(نجاز) حركة أعلن عن تأسيسها نخبة من مثقفي المعارضة، وكل شغلها الشاغل، جمع التوقيعات وإلهاب المشاعر لمطالبة رئيس الجمهورية بعدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة. وتستحق (نجاز) والمعارضة بكل مثقفيها الوقوف أمامها طويلاً للنظر ما الذي تفكر به، ولصالح من؟! الخلاف ليس في بقاء علي عبدالله صالح في أعلى السلطة، أو ذهابه منها، بل في آلية استئصال الفساد من الجهاز الإداري للدولة، والفصل بين هذا الجهاز وقيادة الحزب الحاكم، ولجنته المركزية. وقد كان رئيس الجمهورية صادقاً في توجيهاته وإعلانه أن البرنامج السياسي للمؤتمر العام السابع سيكون برنامجاً للحكومة القادمة، وهو ذات البرنامج الذي أثنى عليه عدد من ألد المعارضين للسلطة. فلماذا تتحول الضغائن لدى النخب المعارضة إلى برامج؟! يذكر عبد الرحمن منيف في رواية (شرق المتوسط) نصيحة تقدم بها طبيب فرنسي إلى المواطن العربي (رجب) بأن يحول أحزانه إلى أحقاد ضد النظام القهري، الذي جعل من جسد "رجب" شيئاً مختلفاً تماماً. كان الطبيب يقدم تلك النصيحة بمرارة شديدة لأنه من الجيل الذي عانى من البطش النازي في فرنسا، فجاءت نصيحته ل"رجب" الذي بطشت بجسده أنظمة مرحلة الستينيات والسبعينيات، بسبب الغياب التام للتوأمين (الحرية والديمقراطية)، واليوم انتهت تلك الأنظمة، ومعها انتهت صلاحية نصيحة الطبيب الفرنسي، ولو كان اليوم بيننا لقال: إنه لا شيء أسوأ من تحويل الأحقاد إلى برامج سياسية لتصفية حسابات ليس بينها مصلحة للوطن. فالإتيان بالشيء ونقيضه،العمل و العمل المضاد، وتحويل جهدك ونضالك وتفكيرك وحشدك للطاقات والشهود والتوقيعات في سبيل تقويض فكرة الآخر، وليس في إنتاج فكرتك أنت، وإخراج مشروعك أنت، كل ذلك لا يعني غير مناكفة تافهة، الفكرة.. إن لم تتحول إلى مشروع ابتزاز سياسي ومادي.. ليكون الناتج في الأخير: تسخيف للعمل السياسي، وتسطيح لقضايا الناس الجوهرية. ما الذي يمنع في تبني قضايا أكثر جدية، وإخراج مشاريع خاصة تنم عن أحزاب أكثر وطنية، وأشخاص أكثر مصداقية في التعاطي مع قضايا الوطن، بدلاً عن المناكفات الرخيصة، والاجترار وراء الآخر (السلطة): هو يكتب شيئاً وأنت تتفرغ للرد عليه، هو يفتتح مشروعاً وأنت تبحث عن عيوب مشروعه، هو يقدم مقترحاً وأنت تغوص في أعماق نواياه بدوافع نوايا سيئة مسبقة لديك. فمن الخاسر؟! أولاً ودائماً الخاسر هو الوطن، بسبب أنه حُرم من رأيك وفكرتك ومشروعك الخاص، بينما نجح الآخر "السلطة" في اجترارك إلى مربعه أولاً، وتعطيلك عن التطوير الذاتي ثانياً، وحرمانك من مشروعك الخاص ثالثاً، وتفرغه لمشروعه بعيداً عن بلاهة رد الفعل المعارض، الذي لم يُبنَ إلا على المناكفة، والتحدي، والكتابة بالسيف، والتفكير بهدم فكرة الآخر، واستحضار تشنجاته عند الكتابة!! لا شيء يصيب أحزاب المعارضة بالتقزم أكثر من سؤالها عن مشروعها الخاص؟! وهل لديها مشروع في الأصل؟! وهل المشروع يحظى بدعم جميع الفرقاء المعارضين؟! وما مدى قناعة قواعد هذه الأحزاب بهذا المشروع؟! وأين موقع التنمية الشاملة منه؟! وعلى أي أساس سيتم النهوض بالتنمية؟ فالأفكار المقدمة من هذه الأحزاب ليست أكثر من أمنيات وطموحات، ولم تذكر آلية لتنفيذها؟! ما الجدوى من خداع الموظف العادي ووعده برفع راتبه إلى (60) ألفاً، دون أن أذكر له ما هي الآلية التي سأتبناها لرفع الراتب إلى هذا المستوى؟... هكذا تحدثت مبادرة المشترك. لقمة العيش ليست مادة قابلة للمزايدات السياسية، فهناك فرق بين قيادة أحزاب تبحث عن رفع ميزانيتها السنوية، وأخرى تبحث عن استرجاع مقراتها، وثالثة تبحث عن تعويض لشركات أفرادها التي خسرت بسبب قلة الخبرة، وبين المواطن العادي الذي يبحث عن لقمة العيش وثمن ملابس تستر عورات من يعول!! فباسم من يتحدثون؟!! [email protected]