تدشين مشروع أتمته الاعمال الإدارية بذمار    تعليق الرحلات بمطار "اللد" نتيجة اطلاق صاروخ من اليمن    عبده الجندي: السعودية لا تريد لنا الخير ويكفي ما حدث في فتنة ديسمبر    "عودة الأسطورة".. سعر ومواصفات هاتف Nokia 6600 5G كاميرا احترافية 108 ميجابكسل وبطارية    موريتانيا تكسب بوركينا فاسو    «فيفا» يختار الحكمة السعودية ريم في مونديال الصالات    ب«الترجيحية» سان جيرمان بطل السوبر الأوروبية    10 عادات افعلها صباحاً لصحة أمعائك وجهازك الهضمى    في بطولة " بيسان " تعز 2025 .. -"الاهلي" يتغلب على "التعاون" بثلاثية" تمنحه الصدارة وتعززحظوظه في العبور .؟!    باريس يتوج بطلا للسوبر الاوروبي عقب تخطي توتنهام الانجليزي    الرشيد يسحق النور صبر ب14هدفاً في مباراة من طرف واحد    اليمن تدين تصريحات حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن ما يسمى رؤية إسرائيل الكبرى    أرقام صادمة وجرائم جسيمة.. عقد من التدمير الحوثي الممنهج للاقتصاد الوطني    زيارة لاريجاني إلى بيروت.. ما الرسائل والدلالات؟    عدن .. البنك المركزي يغلق كيانين مصرفيين    تواصل تزيين وإنارة مساجد الحديدة احتفاءً بذكرى المولد النبوي    صنعاء تدعو للاستعداد غدا لحدث عظيم !    صلح قبلي ينهي قضية قتل بين آل ربيد وآل الشرعبي في صنعاء    - الفنان اليمني أحمد الحبيشي بين الحياة والموت يا حكومات صنعاء وعدن والمخا ومارب    اللواء الخامس دفاع شبوة يحيي ذكرى استشهاد مؤسسه    النفط يستقر بعد بيانات عن تباطؤ الطلب الأميركي    إحراق 360 مليون ريال في صنعاء من فئة الخمسين ريال في يوم واحد    محافظ ذمار: من يفرّط برسول الله سيفرّط بفلسطين        لكم الله يااهل غزه    قرار غير مسبوق يخص حكام الليغا في الموسم الجديد    استعادة صنعاء بالأعراس    وزارة العدل وحقوق الإنسان تختتم ورشة تدريبية متخصصة بأعمال المحضرين    ضبط شخصين انتحلا صفة رجل المرور في منطقة معين بأمانة العاصمة    رحيل الأديب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما    وزراء خارجية 24 دولة يطالبون بتحرك عاجل لمواجهة "المجاعة" في غزة    الأرصاد يحذّر من استمرار هطول أمطار رعدية في عدة محافظات    إيلون ماسك يهدد بمقاضاة أبل    عدن .. ادانة متهم انتحل صفة طبية ودبلوماسية ومعاقبته بالسجن ودفع غرامة    نائب وزير الأوقاف يتفقد سير العمل في مكتب الوزارة بعدن    الوزير الزعوري يطّلع على انشطة نادي رجال المال والأعمال بالعاصمة عدن    وزير الدفاع يبحث مع القائم بأعمال السفارة الصينية مستجدات الوضع في بلادنا    القطاع الصحي يستعصي على النظام ويتمرد على تخفيض الأسعار    الوثيقة العربية الموحدة للشراكات بين القطاعين العام والخاص في الطيران المدني    عودة عيدروس الزبيدي للضرب تحت الحزام لكل فاسد    لصالح من اعادة نشاط التنظيمات الارهابية    نفذوا قراراتكم على الجميع وإلا رجعوا الصرف كما كان    نيويورك حضرموت    اكتشاف حفرية لأصغر نملة مفترسة في كهرمان عمره 16 مليون سنة    عدن .. المالية توجه البنك المركزي بجدولة المرتبات والحكومة تلزم الوزرات بتوريد الفائض    مجلس وزراء الشؤون الإجتماعية يتخذ جملة من القرارات للإرتقاء بعمل القطاعات    المقالح: العيش على شتيمة الماضي إفلاس وخسران    تقرير بريطاني يكشف دور لندن في دعم مجازر الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة    جورجينا تعلن موافقتها على الزواج من رونالدو وتثير ضجة على مواقع التواصل    السقلدي: هناك من يضعف الجميع في اليمن تمهيدًا لاحتوائهم    مكتب رئاسة الجمهورية ينظم دورة تدريبية حول مهارات التفاوض واختلاف الثقافات .    من يومياتي في أمريكا .. أنا والبلدي*..!    وزير الصحة يطّلع على التجربة الصينية في التحول الرقمي والخدمات الصحية الريفية    فريق طبي مصري يستخرج هاتفا من معدة مريض    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    حملة ميدانية في مديرية صيرة بالعاصمة عدن لضبط أسعار الأدوية    فيديو وتعليق    بهدف معالجة الصعوبات والمشكلات التي يعاني منها القطاع الصحي.. رئيس مجلس الشورى يلتقي وزير الصحة والبيئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فُوكوياما .. وتهافُت البلاطجة!
نشر في نشوان نيوز يوم 11 - 02 - 2012

1 السِّياسةُ لفظٌ عام . يبدأُ تعريفها بالمعنى الواسع الإنساني مِن تفاصيلِ إقامةِ دولةٍ ، وإدارتها ؛ وينتهي في ترتيبِ كتبك في مكتبةِ بيتك ، أوِ التقاطِ صورةٍ عائليةٍ في صُبْحِ يومٍ جميلٍ ، أو مناسبةٍ سعيدة ؛ أو إماطةِ الأذى عنِ الطَّريق ، أو كتابة قصيدةٍ ، أو قراءةِ سورةٍ من القرءآن أو حديثٍ مأثورٍ عنِ النبي !.. وهيَ القيامُ على الأمرِ بما يُصلحه .

ولا تقومُ السياسةُ ويصلحُ أمرها إلا بالعدل ، فما هو العدلُ ؟ .. فقولٌ على بدءٍ يختصمُ القومُ ويتجادلُ الناسُ حول تعريفه . وأرى البساطةَ في التناول - مجتهداً - أنَّ العدلَ هو الإحساسُ بالألمِ والمعاناةِ ، أو الإحساس بالرَّاحةِ والسَّعادة ، التي تعطي في النهايةِ للمرءِ دفقَ مُقاربةِ الحق ، الذي تتزنُ عندهُ الأمورُ والأشياء . ونحنُ حينَ نُقَيِّمُ الأشياءَ في حياتنا ، بين الحقِّ والباطلِ فهو في تفكير نسبي نؤولهُ بما يوافقُ ما نريد . ولا يتحققُ العدلُ والحقُّ ، إلا إذا رأينا نفسَ ذلكما الحقَّ والعدلَ الذي تظنناهُ لأنفسنا ، أنْ نَتَظَنَّنَهُ للآخرين ؛ وإلا فلتَ الحقُّ ، وفشلَ العدل .
2
... رُبَّما كان فرانسيس فُوكوياما - Francis Fukuyama - آخرُ فلاسفةِ التاريخ ، حيث يقفُ بتفرُّدٍ يستحقه . وفي نظريته التي طرحها في كتابه ( نهاية التاريخ ) - The End of History - والذي طُبعَ في 1989 قُبيلَ سقوطِ جدار برلين ؛ كانَ فيهِ قد أسَّسَ لنظريةٍ كاملة الزوايا والأركان في كيفيةِ التفكير المستقيمِ ، والتفسير السياسي السَّوي حولَ النظام العالمي الجديد ، الذي تشكَّلَ ونحنُ في غفلةٍ منه ، وكلبنا باسطٌ ذراعيه بالوصيد ؛ حين تساقطَ الوجهُ القديم للعالم ، ونحن ما زلنا مُسَروَلين به . حينَ سقطتْ أيدولوچيات ، وبقيتْ أيدولوچيات . ساعتئذٍ ؛ إنتصرتِ الحرياتُ والديمقراطيات التي إكتسحت العالم . وليس آخرها ثورات الربيع العربي !
ومرَّتِ السنوات سماناً عليهم ، وعجافاً علينا .
وما زلنا نعيش في عالمٍ فيه الديمقراطية ، والإزدهار ، والقانون ، والنظام يتوزع بغير تكافؤ .. حين يُصِرُّ السؤآلُ : لماذا عدم التكافؤ ؟!.. في كتابه الآخر ( جذور النظام السياسي ) - The origins of Political Order -يرى فُوكُويامَا أن الإجابةَ ليست في فلسفةِ الأشياء التي كانت محور جدلِ نظريته في ( نهاية التاريخ ) - وهو محورُ ما أريدُ أن أنقلَ مقتطفاتٍ منه - .. بلْ تكمنُ إجابة السؤآل في بساطة قرآءة التاريخ .
.. ومن خلالِ مروره على التاريخ ، إبتداءً من القرنِ الثالثِ قبلَ الميلاد مُعَرِّجَاً بمجادلاتِهِ ، ومُعَرِّضاً نقاشاته في حضاراته ، مستعرضاً إياها ، ليصلَ بنا إلى عصرنا هذا ، واضعاً يديه على خريطةِ العالمِ كلها ، من خلالِ مجادلاتٍ ، ونقاشاتٍ ، وافتراضاتٍ منطقية يصل في نظريته إلى ما أطلقَ عليه ' الدَّنَمْرَكَة ' The Denmarkness - أو ' الدَّمْرَكَة ' إنْ شئتَ قُلْ - والتي تعني ببساطة الوصولَ إلى فكرةِ الدنمارك ، كفكرةٍ تضعُ الإنسانَ النصبَ الأول التي تسعى الدُّوَلُ على تباينِ عملياتها السياسية لأحترامه ؛ من خلالِ خلقِ مجتمعٍ بواسطة ديناميكية ثلاثية الأضلاع هدفها خلَّاقٍ ، مُبدعٍ ، مستقرٍ ، مُسالمٍ ، مزدهرٍ ، صادقٍ ، شفافٍ ، صريحٍ ونزيه . تلك هي فكرةُ ( الدَّنَمْرَكَةِ ) لديه ؛ قبلَ أنْ يأتِ أحدٌ فيرميني في جهنم !
.. ولكن إسمعْ كيف يعاملُ فوكوياما هذه المُحَاوَرَةَ النظريةَ كقضيةٍ محوريةٍ ، ومنطقية للوصول بالمجتمع إلى ذلك التصور . والدِّيناميكية التي يراها فُوكُويامَا هي :
- هَيبَة الدولة .
- سيادة القانون . Rule of Law
- الحكومة المسؤولة . Accountable Government
3
والوُقوفُ على شُُرُفات العشرِ الأخيرةِ مِن حياةِ الرئيسِ ، وشرعيتهِ الدستوريةِ التي صَجَّجَنا بها وهو ما زالَ يبحثُ عن 'أمينة'.. هو وقوفٌ على المجهول .. وإنَّ في ذلكَ الوقوف موعظةً لذوي الألبابِ .
فمهْمَا فعلنا ، وأينما اتجهنا نحوَ اليومِ الموعود ؛ فإنَّ الأزماتِ فيه رقود . إنْ مشينا نحوها .. أزمة ؛ وإنْ توقفنا .. فهي أزمة !
.. إنَّ القارئَ للمشهدِ يدركُ وقاحةَ النتيجة ؛ فيمسك على رأسهِ خيفةً مِن ثعابينِ الثعبانِ الأكبر ، ورعباً مِن تهافتِ البلاطجةِ والشانيءِ الأبتر ، وأملاً تقفُ عليهِ فوهاتِ المدافِع .
المشهدُ غيرُ واضحةٍ ملامحه ! وفيه زيفٌ كبيرٌ يبعثُ في المراقبِ للمشهد قلقاً يجلده من كل ناحيةٍ حتى يتقيأُ يمناً مرتعشاً !
4
غيرُ شفَّاف .. وترتبكُ الأبصار في رؤيته .
تختلطُ فيهِ متناقضاتُ السَّاسَةِ بمبادرتهم ؛ والثُّوَّارُ بآمالهم ؛ والقبيلةُ بشقائها وثاراتها ؛ والعَسكرُ بجهلها وأَبْلَسَتها تشحنُ بنادقها خلفَ متاريسها بحثاً عن هدف شُرِّعَ لها استهدافه .. إنساناً ، أو شجرةً ، أو بقرةً ، أو بيتاً ؛ ودمُ المقتولِ يقفُ على عتباتِ العتابِ في شفةِ أُمٍّ ثكلتْ ، أو زوجةٍ تأرملتْ ، أو يتيمٍ زهقتْ في مقلتيهِ زهرةٌ ، وقضى براحتيهِ صباح ؛ وسكينُ القاتلِ ما زالتْ عابثةً ، غير آبِهَةٍ بوطنٍ يموتُ لمْ يبقَ فيه رمقٌ ، وناسُ الوطنِ يمدُّون أيديهم لوطنٍ يُلاطُ بهِ أمامَ شُهُودٍ جُنُبٍ ، غير مكترثين بالمشهدِ الحزينِ المؤلم لوطنٍ ينهارُ ، وتاريخٍ يسقط ، وأمَّةٍ تغرَّبتْ في أرضها شعوباً وقبائل لتقاتلوا بسيوفٍ عاجزةٍ مِنْ خشبٍ أو قشٍٍّ وطِينٍ ، على خيولٍ مِن وَرقٍ وكُدَمٍ وعجين ، ولا تفهمُ لأحدهم - مِن أحدهم - لُغَةً مِنْ حروفٍ ولفظٍ ورطين !
5
... ويظلُّ الإشكال - عند فُوكُويَامَا - مع ذلك ؛ أنَّ تلك الثلاثيةَ تبقى معقدةً ، وليس من السهل استيجادها في الواقع كموضوع ، وإنْ كان إستجرابها في الواقع سهلاً ، وغير ممتنعٍ ، وذلك لحاجة المجتمع لها كضرورةٍ تتيحُ لها الإستمرار .
فبينَ القبيلةِ القديمة ، والقبيلةِ الجديدة ، يقفُ التاريخُ ، ويقفُ الحل . أسطورةٌ غريبةٌ ، والبطلُ ما زال خارج الأسطول . إنَّ التاريخَ لا تدورُ حكاياه حول البطل ، أو قصة النصر؛ وإنما التاريخ هو حكايةُ نضالٍ مستمر ، وقصةُ كفاحٍ خالدٍ ، يدورُ كله حولَ سؤآلٍ واحد : " مَنْ نحنُ وماذا نريد " ؟!
وسياقاً على ذلك ؛ فإننا نرى كيفَ أنَّ ثوراتِ الربيعِ على نجاحها ، ووصولِ الديكتاتورُ إلى قتلهِ ، أو إلى سجنهِ ، أو إلى منفاه ، أو للتجميل ، ووصولِ أسهمِ الأحذيةِ في بورصةِ وجوهِ الرؤساء إلى مستوىً تاريخي مثير، لم تتحقق في اللحظة التالية على سقوطِ الصَّنمِ - طفرةً - المجتمعَ المدني الذي تنشدهُ ، والذي تسودهُ تلك العناصر المذكورة آنفاً ، لانتفاءِ وجودِ الميكانيكية الثلاثية المنتجة لتلك العناصر.
ويرى فرانسيس فوكوياما - Francis Fukuyama - عندَ قراءته لنهايةِ التاريخ ؛ أنَّ النُّخَبَ السياسيةَ خارجَ منظومةِ الغرب ، وخارجَ مصفوفاتِ دوائرِ الديمقراطيات العريقةِ فيه ، إذا أرادوا قيادةَ شعوبهم في إشراقٍ جلي ، وريادةَ اللحظة التاريخية بصدق ؛ فإنَّ عليهم السير باتجاهِ فكرةِ " الدَّنَمْرَكَة " - The Denmarkness - أي باتجاهِ الدولةِ الحديثةِ بإِنَاطةٍ العقلِ لا وساطَة النقل - لا الإتجاه إلى الأَيْرَنَة Iranness . وأنَّ عليهم أنْ يفهموا ، ويعوا ، ويستفيدوا من تجاربهم الذاتية ، المخبوءة في الماضي وفي تاريخهم الجميل ، واكتشافها باستقامةٍ ، وبدونِ تعسفٍ في تفسير التاريخ لمصالحهم في استمرار النظرية التآمرية ، والنظرية التبريرية ، ونظرية ( الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني ، والسيفُ والرمحُ لا القرطاسَ أو قلمُ ) ، ونظرية الأجداد المتفوقين - لإحفادٍ مُوَسِّحين ثغتْ حناجرهم من نداء الماضي المكَبَّل ، من خلال فهْمِ التاريخ وتصحيحه ، واستلهامِ المنظومة الحقيقة - في تاريخهم وتاريخ البشرية - لميكانيكية المصفوفات المكونة للعملية السياسية ، المحركة لذلك التاريخ Political Order ، التي عملتْ في السابق .
وهو يطرحُ جدالاً argument أنيقاً حول القضية السياسية الكامنة في توريث الحكم ، ودورانه ضمن الأسرة ، في مقاربةٍ لطيفةٍ أطلقَ عليها : (Depatrimonialization 'which simply means taking out kinship off politics ) '- أي إستبعاد فكرةِ التوريث في الحكم والعملية السياسية السياسية برُمَّتها . بل ويجادلُ بقوةٍ حولَ فرضيةِ أنَّ ال departrimonialization - أسقاطُ وهمِ التوريثِ والتبادلِ الأسري للمناصبِ في الدولةِ الجديدةِ - يعتبرُ الحجرُ الأساسُ والحجرُ الأولى في بناءِ المجتمعِ الحقِّ والفاضلِ ، المتمدنِ الفاصلِ بين القبيلةِ القديمةِ والقبيلةِ الحديثة ، والقابل بسلاسةٍ لعمليةِ التطور ، والتحرك ، من مرحلةٍ إلى أخرى ، ضمنَ ثلاثيةِ الدولةِ المدنية . هو لا يقصد بالدنمارك ' الدولة ' ؛ إنما هي ' الحالة' التي تمثلُ النتيجة الطبيعية للتطور بمعناه العام .
6
أبكي ..
فلا أجدُ في بكائي غير وطنٍ يتمزقُ تحتَ سنابكِ الأنانيةِ ، ومعاولِ النَّرجسيةِ ، وخناجرِ الحقدِ والكراهيةِ . وأنكفئُ على دمعي ، فلا أرَ في مائها سوى أُمَّةٍ تجتهدُ في عزمٍ غبيٍّ ، وتصميمٍ بليدٍ على كتابةِ أخرِ النشيدِ بحِبرٍ مِنْ بولها ، وتنشدُ غسلَ وجهها من بصاقها ، وتسطرُ ملامحَ الوهمِ في البناءِ بأسبابِ الغَباء ، وتحاولُ البقاءَ بهدم البئرِ وقطع السِّقَاء ، وتراودُ نفسها عن نفسها بالبنين والرَّفاءِ بممارسةِ البغاء ، ثم تدعو الله أنْ يجيبَ لها الدُّعاء !
هَزُلتِ العقولُ ، وضاعَ الآملُ والمأمول ، وسيطَ الحبلُ والمحبول ؛ ولكأني بأبي الطَّيِّب ( ... يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِها الأُمَمُ ) يعنينا - ليس إلا - بما يقول .
7
.. إنَّ عمليةَ إسقاطِ النظام الفاسد الوراثي ، بالمعنى العام ، لِوَرَثَةِ صالح ؛ ليسَ في أسرته ، وأقاربه مِن أحمد ، وطارق ، ويحي ، وخالد ، ومسعد ، وأمين ، و' أمينة ' ، فحسب .. بل في منظومةِ الفسادِ كاملةً ، ومؤسسةِ الإفسادِ التي جذَّرها في زهاءِ ثلثِ قرن - من بركاني وجَنَدِي وصوفي وصوفي ومساوى وغير مساوى وبِنْ وَبِنْ .
هناك نوعٌ من التضليلِ للفهم ، والتظليلِ في الصورة ، في الخطابِ السياسي الترفيهي ، ونقائض الخطابِ السياسي التسفيهي ، حولَ إشكالية التوريث . والرَّئيسُ حينَ تركَ نظامَه .. لم يتركْهُ نظامُه. وذلك حقيقةً لا مجازاً ؛ فقد عفَى الناسَ عَفَّاشٌ - ليدخلهم في سكرةٍ قد لا تطول - من التوريثِ الصريحِ في التناوب على القصر الجمهوري ؛ ولكنهُ طرحَ نصفَ ما بجعبتهِ من الأفاعي في السُّوقِ الجديدِ من ثلثِ قرنٍ من الفسادِ - والنصف الآخر حينها يأتي على حين غرةٍ ؛ عندما تتهافتُ بقيةُ البلاطجة !
وما دامَ نظامهُ قائماً فسيعودُ متى شاءَ وتحتَ شرعيتين : شرعية الحادي والعشرين ، وشرعية البلاطجة والأربعين حرامي ؛ قضيةٌ منطقية : واحد زايد واحد يساوي إثنين . نقطة !
... إنَّ منظومتهُ في الفسادِ ، أكثرُ خطورةً منه ؛ وسيرجعُ متى أرادَ حين تحينُ الفرصةُ ؛ ما لم نتداركْ تهافتَهُ ، وتهافتَ بلاطجته معهُ ؛ بانتزاع منظومتهِ كاملةً .
نحنُ نحلمُ كثيراً ، فنسرفُ في ذلك حدَّ الحَرَام ! وماذا تفعلُ بضعةُ تفاحاتٍ في صندوقٍ مليءٍ بالعفن ؟ ..
فلا نكونُ كالنعام !
مَنْ يفقهُ ذلك .
والضرسُ المُسْوِس إذا لم يتم إقتلاعه ؛ فسيفسد بقيةَ الأسنان ! إنَّ الفسادَ المُزْمِنَ والمركَّبَ ، الذي أزمنتْ فيه أجهزةٌ لعينةٌ ، وشخصياتٌ ألعن ، في هذه التركة الثقيلة تتطلبُ الإسراع في القطع في أمره بلا ترددٍ ، أو تأجيلٍ ، أو خوف . والمعركةُ قائمةٌ بين نظريتين : نظريةِ فوكوياما في ' نهايةِ التاريخ' ، ونظريةِ الدكتور ياسين سعيد نعمان في ' بدايةِ التاريخ ' .
وسنرى ..
وإنَّ غداً لناظرهِ قريب !
8
فما هو المشهد ؟
فما بينَ تهافُتِ البلاطجةِ ، وتهافتِ التَّهافِتِ في المُعَافجة .. تتعقدُ فيه الأََزِمَّةُ ، ويبدو من الحادي والعشرين بعيراً أزمتانِ تُولدُ مِن أزمة . كيف ؟ .. فأزمةٌ تقعُ بينَ مناورةِ ورقةِ التُّوتِ الأخيرةِ ، في قلبِ الأوراقِ على يدِ الأبناءِ وأبناءِ العم .. قُبَيل الإنتخاب ؛ حينَ تتشظَّى القبائلُ والأنساب ، ويشربُ كأسَ الوطنِ دَعَارةُ الأنخاب ؛ ويذهبُ كلُّ قومٍ بما لديهم فَرِحينَ ؛ نشوةً ، لا حديثَ لهم سوى بما يمليهِ الفيدُ بالأنياب !
والثانيةُ تقعُ فيما لو قُدِّرَ لنا ، ومررنا مِنْ عنقِ الزجاجةِ بعد شُرفات الحادي والعشرين بعيراً فإنَّا نكون كمن ألبسَ القاتلَ شرعيةً دستوريةً حقيقيةً جديدةًً ، ومنحنا المقتولَ العقابَ ، والقاتلََ خيرَ الثواب ؛ ونكون قد شرَّعنا للنظامِ السابقِ ، دوراً مدستراً يطرحُنا تحتَ إهابهِ فيهِ ، وبالدُّستور ، وبالزيتونِ ، وبالشرعيةِ الجديدةِ ، فاكهةً لذيذةً ما لذَّ وطاب ؛ ويقيمُ الصَّلاةَ - إِماماً - ونحنُ نؤمِّنُ وراءه نلهجُ بالدَّعاء المستجاب .
" آمين " !
9
وتلك ميزةٌ فريدةٌ في تصنيفِ الثورات .
إما ثورةٌ صحيحة ..
وإما ثورةٌ خاطئة ..
وإما ثورةٌ على الطريقة اليمنية !
نحنُ قومٌ نكررُ أنفسنا منذُ ثلاثةِ ألفِ عام ؛
فلا بنينا السدَّ ..
ولا مسكنا الفأرَ ..
ولا تزوَّجَ أحدُنا بلقيس !
وسامحونا !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.