أزعم أنه لولا تواجد السلاح في متناول أيدي المواطنين اليمنيين بهذا الشكل العبثي لكان الحوثي وجماعته مواطنين عاديين يعبرون عن آرائهم في إطار حزب سياسي أو عبر منظمة من منظمات المجتمع المدني أو بمظاهرات سلمية أو باعتصامات وإضرابات كل ذلك بأساليب حضارية خالية من العنف ، كما هو حال كل الدول الديمقراطية في العالم الخالية من السلاح . فإذا تساءلنا ما الذي يدفع الحوثي لاختلاق هذا التمرد في شمال الوطن الحبيب رغم هامش الحرية الواسع المتاح في اليمن شأنه شأن الكثير من الأحزاب التي فاقت في يوم من الأيام ما يملكه الحوثي من معتقدات وعداوات وتنظيمات ؟؟ الجواب ببساطه شديدة وبدون الدخول في خلفيات أيديولوجية معمقه ، الجواب هو السلاح .,!!! إن امتلاك أي جماعة مهما كانت مطالبها لهذا العدد من الأسلحة الثقيلة والمتوسطه والخفيفة وبهذا الشكل غير المعقول ( وهو ما جعل تسليم هذا السلاح احد أهم شروط العفو عن الحوثيين )، إضافة إلى تغذية فكرية من نوع معين تجعل هذه الجماعة تشعر بنوع من التميز والاقتدار، الأمر الذي يدفعها إلى مغامرات غير محسوبة النتائج وهذا كفيل بزعزعة استقرار أي دولة مهما كانت إمكانياتها الأمنية أو العسكرية أو التقنية. فإذا نظرنا إلى المقاومة العراقية ( مع اختلاف التشبيه بين الحوثي والمقاومة العراقية ) نجد أن ما جعلها رقما صعبا في المعادلة العراقية وتكبيدها للقوات الأمريكية أفدح الخسائر على مدى سنوات الاحتلال الأربع رغم كل المقومات التسليحية والتكنولوجية والمالية الأمريكية المتطورة في العراق هو -إلى جانب عدة معطيات -امتلاكها للسلاح المتوسط والثقيل الذي حصلت عليه من معسكرات الجيش العراقي الذي تم حله بقرار أرعن من الحاكم الأمريكي السابق للعراق بول بريمر، وإذا رأينا تجربة حزب الله في لبنان ( مع اختلاف الفارق في التشبيه أيضا مع الحوثي ) نرى أن ما ميز حزب الله عن الفرقاء اللبنانيين في مواجهة العدو الإسرائيلي بهذا الاقتدار هو امتلاك السلاح الثقيل خصوصا. ومع تباين هذه الأمثلة إلا أننا نجد أن السلاح هو السلاح والذي يختلف هو عقيدة من يمسك زناده وأسباب ومكان استخدامه بالإضافة إلى مشروعية هذا الاستخدام. إذا نظرنا إلى معظم الدول العربية نجد أنها عانت في فترة من الفترات نوعا من خروج بعض الجماعات عن سيطرة الدولة عند امتلاك هذه الجماعات للسلاح الخفيف فقط، لكن تلك الدول استطاعت التغلب على تلك الجماعات بتجفيف مصادر السلاح بالإضافة إلى معالجات سياسية وأمنية وفكرية أخرى، فالسعودية والكويت عانتا من الجماعات المرتبطة بالقاعدة ومصر عانت من تنظيمات الجهاد والتكفير وكذلك الجزائر والمغرب، سوريا شهدت احتجاجات مسلحة للاخوان المسلمين والأكراد أحيانا، كل تلك الدول استطاعت منع تكرار مثل هذه الحوادث لأنها سيطرت على الدافع الفعلي الذي يحرك في تلك الجماعات نوازع التمرد والمواجهة وهو السلاح، ولكن لو تصورنا للحظة أن تلك الجماعات امتلكت سلاحا ثقيلا كيف ستكون النتيجة ؟! . أن السلاح هو ما يدفع الإرهابي للتمرد ويدفع القاتل للقتل ويدفع المظلوم للثأر ويدفع السارق للسطو والاختطاف ويدفع الشخص العادي لارتكاب جريمة القتل لأتفه الأسباب. قرأت إحصائية أوردها العقيد أحمد هائل أحد كتاب الملحق الأمني لصحيفة الثورة مؤخرا عن تقارير الأجهزة الأمنية في بلادنا خلال الفترة من 10-17 ابريل 2007 م وهي فترة قصيرة لا تتعدى أسبوعا واحدا فوجد أن السلاح الخفيف الذي يعتبره معظم اليمنيين زينه كان السبب في قتل(25) شخصا في (17) جريمة قتل عمد وكان السبب في وقوع (79) جريمة شروع في القتل ألحقت الأذى ب (97) شخصا وسببا في حدوث (72) حالة إطلاق نار أصابت (30) شخصا بإصابات مختلفة، مع التذكير أن هذه الإحصائية في أسبوع فقط ما يعني أن حصيلة الشهور والسنين هي كارثة بكل المقاييس، وإذا كان السلاح الخفيف يعتبر كارثة على الأفراد فإن السلاح الثقيل يعتبر كارثة على الأوطان. وقرأت أيضا قبل عدة أسابيع مقالة للكاتب السعودي مشعل السديري في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان (( رصاصة واحدة في الرأس تكفي )) استنتج في المقال بحسبه إحصائية تقول أن في اليمن (60) مليون قطعة سلاح ؟؟ واعتبر أن لكل قطعة سلاح (1000) طلقة فإذا حسبنا مجموع الطلقات فهو (6) مليار طلقة موجودة في اليمن وهو نفس عدد سكان الكرة الأرضية ما يعني أن عدد الطلقات الموجودة في اليمن كافية لقتل سكان الأرض جميعا ؟؟ ورغم تحفظي على بعض المبالغات الواردة في المقال إلا أنها جديرة بالتأمل. تحية وألف تحية لوزارة الداخلية التي أصدرت توجيهات بإغلاق أسواق السلاح في بلادنا وجمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطه من المواطنين وتسليمها للجيش حيث مكانها الطبيعي وصولا إلى منع شراء السلاح الشخصي إلا بتصريح في ظل منع صارم للتجول بالسلاح بالتوازي مع تنظيم اصطحاب المرافقين المدججين بأنواع الأسلحة الذين يرافقون الشخصيات الرسمية والقبلية، والمهم هو صرامة التوجيه وسرعة تنفيذه، ولن أنسى نظرة الرعب التي شاهدتها في يوم من الأيام في عيون سياح أجانب كانوا يتناولون إحدى الوجبات في احد المطاعم عندما دخل إلى المطعم فتى يحمل بندقية أطول منه و كانت على ما اعتقد ومن خلال ردة فعلهم أنها المرة الأولى التي يرى فيها السياح تلك البندقية رأي العين. تأتي خطوة وزارة الداخلية في ظل صمت قاتل لمجلس النواب الذي تحتفظ أدراجه بقانون تنظيم حمل وحيازة السلاح لسنوات طويلة في وقت يجب أن يكون المجلس الموقر هو الاحرص على أرواح المواطنين وسلامة وجودهم. في الختام أرجو من الأخوة القراء الأعزاء أن يتخيلوا لو اختفى السلاح من حياتنا في اليمن واختفت مشاكله وأثاره وما يترتب عليه سواء كان هذا السلاح ثقيلا أو خفيفا، كيف ستكون حياتنا وكم ستكون نسبة الجرائم المتبقية والغير مرتبطة بالسلاح في المجتمع ؟؟؟ أعتقد أن الإجابة مشجعة جدا وأن اليمن يستحق منا ما هو أكثر بكثير.