يقول عني من يقرأ لي بعض الكتابات –وهي قليلة وهم قليلون- أنني (مغرق) في التفاؤل، وهذه (تهمة) أتمنى لو استطعت أن أحتفظ بها في جو هو خليط من التشاؤم، والأعمال الاستفزازية التي تدعوك إلى التشاؤم، وتقمص روح سعد باشا زغلول، لتقول بكل أسف: (ما فيش فايده)! نحن على عتبات أيام يفترض بها أن تكون فاتحة خير على بلدنا الحبيب، وهي أيام مؤتمر الاستثمار المقام على أرضنا الحبيبة أواخر الشهر الحالي، وكنت أتمنى أن أكتب عنه ما يمكن أن يعتبره قصار النظر كتابة إيجابية، مادحاً حكمة هذا، وحنكة ذاك، ومبدياً الإعجاب الشديد لما تقوم به الحكومة من خطوات جبارة لإنجاح هذا المؤتمر المبشر بالخير. كان بالإمكان أن أكتب هذا بسهولة، فيعتبره الجميع كتابة إيجابية، يصفق لها من صفق، ويهلل لها من هلل، وكان بالإمكان أيضاً أن أكتب كتابة (سلبية)، فألبس (النظارة السوداء) جاعلاً المستحيلات أربعاً: الغول، والعنقاء، والخل الوفي، ونجاح مؤتمر الاستثمار!! إلا أنني لن أكتب هذا أو ذاك لن أكتب بسلبية ولا إيجابية، بل سأذكر أخواننا المسؤولين بالمثل الرائع: (صديقك من صدقك –بفتح الصاد والدال بدون تضعيف- لا من صدّقك –بتضعيف الدال-)، فأنا لا أريد أن (أزمر) لمؤتمر الاستثمار، ولا أن (أدمره)، بل أريد أن (أنبه) لبعض السلبيات الممكن إصلاحها بمكالمة تلفونية حتى نتأمل أن يكون القادم خيراً. سأروي لكم في ما يلي قصة خيالية خارج اليمن، إلا أنها واقعية داخل بلدنا الذي يصر على كسر حاجز المستحيل! فقد كان صديق لي في استقبال فريق (سويسري) جاء لإنتاج فيلم توعوي حول مشاكل المياه في اليمن بالتعاون مع الGTZ، وتفاجأ صديقي هذا بعد أن تجاوز الفريق مندوبي (الأمن القومي) و(الجمارك) –وقد تفاجأت بدوري تجاوزهما لهذين الحاجزين المرعبين بسهولة!!- تفاجأ صديقي ب(عرقلة) الفريق السويسري عند حاجز مندوب الإعلام المدعو (ع. القدسي) -لا تتفاجأوا فهناك أيضا مندوب وزارة الثقافة، ومندوب وزارة الصحة، ومندوب وزارة الزراعة!! فنحن أكثر الدول (مندبة) في العالم، ويا ندابة اندبي-، وكان عذر مندوب الإعلام أن الفريق لديه كاميرا فيديو يدوية –وكاميرا الفيديو لمن لا يعرفها هي (سلاح فتاك) لا يفتك إلا بضعاف النفوس و(يلي على راسهم بطحة)، والراغبين في إعادتنا إلى ما قبل ثورتي أكتوبر وسبتمبر- المهم، أن مندوب الوزارة أصر على (احتجاز) الكاميرا الشريرة، فما كان من مرافق الفريق إلا أن عرض لمندوب الوزارة رسالة رسمية مختومة من الGTZ موجهة إلى من يهمه الأمر، فاعترض مندوب الوزارة أن الرسالة لم تكن موجهة له، وأنا في هذه النقطة أتفق تماماً مع مندوب الوزارة، فعلى الجهات مثل الGTZ عند تحريرها رسائل رسمية من هذا النوع أن تقوم بطباعة نسختين، واحدة (إلى من يهمه الأمر) والثانية (إلى من لا يهمه الأمر) وهم كثر، والقائمون على وزارة الإعلام أولهم!! إنني أيها السادة لمستعد أن أمتنع عن الكتابة نهائياً لو استطاع هؤلاء (المندوبون) إقناعي بسبب واحد ومنطقي لمثل هذه التصرفات!! هل هم بهذا منعوا (شراً) من أن يدخل اليمن أم منعوا (خيراً)، فالفريق المذكور دخل إلى اليمن ليقدم لنا (خدمة) يشكرون علينا، بالتعاون مع جهة هي الGTZ التي دأبت على مساعدة اليمن بطرق شتى، وكان رد الجميل من (وزارة الإعلام) هو (بهدلة) فريقهم، ولا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أن نصحح الصورة البشعة عن (الإنسان اليمني) التي انطبعت في أذهان الفريق، فحتى لو كانت هذه (غلطة موظف) فالخطأ الأكبر هو على من وظف هذا الموظف، ولا بد من الإشارة إلى أن صديقي قد اتصل بمدير مكتب الإعلام بالمطار، ثم بمدير عام العلاقات العامة، بل حتى بوكيل الوزارة دون فائدة، ولكم أن تتخيلوا حجم الكارثة! إن ما يحدث في مطار صنعاء يصل بدون أدنى مبالغة إلى حد الجريمة وأنا هنا أضع اللوم على: 1- الصحفيين اليمنيين: فلو كنت صحفياً –وأنا مجرد كاتب صغير وفرق كبير بين الكاتب والصحفي- لذهبت إلى المطار وعدت بأخبار لا يمكن لأحد أن يتخيل مدى بشاعتها. 2- النواب اليمنيين: فلو كنت نائباً في البرلمان لاستطعت أن أسائل العديد من الجهات والوزراء الذين لهم مندوبون (جاثمون) على صدور القادمين إلى اليمن. 3- وزراء السياحة والاستثمار: فلو كنت سائحاً أو مستثمراً فإن (بوابتي) للقدوم إلى اليمن هي المطار، ويكفي أن يجلس أحد هؤلاء الوزراء في المطار ليعرف مدى ما يعانيه القادمون، وكانت لنا تجربة ناجحة مع وزير السياحة عند نشرنا خبر صناديق الشكاوى السياحية فتفاعل مع الموضوع وأصلح الخطأ فله منا جزيل الشكر والامتنان، وعليه نطلب منه أن يهتم بما (يعانيه) السائح من (غباء) مندوبي الأمن والوزارات المذكورة. 4- الصندوق العربي للإنماء: لأنه تبرع ب160 مليون دولار، لمشروع مطار صنعاء الدولي الجديد، وكان حرياً به أن يشترط (تطوير) عقلية الموظفين، قبل تطوير المطار.!! 5- رئيس الوزراء: لأنه المسؤول التنفيذي، بالإضافة إلى أنني لا أستطيع أن أقول أنني ألوم رئيس الجمهورية!! وقبل الختام فإنني أوجه دعوة عامة إلى المستثمرين والسياح، إياكم أن تأتوا إلى اليمن حاملين مواداً خطيرة، مثل الكاميرات (خاصة الديجتال منها)، أو كاميرات الفيديو (فهي رجس من عمل الشيطان)، أو السيديات، أو الفلاشات والذواكر الرقمية، أو .. أو ...، أو من الأفضل أن لا تأتوا أبداً، فبذلك يتحقق ما يريده (البعض)، والله من وراء القصد. وختاماً أوجه سؤالاً لرئيس الحكومة -ولا بأس إن وصل إلى مسامع رئيس الجمهورية-، فأقول: إن كانت –يا سيدي- حرب صعدة لم تمنع 300 شركة عربية ودولية –حتى الآن- من إعلان مشاركتهم في مؤتمر الاستثمار ألن يثنيهم ما يحدث في المطار عن ذلك؟! وبالتالي أيهما أخطر؟!!