضد الاحتلال الاجنبي والأنظمة العنصرية). وتنعكس جرائم الاحتلال الصهيوني لفلسطين والامريكي للعراق بحدة علي وضع المرأة وقدرتها وافراد عائلتها علي مواصلة الحياة فضلا عن ديمومة الوجود وتطويرها من نواحي التعليم والصحة وتحسن الوضع المعيشي. من هنا يتبين بان ما يعالجه التقرير عموما يختلف في سلم الأولويات من بلد الي آخر ومن شريحة اجتماعية الي اخري وان كان الفارق الأساسي هو ما بين وضع المرأة في ظل الاحتلال الأجنبي ووضعها في بقية الدول العربية المتمتعة بالسيادة بدرجات مختلفة. فأولويات المرأة الفلسطينية المعرضة للحصار والتجويع والعراقية المعرضة للقتل وفقدان كل حقوقها التي اكتسبتها علي مدي عقود طويلة من النضال تختلف عن اولويات المرأة في تونس والمغرب الداعية الي تحسين المشاركة السياسية ووصول المرأة الي مراكز صنع القرار. وهي طبعا مطالب ضرورية واساسية وما يجب ان تطالب به كل امرأة ، بمساعدة الرجل، في الاوضاع المستقرة سياسيا واقتصاديا. يتطرق التقرير الي موقف الإسلام، عموما، من المرأة لينتقل بعدها الي تحليل مواقف التيارات الاسلامية والاسلامية السياسية ، من التيار السلفي الي المعتدل. مبينا وببحث منهجي دقيق اختلاف التفسيرات وأسبابها. وانطلق التقرير في معالجته بدءا الي أن التيارات الإسلامية تمثل طيفا واسعا، وشديد التفاوت داخليا، وأن الكثرة الغالبة من التيارات الإسلامية في البلدان العربية تمثل قوي مجتمعية واسعة الانتشار وعميقة الجذور الشعبية بسبب ممارستها للعمل الاجتماعي والسياسي وسط عامة الناس لسنوات طوال. وان الإسلام، عنصر محوري في النسيج الثقافي والروحي للشعب العربي وان أي قوة سياسية لا تستطيع أن تتناسي أهميته. وان بقيت إعادة فتح باب الاجتهاد المستقل، وتشجيعه وإثابته، مطلبا أساسيا لتحقيق التزاوج المبدع المطلوب لمجتمع الحرية بمفهومها الشامل المعاصر والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية. وشدد علي أن (التحدي المطروح علي الخيال الإسلامي بشأن المرأة كما هو بشأن السياسة برمتها- هو كيفية تنمية البديل الإسلامي وتطويره وتعايشه مع سياقات مختلفة أو مخالفة، والنهوض بالمرأة بقوة في الخطاب والتطبيق لا باعتباره نتيجة بل بوصفه شرطا لإسلامية المجتمع). وفي مجال المقارنة ما بين تمثيل النساء في الحركات الإسلامية والعلمانية يلاحظ بان بان الاولي استهدفت تنظيم النساء حديثا. ففي حزب الله في لبنان مثلا تنخرط النساء في اطار ( الهيئات النسائية) ويشاركن في معظم مؤسسات الحزب الاجتماعية والتربوية والثقافية والاعلامية، كما يلعبن دورا في العمل المقاوم ، لكنهن مازلن غائبات من المجالس الاساسية للحزب. وفي فلسطين تمثل النساء في حزب الخلاص الوطني الإسلامي نسبة 27% وفي المكتب السياسي (اعلي هيئة للحزب) 15%. من الناحية الثانية، اهتمت الأحزاب الشيوعية والقومية بتنظيم النساء للدلالة علي تقدمية ما تحمله من افكار. ولكن عمدت الكثير منها، سواء التقدمية منها ام المحافظة، علي خلق تنظيمات منفصلة تدار من قبل امرأة. مما خلق للمرأة حيزا خاصا ضمن حيز الحزب العام. وكان الاعتقاد السائد بان ذلك سيساعد علي تشجيع المرأة علي دخول معترك السياسة العام. ولا تدل النتائج العامة علي ذلك. ولا يخلو التقرير من مراجعة مواقف العديد من النظم الاستبدادية بشقيها الإسلامي والعلماني مؤكدا بان الانظمة العلمانية لاتحمي بالضرورة حقوق المرأة بل قد تكون من عوائق نهوضها وتطورها. خاصة من ناحية حرمانها ، مثل بقية ابناء الشعب ، من حقوق المواطنة. وان كان (من المفارقات أن أنظمة حكم قمعية قد حققت لصالح حقوق النساء، ولأغراضها الخاصة، إنجازات مهمة لم تكن لتتحقق لو ترك عنان الأمور للحركة المجتمعية الطبيعية التي تحددها القيود الموروثة، بل إن آليات القمع السياسي قد استخدمت أحيانا للإسراع بنهوض المرأة). لكنها حالات استثنائية ترتبط بمرحلة تاريخية معينة لأن للقواعد الشعبية مقاومتها التي تواجه بها الاوامر الصادرة من السلطة الفوقية. كما أدي تبني الحكومات الغربية موضوعة (حقوق المرأة) كأداة للضغط السياسي الي احداث تأثير عكسي، لا سيما في الأعوام الأخيرة. وغالبا ما يكتفي بعض الزعماء العرب المتأثرين بالضغوط الخارجية بإجراءات تجميلية شكلية، مثل تعيين إحدي النساء في منصب سياسي رفيع، لكنه ليس منصبًا لصنع القرار. مما يجعل المرأة بيدقا في لعبة لاتحقق لها منجزا حقيقيا. لكنّ الصورة ليست كلها معتمة وكئيبة؛ حيث تمكنت النساء من تحقيق إنجازات مبهرة في مختلف مجالات النشاط البشري. فإن عدد الفتيات اللاتي يتابعن تعليمهن الثانوي أو الجامعي في تزايد مستمر. وشهدت العقود الاخيرة تطورا في موقعها السياسي. اذ بات يحقّ للمرأة التصويت في كلّ البلدان العربية باستثناء المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية. ووصلت مشاركة المرأة في البرلمانات معدل عشرة بالمئة، وهي نسبة قريبة من الدول الاوربية، وهناك وزيرة واحدة علي الاقل في معظم الحكومات العربية. كما يكرس التقرير للرائدات والمتميزات واللامعات في كل المجالات الادبية والعلمية والاقتصادية والبحوث فسحة تشير الي ان انجاز المرأة لن يقل عن انجاز الرجل في كافة مجالات الانتاج المعرفية والابداعية لو اتيحت لها الفرصة الملائمة والبيئة الطبيعية للنهوض والتنمية. ويدعو التقرير، علي وجه الخصوص، إلي اعتماد مبدأ الدعم التفضيلي المؤقت، أو التمييز الإيجابي، في كل مجتمع عربي حسب ظروفه الخاصة، لتوسيع نطاق مشاركة النساء في مختلف مجالات النشاط البشري، حتي تتفكك بُني التمييز التي دامت قرونا ضد النساء.