موظفة في المواصفات والمقاييس توجه مناشدة لحمايتها من المضايقات على ذمة مناهضتها للفساد    تعز .. ضغوط لرفع إضراب القضاة وعدم محاسبة العسكر    السامعي من صنعاء    بسبب خلافات على الجبايات.. قيادي حوثي يقتحم صندوق النظافة في إب    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    عدن.. البنك المركزي يوقف ترخيص منشأة صرافة ويغلق مقرها    إبليس العليمي يشعل الفتنة بين الحضارم.. انفجار سياسي قادم    مشروع "المستشفى التعليمي لكلية طب عدن".. بين طموح الإنجاز ومحاولات الإفشال    انتقالي الضالع ينظم محاضرات توعوية لطلاب المخيم الصيفي بالمحافظة    سياسيون يطلقون وسم #ارتياح_جنوبي_للتحسن_الاقتصادي    فريق من مجلس المستشارين يطّلع على عمل مركز الطوارئ التوليدية وعدد من المراكز الصحية بأبين    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تدعو لتشديد الرقابة على الأسواق    تقرير خاص : عودة الرئيس الزُبيدي إلى عدن تُحرّك المياه الراكدة: حراك سياسي واقتصادي لافت    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    التعليم العالي تعلن بدء تحويل مستحقات الطلاب المبتعثين في الخارج    في آخر أعماله القذرة.. معين عبدالملك يطلب من الهند حصر بيع القمح لهائل سعيد    همج العساكر يعربدون.. هل بقي شيء من عدن لم يُمسّ، لم يُسرق، لم يُدنس؟    حركة أمل: الحكومة اللبنانية تخالف بيانها الوزاري وجلسة الغد فرصة للتصحيح    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    محافظ العاصمة عدن يتفقد ميناء الحاويات ويوجّه بالحفاظ عليه كمرفق سيادي واستراتيجي    وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية في الجميمة بحجة    خطوة في طريق التعافي الاقتصادي    ضمت 85 مشاركة.. دائرة المرأة في الإصلاح تختتم دورة "التفكير الاستراتيجي"    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    غزة: 20 شهيداً إثر انقلاب شاحنة محملة بالغذاء تعرضت لقصف صهيوني    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    زيدان يقترب من العودة للتدريب    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    اعتراف صهيوني: اليمن بدّد هيبة أمريكا في البحر    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    لا تليق بها الفاصلة    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    أياكس الهولندي يتعاقد مع المغربي عبدالله وزان حتى 2028    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الإسلام دين الإرهاب أم دين السلام!
نشر في نشوان نيوز يوم 27 - 09 - 2011

الإسلام دين السلام والمحبة والحرية والعدالة والوحدة لا دين الإرهاب والصراع وسفك الدماء فلا إكراه في الإسلام ولا ظلم ولا طغيان بل حفظ لمعتقدات الآخرين ولنفوسهم وأموالهم وأعراضهم وأراضيهم.

لكن ثقافة عصور الإنحطاط قد أصابت العقلية الإسلامية بأزمة منهجية، وكان أحد تجليات هذه الأزمة هو إظهار مفهوم القتال في الإسلام وكأنه وسيلة من وسائل الدعوة وأداة من أدوات تغيير معتقدات الآخرين وأفكارهم ومبادئهم، وقد شاع هذا المفهوم في تراثنا الفقهي حتى تم تقسيم المجتمعات إلى دار سلام (دار الإسلام) ودار حرب (ديار الكفر)، ولأهمية هذا الموضوع وخطورته سأتناول مفهوم القتال في الإسلام من عدة زوايا كالتالي:
أولاً: الأزمة المنهجية والمعرفية:
قبل أن أشرع في المناقشة الموضوعية للأدلة الشرعية لا بد إبتداء من الإتفاق على المنهجية الصحيحة للفهم والإستدلال لأن الأزمة المعرفية التي تعاني منها العقلية الإسلامية اليوم هي أزمة منهجية تولّد عنها أزمة معرفية تولّد عنها أزمة تصورية، وهذه الصدوع التي تعرضت لها العقلية الإسلامية هي نتاج الهجمة التأويلية والمعرفية المجوسية واليهودية الذين عندما عجزوا عن مواجهة الإسلام سياسياً وعسكرياً إثر سقوط الإمبراطورية الفارسية رفعوا شعار: (عجزنا عن مقاتلتهم على التنزيل فسنقاتلهم على التأويل) وإلى هذا المعنى أشار القرآن بقوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ).
تولد عن هذه الهجمة الشرسة ما يمكن تسميته بالعقلية النصية الجزئية لا الكلية ونقصد بهذه العقلية: العقلية البسيطة غير القادرة على الفهم التحليلي الإستنباطي التركيبي العقلية التي تستخدم ملكة الحفظ أكثر من ملكة الفهم ولذلك نجدها تتعامل مع النصوص الشرعية بطريقة مجزأة كنصوص وليس كمواضيع، في حين أن المنهجية الصحيحة لفهم القرآن والسنة هي البحث فيهما كمواضيع وليس كنصوص مجزأة بجمع كل نصوص الموضوع الواحد في وحدة موضوعية واحدة مع التمييز بين مراتب الأدلة موضوع الإستدلال إحكاماً وتشابهاً يقيناً وظناً قوة وضعفاً أصولاً وفروعاً كليات وجزئيات سنداً ومتناً عاماً وخاصاً مجملاً ومقيداً.
وحتى نصل إلى هذه المعالم المنهجية لا بد من الإتفاق على هذه القواعد المنهجية للفهم والإستدلال على النحو التالي:-
1- لفهم نصوص الوحي فهماً لا يخل بوحدتها الموضوعية لا بد من الربط بين مقاصد الشريعة وكلياتها وجزئياتها ربطاً يؤدي إلى تساوق وتوافق هذه المحاور وتولد بعضها عن بعض لا فهماً يضرب بعضها ببعض (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)النساء82.
2- وللوصول إلى هذا الفهم الذي يربط بين المقاصد والكليات والجزئيات ربطاً متوافقاً غير متخالف لا بد أن تكون المقاصد العامة للإسلام واضحة أمام العالِم وهي: الحرية (إجتناب الطاغوت بالمصطلح القرآني) – المساواة – العدالة – الوحدة – السلام – الإصلاح وعدم الفساد. (هناك كتاب لي تحت الطبع تحت عنوان المقاصد العامة للإسلام رؤية تأصيلية تجديدية قرآنية) .
3- بعد تحديد المقاصد العامة للإسلام يتم البحث في أصول وكليات المعاني القرآنية (المحكمات) قبل الفرعيات والجزئيات (المتشابه) وحتى نصل إلى هذا الفهم لا بد من البحث في نصوص الوحي كموضوعات وليس كنصوص مجزأة فأبحث على سبيل المثال موضوع القتال في الإسلام كموضوع كلي.
وفي هذا السياق يتم جمع كافة النصوص الواردة في القرآن والسنة المتعلقة بالموضوع ثم فهمها فهماً متوافقاً كوحدة موضوعية واحدة يفسر بعضها بعضاً لا فهماً متضارباً متعارضاً بين نصوص الموضوع الواحد.
4- بعد جمع أدلة الموضوع الواحد يجب التفريق بين أصول معاني الموضوع (المحكمات) وفروعه (المتشابهات) لأن لكل علم وموضوع قواعد وأصول وجزئيات وفروع ولا يمكن الوصول إلى الفهم المحكم لأدلة الموضوع الواحد إلا إذا تم تحديد أصول الموضوع أولاً ثم تركيب فروع الموضوع على أصوله لأن منشأ التشابه يأتي من الإستشهاد بالأدلة الفرعية قبل أصولها.
5- بعد البحث الكلي عن موضوع معين في القرآن والفراغ من تحديد أصوله وفروعه أقوم بعرض هذا الموضوع الكلي على المقاصد العامة للتأكد من عدم فهم هذا الموضوع بما يعارض المقاصد العامة.
6- لا بد من التفريق بين نصوص الوحي كتاباً وسنة من حيث حجيتها وبين فهوم العلماء لها، فالقداسة إنما هي ثابتة للوحي المعصوم قرآناً معصوماً وسنة معصومة بالقرآن، أما فهوم العلماء فهي عرضة للخطأ في الفهم بحكم بشريتهم وعرضة للتأثر والتأطر بخصوصية الواقع الظرفي زماناً ومكاناً وبالتالي فلا يمكن سحب قداسة الوحي على فهومهم، ولا تبرز حجيتها إلا بإسناد فهمهم بدليل من الكتاب والسنة لقوله تعالى (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )الأعراف3، وقوله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ)القصص50.
7- في إطار نصوص الوحي لابد من التفريق بين ما هو نص قرآني ونص لحديث نبوي فالقرآن مقدم في الإعتبار على السنة النبوية سنداً ومتناً لأن القرآن قطعي يقيني والسنة النبوية الصحيحة الأحادية باستثناء المتواترة ظنية كما قرر ذلك علماء الحديث والفقه.
8- ونصوص السنة الأحادية الصحيحة السند متفق على العمل بها ما لم تصادم وتخالف وتناقض نصوص القرآن ومقاصد الشريعة، وعند حدوث التعارض بين نصوص القرآن ونصوص السنة يتم العمل بالمبدأ الأصولي المعروف (مبدأ التعارض والترجيح) أي العمل بقاعدة الموازنة بين الأدلة والترجيح أي نسعى للتوفيق بين نص الحديث ونص القرآن ولو أدى الأمر كما يقول علماء الأصول إلى الأخذ بالمفهوم المرجوح وترك المفهوم الراجح للحديث النبوي ليوافق النص القرآني فإن إستحالت عملية الترجيح تم رد الحديث المعارض للقرآن كما قرر ذلك علماء الأصول على رأسهم الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات وكيف أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ردت حديث رسول الله (ص) الصحيح السند الضعيف المتن (إن الميت ليعذب ببكاء أهله) لتعارضه مع قوله تعالى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وكما قرر ذلك علماء الحديث على رأسهم الإمام البخاري حيث أورد في صحيحة أن عائشة ردت هذا الحديث لتعارضه مع القرآن بالرواية التالية (فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ(هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى))(5)(33).
كما أنه من المعلوم أن الإمام مالك رضي الله عنه الفقيه والمحدث المعروف صاحب كتاب الموطأ كان يقدم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد فضلاً عن تقديم المعنى القرآني على الحديث النبوي الآحادي إذا تعارض معه وإلى هذا المعنى أشار إبن تيمية بقوله: (وَلَا تُعَارَضُ السُّنَّةُ بِإِجْمَاعِ وَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ الْآثَارِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالطَّالِبُ قَدْ لَا يَجِدُ مَطْلُوبَهُ فِي السُّنَّةِ مَعَ أَنَّهُ فِيهَا وَكَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَيَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَجِدْهُ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَطْلُبَهُ فِي السُّنَّةِ وَإِذَا كَانَ فِي السُّنَّةِ لَمْ يَكُنْ مَا فِي السُّنَّةِ مُعَارِضًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ الصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً) مجموع الفتواى (4)(208).
ثانياً: الإسلام نهى عن القتال إبتداءاً واعتداءاً وأمر به لرد الإعتداء:-
يقول تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )البقرة216، فهذه الآية قد أوضحت بدلالة صريحة أن القتال قد كتب على المسلمين وأن القتال أمر مكروه غير محبب للنفس البشرية لكن الله يوضح لنا أنه في ظروف معينة يكون القتال خير (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) وكون الإسلام قد كتب على المسلمين القتال فلا يعني هذا تسويغ القتال في الإسلام بشكل مطلق بما يبيح للمسلمين الإعتداء على الآخرين في حرية معتقداتهم وأنفسهم وأموالهم بل كتب الله القتال على المسلمين من باب الدفاع عن النفس ورد الإعتداء لقوله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )البقرة190، فصريح هذه الآية قد أكد فلسفة القتال في الإسلام بالنهي عن الإعتداء إبتداء (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)، وشرعية القتال لمن قاتلنا إبتداءً واعتدى علينا (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ).
ويتعزز هذا الفهم بقوله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )البقرة194.
وإباحة القتال بهذه الصورة يأتي في إطار حق المقاومة والدفاع عن النفس، وهذا الحق يصون حرية الإنسان وكرامته لأنه يشكل قوة ردع تمنع المعتدي عن الإعتداء ومن هنا تأتي خيرية القتال المقصودة في قوله تعالى (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).
كما أن رد الإعتداء على المعتدي هو خير ضمان لإشاعة السلام والأمن في المجتمعات والدول لمنع شيوع الجريمة في المجتمع بردع الظالم عن ظلمه وعلى هذا الأساس تقوم فلسفة العقوبه في الأديان السماوية وفي الإسلام، في حين أن العقوبة إذا لم يتوافر فيها عنصر الردع للجريمة تؤدي إلى شيوع الجريمة، نلحظ ذلك في بعض المجتمعات الغربية التي منعت عقوبة القتل للقاتل بحجة أن قتل القاتل عقوبة بشعة واكتفوا بعقوبة السجن المؤبد، حيث نجد نسبة إرتفاع الجريمة في تلك المجتمعات بشكل ملحوظ ، وخير رد على مثل هؤلاء هو أن المعيار هو قياس عنصر المصلحة والمفسدة على المجموع ، فكما أن الفرد إذا فسد عضو من أعضائه كالإصابة بالسرطان مثلاً فتقتضي مصلحة الجسد بشكل عام بتر هذا العضو عن الجسد حتى لا يدب الفساد في الجسد كله ولو كان هذا الإجراء قاسياً ، وكذلك الجريمة في المجتمع إن لم يكن لها عقوبة رادعة سرعان ما تشيع وتفسد المجتمع بأكمله وهذا هو معنى قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )البقرة179، أي أن القصاص ورد الإعتداء بمثله يشكل عامل ردع للجريمة تؤدي إلى السلام وحفظ الأمن على مستوى المجتمع بشكل عام ، أما ترك القتلة والمجرمين دون رادع وعقوبة مناسبة فمن شأنه تشجيع هؤلاء على المزيد من القتل ولذلك قال البعض (القتل أنفى للقتل).
ثالثاً: تحريم الإسلام قتل النفس البشرية:-
بقوله تعالى في آية من أعظم آيات القرآن (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ )المائدة32.
فهذه الآية العظيمة تبين بجلاء مدى كراهية الإسلام لسفك الدم ومدى المكانة العظيمة للنفس البشرية في ديننا الإسلامي العظيم حيث إعتبر قتل النفس البشرية بمثابة قتل الناس جميعاً وإحياء النفس البشرية من خطر يتهددها بالقتل بأنه إحياء للناس جميعاً فهل هناك مكانة للنفس البشرية تفوق هذه المكانة ، وأن أي مسلم واع يقرأ هذه الآية يتردد ألف مرة في سفك دم أي إنسان إن كان له سمع وبصر وفؤاد ، والملاحظ في هذه الآية الكريمة أنها عممت (مَن قَتَلَ نَفْساً) ولم تقل نفس مؤمن وهذا دليل على حرمة قتل النفس البشرية بشكل عام أياً كان المعتقد أو الدين.
وقد يقول قائل بأن هذه الآية وردت في سياق بني إسرائيل (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)، والجواب هو أن أصول الشرائع السماوية التي تطلق عليها الكتب السماوية الوصايا العشر هي واحدة وثابتة والسر في ذلك أن قوانين وسنن التشريع تأتي مطابقة وموافقة لسنن وقوانين الفطرة الإنسانية، وسنن وقوانين الفطرة ثابتة لا تتبدل، فكانت الشرائع ثابتة من ثباتها، يفهم ذلك من قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )الروم30.
فهذه الآية طلبت منا بأن نقيم وجوهنا للدين ولسننه وقوانينه الهادية الآمرة ثم عللت ذلك بموافقة هذه الشرائع لسنن الفطرة (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) ثم أكدت أن قوانين وسنن الفطرة لا تتبدل (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)، وبهذا يتضح لنا أن الشرائع السماوية عبر التاريخ الثابتة في مضمونها هي المنهج العلمي الناظم للحياة الإنسانية وسر هذه المنهجية العلمية هو موافقة سنن التشريع لسنن الخلق والفطرة.
ويتعزز هذا الفهم بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن بأن أصول الشرائع السماوية (الوصايا) ثابتة عبر التاريخ بقوله تعالى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ )الشورى13، فصريح هذه الآية أكد بدلالة قطعية محكمة ثبات أصول الشرائع (الوصايا) (ما وصى به نوحاً) إبتداءً من نوح عليه السلام وإنتهاءً بمحمد (ص) ومروراً بإبراهيم وموسى وعيسى.
ويتعزز هذا الفهم بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن بالآيات التي وردت في سورة الأنعام متضمنة للوصايا العشر ولأصول الشرائع السماوية في قوله تعالى (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)).
فهذه الوصايا العشر التي تمثل أصول التشريع منذ بدء الخليقة وهي نفسها الواردة في التوراة والإنجيل وقد أطلق عليها القرآن هذه الصفة (الوصايا) في عدة مواضع (مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وفي سياق هذه الوصايا نجد الشاهد على حديثنا وهو قوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) فهذا النص حرّم قتل النفس البشرية عموماً وفي سياق عام للمسلمين وغيرهم ويتعزز هذا الفهم بمنهجية تفسير النص بالنص بقوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً )الإسراء33.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.