في الثمانينيات وما قبلها كانت الدراما المصرية تصوّر المواطن المصري محروماً من اللحمة بكاريكاتير مضحك يبعث على الشفقة .. واليوم الذي يتناول فيه المصري كباب يعتبر عنده يوم عيد.. المشهد الكاريكاتوري كان يضحكنا لأن سُفرتنا أيام العز كانت عامرة ولا تخلو من اللحمة عندما كان الريال ريالاً، والراتب نصنع به معجزات، لكن انعكست الآية فأحرمنا الغلاء من نعمة اللحمة، وتبدل الحال المواطن المصري يأكل لحم الضأن والديك الرومي والكفيار .. اللحمة لم تعد شغلهم الشاغل أما نحن حتى السمك طعام الفقراء زمان محرومين منه بعد أن نسينا شكل اللحمة .. صحيح وكما قال المثل المصري: «من يضحك أخيراً يضحك كثيراً».. فمن يصدق إن السمك اليوم أغلى من اللحمة والوز أغلى من السمك والحبحب بألف ريال.. رعى الله عندما كنا نسمع صوت الميكرفون وهو يلعلع من السوق «وبعشرة ريال يا رعوي». ومثلما هو العدس غداء الفقراء في بلاد الشام.. ظل السمك طعاماً لغير ميسوري الحال.. ونحن «العدانية» تاريخنا حافل مع السمك، قضينا نصف عمرنا نأكل «رز وصانونة» وعندما وصل سعر الكيلو السمك إلى ألفي ريال ابتدعنا أكلة جديدة أسميناها «صانونة الهواء»- وبمعنى آخر فإن الراتب أكلنا هواءً.. لا يمكن لأحد أن ينكر أن استراتيجية الأجور قد حسّنت رواتب الموظفين.. إلا أنها بالمقابل أيضاً حسّنت الأسعار لصالح التجار وبشكل جنوني.. كل شيء نار والراتب يا دوب يأخذك لفة إلى سوق الخضار أو يسدد إيجار المنزل وفاتورتي الماء والكهرباء. لي صديق تاجر ومعلم بمدرسة في نفس الوقت.. عندما سألته عن ما تبقى له من راتبه الذي يستلمه مقابل الحفاظ على درجته الوظيفية، قال: «ثلاثون ألف ريال أبوها بالكاد تكفي قيمة توابع القات من ماء وسجارة ومشروب غازي» فدار في رأسي سؤال: كيف يعيش من ليس له دخل آخر وتوابع لقمة العيش التي لا يكفيها مرتب موظف ولو كان بدرجة وزير.