- الاتحاد الرياضي للشركات في صنعاء يقر برنامج أنشطته للفترة القادمة    انتشال جثة شاب مات غرقا بسد التشليل في ذمار    - ظاهرة غير مسبوقة: حجاج يمنيون يُثيرون استياء جيرانهم والمجتمع.. ما السبب؟*    بنك الكريمي يوضح حول قرار مركزي صنعاء بايقاف التعامل معه    - وزير خارجية صنعاء يلتقي بمسؤول أممي ويطالبه بالاعتراف بحكومة صنعاء \r\n*الأوراق* تنشر عددًا من الأسباب التي    إيران: ارتفاع عدد الشهداء الرياضيين جراء العدوان الصهيوني إلى 32    حزب الله يدين العدوان الأمريكي على إيران    ذمار.. المداني والبخيتي يدشّنان حصاد القمح في مزرعة الأسرة    الأساليب التي يتبعها الإحتلال في حرب الخدمات وهبوط سعر العملة المحلية    وكلاء الغاز في تعز ينفذون مسيرة شاحنات تنديدا باحتجاز مقطوراتهم بلحج    إعادة فتح طريق عقبة ثرة يثير خلافات بين قيادات عسكرية وامنية بأبين    مخاوف أمريكية كبيرة من الانتقام الإيراني    ارتفاع ملحوظ في الكميات المطرية وتوقعات باستمرار الهطول على 10 محافظات    51 شهيدا في غزة بينهم 7 من منتظري المساعدات خلال 24 ساعة    الجيش الإسرائيلي يعلن استعادة ثلاثة جثامين لمختطفين إسرائيليين من غزة    بعد حكمهم لسوريا.. الإرهابيين يفجرون كنسية مار الياس بدمشق    تحت غطاء الحريات.. حلف الهضبة في مواجهة القانون وغضب الرأي العام    اجتماع يناقش أوضاع مشاريع المياه والصرف الصحي في البيضاء    ريال أوفييدو يعود إلى «لاليغا» بعد 24 عاماً    الرئيس الزُبيدي يبحث مع سفيرة بريطانيا ومسؤولي البنك الدولي آخر المستجدات السياسية وأزمة الكهرباء    كهرباء ساحل حضرموت: 200 ميجاوات حجم العجز بتوليد التيار    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الدكتور الأفندي بوفاة شقيقه    "عدن التي أحببتُها" بلا نازحين.!    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    كشف أثري جديد بمصر    إشهار الإطار المرجعي والمهام الإعلامية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    فئة من الأشخاص عليها تجنب الفراولة    الحديدة و سحرة فرعون    الكثيري يدعو البيئة لتعزيز التنسيق مع المنظمات الدولية    الدولار في عدن 3000    خبراء :المشروبات الساخنة تعمل على تبريد الجسم في الحر الشديد    أيش ذا يا عم علي.. ليش ذا؟    حادث مفجع يفسد احتفالات المولودية بلقب الدوري الجزائري    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (3)    أول موجة إيرانية بعد العدوان الأمريكي    العليمي وبن بريك والمعبقي يصادرون موارد الصناديق الإيرادية الجنوبية    أثار نزاعا قانونيّا.. ما سبب إطلاق لقب «محاربو السوكا» على ترينيداد؟    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    فلومينينسي ينهي رحلة أولسان المونديالية    السلبية تسيطر على ريفر بليت ومونتيري    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    هاني الصيادي ... الغائب الحاضر بين الواقع والظنون    روايات الاعلام الايراني والغربي للقصف الأمريكي للمنشآت النووية الايرانية وما جرى قبل الهجوم    استعدادات مكثفة لعام دراسي جديد في ظل قساوة الظروف    بتواطؤ حوثي.. مسلحون يحرقون منزلاً في محافظة إب بعد نهبه    الدفاعات الإيرانية تدمر 12 طائرة مسيرة صهيونية في همدان    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فُوكوياما .. وتهافُت البلاطجة!
نشر في نشوان نيوز يوم 11 - 02 - 2012

1 السِّياسةُ لفظٌ عام . يبدأُ تعريفها بالمعنى الواسع الإنساني مِن تفاصيلِ إقامةِ دولةٍ ، وإدارتها ؛ وينتهي في ترتيبِ كتبك في مكتبةِ بيتك ، أوِ التقاطِ صورةٍ عائليةٍ في صُبْحِ يومٍ جميلٍ ، أو مناسبةٍ سعيدة ؛ أو إماطةِ الأذى عنِ الطَّريق ، أو كتابة قصيدةٍ ، أو قراءةِ سورةٍ من القرءآن أو حديثٍ مأثورٍ عنِ النبي !.. وهيَ القيامُ على الأمرِ بما يُصلحه .

ولا تقومُ السياسةُ ويصلحُ أمرها إلا بالعدل ، فما هو العدلُ ؟ .. فقولٌ على بدءٍ يختصمُ القومُ ويتجادلُ الناسُ حول تعريفه . وأرى البساطةَ في التناول - مجتهداً - أنَّ العدلَ هو الإحساسُ بالألمِ والمعاناةِ ، أو الإحساس بالرَّاحةِ والسَّعادة ، التي تعطي في النهايةِ للمرءِ دفقَ مُقاربةِ الحق ، الذي تتزنُ عندهُ الأمورُ والأشياء . ونحنُ حينَ نُقَيِّمُ الأشياءَ في حياتنا ، بين الحقِّ والباطلِ فهو في تفكير نسبي نؤولهُ بما يوافقُ ما نريد . ولا يتحققُ العدلُ والحقُّ ، إلا إذا رأينا نفسَ ذلكما الحقَّ والعدلَ الذي تظنناهُ لأنفسنا ، أنْ نَتَظَنَّنَهُ للآخرين ؛ وإلا فلتَ الحقُّ ، وفشلَ العدل .
2
... رُبَّما كان فرانسيس فُوكوياما - Francis Fukuyama - آخرُ فلاسفةِ التاريخ ، حيث يقفُ بتفرُّدٍ يستحقه . وفي نظريته التي طرحها في كتابه ( نهاية التاريخ ) - The End of History - والذي طُبعَ في 1989 قُبيلَ سقوطِ جدار برلين ؛ كانَ فيهِ قد أسَّسَ لنظريةٍ كاملة الزوايا والأركان في كيفيةِ التفكير المستقيمِ ، والتفسير السياسي السَّوي حولَ النظام العالمي الجديد ، الذي تشكَّلَ ونحنُ في غفلةٍ منه ، وكلبنا باسطٌ ذراعيه بالوصيد ؛ حين تساقطَ الوجهُ القديم للعالم ، ونحن ما زلنا مُسَروَلين به . حينَ سقطتْ أيدولوچيات ، وبقيتْ أيدولوچيات . ساعتئذٍ ؛ إنتصرتِ الحرياتُ والديمقراطيات التي إكتسحت العالم . وليس آخرها ثورات الربيع العربي !
ومرَّتِ السنوات سماناً عليهم ، وعجافاً علينا .
وما زلنا نعيش في عالمٍ فيه الديمقراطية ، والإزدهار ، والقانون ، والنظام يتوزع بغير تكافؤ .. حين يُصِرُّ السؤآلُ : لماذا عدم التكافؤ ؟!.. في كتابه الآخر ( جذور النظام السياسي ) - The origins of Political Order -يرى فُوكُويامَا أن الإجابةَ ليست في فلسفةِ الأشياء التي كانت محور جدلِ نظريته في ( نهاية التاريخ ) - وهو محورُ ما أريدُ أن أنقلَ مقتطفاتٍ منه - .. بلْ تكمنُ إجابة السؤآل في بساطة قرآءة التاريخ .
.. ومن خلالِ مروره على التاريخ ، إبتداءً من القرنِ الثالثِ قبلَ الميلاد مُعَرِّجَاً بمجادلاتِهِ ، ومُعَرِّضاً نقاشاته في حضاراته ، مستعرضاً إياها ، ليصلَ بنا إلى عصرنا هذا ، واضعاً يديه على خريطةِ العالمِ كلها ، من خلالِ مجادلاتٍ ، ونقاشاتٍ ، وافتراضاتٍ منطقية يصل في نظريته إلى ما أطلقَ عليه ' الدَّنَمْرَكَة ' The Denmarkness - أو ' الدَّمْرَكَة ' إنْ شئتَ قُلْ - والتي تعني ببساطة الوصولَ إلى فكرةِ الدنمارك ، كفكرةٍ تضعُ الإنسانَ النصبَ الأول التي تسعى الدُّوَلُ على تباينِ عملياتها السياسية لأحترامه ؛ من خلالِ خلقِ مجتمعٍ بواسطة ديناميكية ثلاثية الأضلاع هدفها خلَّاقٍ ، مُبدعٍ ، مستقرٍ ، مُسالمٍ ، مزدهرٍ ، صادقٍ ، شفافٍ ، صريحٍ ونزيه . تلك هي فكرةُ ( الدَّنَمْرَكَةِ ) لديه ؛ قبلَ أنْ يأتِ أحدٌ فيرميني في جهنم !
.. ولكن إسمعْ كيف يعاملُ فوكوياما هذه المُحَاوَرَةَ النظريةَ كقضيةٍ محوريةٍ ، ومنطقية للوصول بالمجتمع إلى ذلك التصور . والدِّيناميكية التي يراها فُوكُويامَا هي :
- هَيبَة الدولة .
- سيادة القانون . Rule of Law
- الحكومة المسؤولة . Accountable Government
3
والوُقوفُ على شُُرُفات العشرِ الأخيرةِ مِن حياةِ الرئيسِ ، وشرعيتهِ الدستوريةِ التي صَجَّجَنا بها وهو ما زالَ يبحثُ عن 'أمينة'.. هو وقوفٌ على المجهول .. وإنَّ في ذلكَ الوقوف موعظةً لذوي الألبابِ .
فمهْمَا فعلنا ، وأينما اتجهنا نحوَ اليومِ الموعود ؛ فإنَّ الأزماتِ فيه رقود . إنْ مشينا نحوها .. أزمة ؛ وإنْ توقفنا .. فهي أزمة !
.. إنَّ القارئَ للمشهدِ يدركُ وقاحةَ النتيجة ؛ فيمسك على رأسهِ خيفةً مِن ثعابينِ الثعبانِ الأكبر ، ورعباً مِن تهافتِ البلاطجةِ والشانيءِ الأبتر ، وأملاً تقفُ عليهِ فوهاتِ المدافِع .
المشهدُ غيرُ واضحةٍ ملامحه ! وفيه زيفٌ كبيرٌ يبعثُ في المراقبِ للمشهد قلقاً يجلده من كل ناحيةٍ حتى يتقيأُ يمناً مرتعشاً !
4
غيرُ شفَّاف .. وترتبكُ الأبصار في رؤيته .
تختلطُ فيهِ متناقضاتُ السَّاسَةِ بمبادرتهم ؛ والثُّوَّارُ بآمالهم ؛ والقبيلةُ بشقائها وثاراتها ؛ والعَسكرُ بجهلها وأَبْلَسَتها تشحنُ بنادقها خلفَ متاريسها بحثاً عن هدف شُرِّعَ لها استهدافه .. إنساناً ، أو شجرةً ، أو بقرةً ، أو بيتاً ؛ ودمُ المقتولِ يقفُ على عتباتِ العتابِ في شفةِ أُمٍّ ثكلتْ ، أو زوجةٍ تأرملتْ ، أو يتيمٍ زهقتْ في مقلتيهِ زهرةٌ ، وقضى براحتيهِ صباح ؛ وسكينُ القاتلِ ما زالتْ عابثةً ، غير آبِهَةٍ بوطنٍ يموتُ لمْ يبقَ فيه رمقٌ ، وناسُ الوطنِ يمدُّون أيديهم لوطنٍ يُلاطُ بهِ أمامَ شُهُودٍ جُنُبٍ ، غير مكترثين بالمشهدِ الحزينِ المؤلم لوطنٍ ينهارُ ، وتاريخٍ يسقط ، وأمَّةٍ تغرَّبتْ في أرضها شعوباً وقبائل لتقاتلوا بسيوفٍ عاجزةٍ مِنْ خشبٍ أو قشٍٍّ وطِينٍ ، على خيولٍ مِن وَرقٍ وكُدَمٍ وعجين ، ولا تفهمُ لأحدهم - مِن أحدهم - لُغَةً مِنْ حروفٍ ولفظٍ ورطين !
5
... ويظلُّ الإشكال - عند فُوكُويَامَا - مع ذلك ؛ أنَّ تلك الثلاثيةَ تبقى معقدةً ، وليس من السهل استيجادها في الواقع كموضوع ، وإنْ كان إستجرابها في الواقع سهلاً ، وغير ممتنعٍ ، وذلك لحاجة المجتمع لها كضرورةٍ تتيحُ لها الإستمرار .
فبينَ القبيلةِ القديمة ، والقبيلةِ الجديدة ، يقفُ التاريخُ ، ويقفُ الحل . أسطورةٌ غريبةٌ ، والبطلُ ما زال خارج الأسطول . إنَّ التاريخَ لا تدورُ حكاياه حول البطل ، أو قصة النصر؛ وإنما التاريخ هو حكايةُ نضالٍ مستمر ، وقصةُ كفاحٍ خالدٍ ، يدورُ كله حولَ سؤآلٍ واحد : " مَنْ نحنُ وماذا نريد " ؟!
وسياقاً على ذلك ؛ فإننا نرى كيفَ أنَّ ثوراتِ الربيعِ على نجاحها ، ووصولِ الديكتاتورُ إلى قتلهِ ، أو إلى سجنهِ ، أو إلى منفاه ، أو للتجميل ، ووصولِ أسهمِ الأحذيةِ في بورصةِ وجوهِ الرؤساء إلى مستوىً تاريخي مثير، لم تتحقق في اللحظة التالية على سقوطِ الصَّنمِ - طفرةً - المجتمعَ المدني الذي تنشدهُ ، والذي تسودهُ تلك العناصر المذكورة آنفاً ، لانتفاءِ وجودِ الميكانيكية الثلاثية المنتجة لتلك العناصر.
ويرى فرانسيس فوكوياما - Francis Fukuyama - عندَ قراءته لنهايةِ التاريخ ؛ أنَّ النُّخَبَ السياسيةَ خارجَ منظومةِ الغرب ، وخارجَ مصفوفاتِ دوائرِ الديمقراطيات العريقةِ فيه ، إذا أرادوا قيادةَ شعوبهم في إشراقٍ جلي ، وريادةَ اللحظة التاريخية بصدق ؛ فإنَّ عليهم السير باتجاهِ فكرةِ " الدَّنَمْرَكَة " - The Denmarkness - أي باتجاهِ الدولةِ الحديثةِ بإِنَاطةٍ العقلِ لا وساطَة النقل - لا الإتجاه إلى الأَيْرَنَة Iranness . وأنَّ عليهم أنْ يفهموا ، ويعوا ، ويستفيدوا من تجاربهم الذاتية ، المخبوءة في الماضي وفي تاريخهم الجميل ، واكتشافها باستقامةٍ ، وبدونِ تعسفٍ في تفسير التاريخ لمصالحهم في استمرار النظرية التآمرية ، والنظرية التبريرية ، ونظرية ( الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني ، والسيفُ والرمحُ لا القرطاسَ أو قلمُ ) ، ونظرية الأجداد المتفوقين - لإحفادٍ مُوَسِّحين ثغتْ حناجرهم من نداء الماضي المكَبَّل ، من خلال فهْمِ التاريخ وتصحيحه ، واستلهامِ المنظومة الحقيقة - في تاريخهم وتاريخ البشرية - لميكانيكية المصفوفات المكونة للعملية السياسية ، المحركة لذلك التاريخ Political Order ، التي عملتْ في السابق .
وهو يطرحُ جدالاً argument أنيقاً حول القضية السياسية الكامنة في توريث الحكم ، ودورانه ضمن الأسرة ، في مقاربةٍ لطيفةٍ أطلقَ عليها : (Depatrimonialization 'which simply means taking out kinship off politics ) '- أي إستبعاد فكرةِ التوريث في الحكم والعملية السياسية السياسية برُمَّتها . بل ويجادلُ بقوةٍ حولَ فرضيةِ أنَّ ال departrimonialization - أسقاطُ وهمِ التوريثِ والتبادلِ الأسري للمناصبِ في الدولةِ الجديدةِ - يعتبرُ الحجرُ الأساسُ والحجرُ الأولى في بناءِ المجتمعِ الحقِّ والفاضلِ ، المتمدنِ الفاصلِ بين القبيلةِ القديمةِ والقبيلةِ الحديثة ، والقابل بسلاسةٍ لعمليةِ التطور ، والتحرك ، من مرحلةٍ إلى أخرى ، ضمنَ ثلاثيةِ الدولةِ المدنية . هو لا يقصد بالدنمارك ' الدولة ' ؛ إنما هي ' الحالة' التي تمثلُ النتيجة الطبيعية للتطور بمعناه العام .
6
أبكي ..
فلا أجدُ في بكائي غير وطنٍ يتمزقُ تحتَ سنابكِ الأنانيةِ ، ومعاولِ النَّرجسيةِ ، وخناجرِ الحقدِ والكراهيةِ . وأنكفئُ على دمعي ، فلا أرَ في مائها سوى أُمَّةٍ تجتهدُ في عزمٍ غبيٍّ ، وتصميمٍ بليدٍ على كتابةِ أخرِ النشيدِ بحِبرٍ مِنْ بولها ، وتنشدُ غسلَ وجهها من بصاقها ، وتسطرُ ملامحَ الوهمِ في البناءِ بأسبابِ الغَباء ، وتحاولُ البقاءَ بهدم البئرِ وقطع السِّقَاء ، وتراودُ نفسها عن نفسها بالبنين والرَّفاءِ بممارسةِ البغاء ، ثم تدعو الله أنْ يجيبَ لها الدُّعاء !
هَزُلتِ العقولُ ، وضاعَ الآملُ والمأمول ، وسيطَ الحبلُ والمحبول ؛ ولكأني بأبي الطَّيِّب ( ... يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِها الأُمَمُ ) يعنينا - ليس إلا - بما يقول .
7
.. إنَّ عمليةَ إسقاطِ النظام الفاسد الوراثي ، بالمعنى العام ، لِوَرَثَةِ صالح ؛ ليسَ في أسرته ، وأقاربه مِن أحمد ، وطارق ، ويحي ، وخالد ، ومسعد ، وأمين ، و' أمينة ' ، فحسب .. بل في منظومةِ الفسادِ كاملةً ، ومؤسسةِ الإفسادِ التي جذَّرها في زهاءِ ثلثِ قرن - من بركاني وجَنَدِي وصوفي وصوفي ومساوى وغير مساوى وبِنْ وَبِنْ .
هناك نوعٌ من التضليلِ للفهم ، والتظليلِ في الصورة ، في الخطابِ السياسي الترفيهي ، ونقائض الخطابِ السياسي التسفيهي ، حولَ إشكالية التوريث . والرَّئيسُ حينَ تركَ نظامَه .. لم يتركْهُ نظامُه. وذلك حقيقةً لا مجازاً ؛ فقد عفَى الناسَ عَفَّاشٌ - ليدخلهم في سكرةٍ قد لا تطول - من التوريثِ الصريحِ في التناوب على القصر الجمهوري ؛ ولكنهُ طرحَ نصفَ ما بجعبتهِ من الأفاعي في السُّوقِ الجديدِ من ثلثِ قرنٍ من الفسادِ - والنصف الآخر حينها يأتي على حين غرةٍ ؛ عندما تتهافتُ بقيةُ البلاطجة !
وما دامَ نظامهُ قائماً فسيعودُ متى شاءَ وتحتَ شرعيتين : شرعية الحادي والعشرين ، وشرعية البلاطجة والأربعين حرامي ؛ قضيةٌ منطقية : واحد زايد واحد يساوي إثنين . نقطة !
... إنَّ منظومتهُ في الفسادِ ، أكثرُ خطورةً منه ؛ وسيرجعُ متى أرادَ حين تحينُ الفرصةُ ؛ ما لم نتداركْ تهافتَهُ ، وتهافتَ بلاطجته معهُ ؛ بانتزاع منظومتهِ كاملةً .
نحنُ نحلمُ كثيراً ، فنسرفُ في ذلك حدَّ الحَرَام ! وماذا تفعلُ بضعةُ تفاحاتٍ في صندوقٍ مليءٍ بالعفن ؟ ..
فلا نكونُ كالنعام !
مَنْ يفقهُ ذلك .
والضرسُ المُسْوِس إذا لم يتم إقتلاعه ؛ فسيفسد بقيةَ الأسنان ! إنَّ الفسادَ المُزْمِنَ والمركَّبَ ، الذي أزمنتْ فيه أجهزةٌ لعينةٌ ، وشخصياتٌ ألعن ، في هذه التركة الثقيلة تتطلبُ الإسراع في القطع في أمره بلا ترددٍ ، أو تأجيلٍ ، أو خوف . والمعركةُ قائمةٌ بين نظريتين : نظريةِ فوكوياما في ' نهايةِ التاريخ' ، ونظريةِ الدكتور ياسين سعيد نعمان في ' بدايةِ التاريخ ' .
وسنرى ..
وإنَّ غداً لناظرهِ قريب !
8
فما هو المشهد ؟
فما بينَ تهافُتِ البلاطجةِ ، وتهافتِ التَّهافِتِ في المُعَافجة .. تتعقدُ فيه الأََزِمَّةُ ، ويبدو من الحادي والعشرين بعيراً أزمتانِ تُولدُ مِن أزمة . كيف ؟ .. فأزمةٌ تقعُ بينَ مناورةِ ورقةِ التُّوتِ الأخيرةِ ، في قلبِ الأوراقِ على يدِ الأبناءِ وأبناءِ العم .. قُبَيل الإنتخاب ؛ حينَ تتشظَّى القبائلُ والأنساب ، ويشربُ كأسَ الوطنِ دَعَارةُ الأنخاب ؛ ويذهبُ كلُّ قومٍ بما لديهم فَرِحينَ ؛ نشوةً ، لا حديثَ لهم سوى بما يمليهِ الفيدُ بالأنياب !
والثانيةُ تقعُ فيما لو قُدِّرَ لنا ، ومررنا مِنْ عنقِ الزجاجةِ بعد شُرفات الحادي والعشرين بعيراً فإنَّا نكون كمن ألبسَ القاتلَ شرعيةً دستوريةً حقيقيةً جديدةًً ، ومنحنا المقتولَ العقابَ ، والقاتلََ خيرَ الثواب ؛ ونكون قد شرَّعنا للنظامِ السابقِ ، دوراً مدستراً يطرحُنا تحتَ إهابهِ فيهِ ، وبالدُّستور ، وبالزيتونِ ، وبالشرعيةِ الجديدةِ ، فاكهةً لذيذةً ما لذَّ وطاب ؛ ويقيمُ الصَّلاةَ - إِماماً - ونحنُ نؤمِّنُ وراءه نلهجُ بالدَّعاء المستجاب .
" آمين " !
9
وتلك ميزةٌ فريدةٌ في تصنيفِ الثورات .
إما ثورةٌ صحيحة ..
وإما ثورةٌ خاطئة ..
وإما ثورةٌ على الطريقة اليمنية !
نحنُ قومٌ نكررُ أنفسنا منذُ ثلاثةِ ألفِ عام ؛
فلا بنينا السدَّ ..
ولا مسكنا الفأرَ ..
ولا تزوَّجَ أحدُنا بلقيس !
وسامحونا !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.