تصاعد خروقات واعتداءات العدو السعودي في المناطق الحدودية    العيسي يشيد بمنتخب اليمن تحت 23 عامًا ويحثه على حسم التأهل أمام فيتنام    خطة جديدة وتغييرات لافتة - السنيني يعلن تشكيلة منتخبنا الأولمبي الحاسمة أمام فيتنام    نادي نوتنجهام فورست الإنجليزي يُقيل مدربه إسبيريتو سانتو    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مكتب الصحة بالمهرة ويطلع على الخدمات المقدمة للمواطنين    وقفة احتجاجية لطلاب جامعة العلوم والتكنولوجيا بعدن رفضا لرفع الرسوم الدراسية    واشنطن تحدد سفارتها المختصة بمعالجة تأشيرات اليمنيين    أمن عدن يصدر بيانًا بشأن الفتاة المختفية في بئر أحمد    مجلس المستشارين يقف أمام آخر مستجدات الوضع الاقتصادي    جامعة حكومية تبلغ طلاب قسم الأمن السيبراني بعدم قدرتها على توفير هيئة تدريس متخصصة    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة الفنان محمد مشعجل رعفيت    لحج.. غموض يكتنف تصفية مصنع حكومي لإنتاج معجون الطماطم بعد بيع معداته ك"خردة"    النفيعي: جئنا للمنافسة وسنلعب للفوز بالكأس.. والدقين: لن نفرط في حقنا أمام السعودية    في ذكرى تأسيس الإصلاح..حقائق وإشراقات وإنجازات وتحديات    الأرصاد يحذّر من أمطار غزيرة مصحوبة برياح وحبات البرد في عدة محافظات    تواصل فعاليات "متحف الذاكرة" بتعز لتوثيق معاناة الحصار وصمود أبناء المدينة    الاطلاع على تنفيذ عدد من مشاريع هيئة الزكاة في مديريات البيضاء    يا عزيزي كلهم لصوص    الكلدي: البنك المركزي الراعي الرسمي للمضاربة بالعملة    البيض: اليمن لن ينهض وهو مقيّد بصراعات الماضي    الوطنية ليست لمن تسكعوا في الخارج    ردا على أكاذيب الاخوان.. مصر لن تسقط المسيرات اليمنية الموجهة لإسرائيل    أزمة خبز خانقة في عدن    إعلام العدو: مُسيَّرات اليمن خطورة تتجاوز استهداف مطار رامون    وفاة الفنان اليمني محمد مشعجل    عدوان صهيوني على مواقع متفرقة تابعة للجيش السوري    منتخب اليمن الأولمبي أمام الإختبار الآسيوي المهم    خبير مالي يكشف عن نزاع بين البنك المركزي بعدن ووزارة المالية    الزبيدي يعطي الاهتمام لمصفاة عدن كركيزة هامة للاقتصاد الوطني    حماية الجنوب.. رفض توظيف الدين لأجندات سياسية وحدوية يمنية    سامحوا المتسبب بموت زوجها وأطفالها الأربعة دون علمها.. امرأة تستغيث بالقبائل    خطبة التسامح والخذلان..حين يوصي الواعظ بالصمود ويخذله الحاكم    مباراة حاسمة.. اليمن يواجه فيتنام مساء الغد على بطاقة التأهل الآسيوي تحت 23 عاما    فريق القدس يتوج بطلا في ذكرى المولد النبوي الشريف    شرطة تعز توضح بشأن اختفاء عدد من الأطفال والفتيات    62 تغريدة صنعائية في حب "التي حوت كل فن": من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا*    حين يقرأنا النص    مدريد تستدعي سفيرتها لدى إسرائيل وتعلن إجراءات لوقف "الإبادة في غزة"    أمن الضالع يكشف عن 11 جريمة مجهولة    اليمن يودع "سفير الأغنية المهرية" محمد مشعجل    الستر.. أعظم درس في التربية    سريع يعلن استهداف مطارين وهدف حساس في فلسطين المحتلة    برعاية وزير الزراعة والري والثروة السمكية كاك بنك يدشن خطتة الاستراتيجسة الخمسية 2029/2025.    اللجنة الاستشارية تناقش مشروع اللائحة التنظيمية للإطار الاستراتيجي للحماية الإجتماعية    روسيا تعلن عن لقاح جديد "جاهز للاستخدام" ضد السرطان    خبير مالي يوضح حول اسباب شح السيولة من العملة الوطنية بعد الاجراءات الأخيرة للبنك المركزي بعدن    بهدفي البرواني وجراش على عُمان.. المنتخب اليمني للشباب يضرب موعداً في النهائي لملاقاة السعودية الخميس القادم في كأس الخليج العربي    طفل يقود مركبة يدهس طفة في مارب    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    طنين الأذن .. متى يستدعي القلق؟    اكتشاف عجائب أثرية في تركيا    بحشود ايمانية محمدية غير مسبوقة لم تتسع لها الساحات ..يمن الايمان والحكمة يبهر العالم بمشاهد التعظيم والمحبة والمدد والنصرة    وفيكم رسول الله    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (12)    مرض الفشل الكلوي (20)    اكتشاف تأثير خطير لمرض السكري على القلب    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    حلاوة المولد والافتراء على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة لبناء دولة جديدة وليس لهدم دولة موجودة
نشر في نشوان نيوز يوم 23 - 06 - 2011

في عرف الدولة يتضح لنا إن مشكلة الرئيس لم تكن أنه يقتل خصومه في ساحات الاعدام مثل أي ديكتاتور بل كان يقتلهم بالسم أو حادث سيارة مدبر مثل أي رئيس عصابة ولم تكن مشكلته أنه يعتقل الصحفيين لتكميم الأفواه مثل أي طاغية لكن إنه كان يختطف الصحفي ولا يرسل له قوة امنية تعتقله. بالتأكيد التعامل مع رئيس ديكتاتوري يختلف جذرياً عن التعامل مع زعيم عصابة، هناك فارق كبير بين الحالتين من ناحية المنطق والاخلاق والمنهج.

الثورة جاءت لتخالف منطق العصابة بمنطق الارادة الشعبية الطامحة للتغيير وبناء الدولة، وهذا لا يتأتى بتجاهل منطق الدولة. لم تصل الدولة اليمنية يوماً لهذا الدرك فحتى في عهد الإمامة عندما تقرر اعدام شيخ حاشد حسين الاحمر ذهب الرجل لتسليم نفسه في صنعاء لتنفيذ حكم الإعدام الذي تم بمدينة حجة وكان وقتها توجد هيبة حقيقية من القبائل في مقاتلة الدولة، وبعد الإمامة ظل للدولة هيبتها التي لم تسقط حتى أثناء الحرب الأهلية لكن هذه الهيبة سقطت تدريجياً في العقود الثلاثة الأخيرة حتى اكتمل تماماً آلان، وهذا السقوط بدأ اولاً بنزع هيبة الجيش الذي صار جنوده من اضعف الفئات الإجتماعية والإقتصادية والتخلص التدريجي من قيادات الجيش الخيبرة والمستقلة لصالح تلك التي تدين بالولاء المطلق للنظام وليس للوطن وكان للاعتبارات المناطقية والقبلية أولوية حقيقية في اختيار القائد.
نضيف إلى هذا الاستخفاف بالدستور وعدم تطبيقه والتحايل عليه وكذلك تخلي الدولة عن ابسط وظائفها في حماية الأمن والاستقرار للمواطن بتأجيج الحروب والصراعات واحياناً تخليها عن دورها لصالح القبيلة ومكونات المجتمع لتقوم به نيابة عنها مثل القبائل التي حاربت نيابة عن الدولة الحوثيين.
بالتأكيد لم يتصرف الرئيس باعتباره رئيس دولة إلا بالنادر ولم يستشعر معنى أن يكون رئيساً للدولة مما انتقل هذا للجميع وتصرفوا على اساسه، لكن الانجرار لهذا المربع ايضاً خطير حتى بافتراض انه فرض فرضاً. فلا يجوز تجاوز مؤسسات الدولة الدستورية بتشكيل مجلس انتقالي ولا يجوز تجاوز وجود رئيس جمهورية بمطالبة نائبه بتسلم مهام الرئيس وكأنه غير موجود وبتجاهل فيه افراط بالتعنت لحقائق القوة حيث لايزال ابن الرئيس وابناء اخيه يتولون مهامهم في مناصب حساسة وكذلك تغاضي عن مواد الدستور التي اجازت لنائب الرئيس تولي مهام الرئيس فكيف يمكن تطبيق بنود بالدستور وتجاهل اخرى.
ولا يجوز تصوير إن الجيش المنشق عن الدولة والمنضم للثورة مع اعتراضي على فكرة الانشقاق بحد ذاته باعتبار إنه كان الافضل الحفاظ على الجيش موحداً إما بالانقلاب على قيادة ابن الرئيس أو الوقوف على الحياد لكن لو افترضنا إن هذا سليم تماماً، لكنه وبكل تأكيد لا يعطي الحق لهذا الفصيل أن يعلن بيان رقم واحد، لأن هذا تمادٍ في تجاوز مؤسسات الدولة الدستورية.
هنا سوف يتساءل الكثيرون إذا كان الرئيس يتصرف كأنه قائد عصابة والدولة فقدت هيبتها فما قيمة أن يحترمها الثوار؟ هذا التحيز لدستور الدولة ومؤسساته له اسبابه.. أولاً هي موجودة وبنيت الفترة الماضية وهي ليست معيوبة بذاتها بل عدم تفعيلها وتجاهلها هو ما اساء لها، لذا الالتزام بها بحد ذاته عمل ثوري وخطوة أولى في بناء الدولة بالاستفادة مما هو موجود وليس من البدء بالصفر مثلما حدث بالعراق خاصة إن لليمنيين تحديات تنموية جسيمة ومشاكل كثيرة فعليهم على الاقل الحفاظ على القليل المتوفر والبناء عليه.
وهناك اسباب اخرى وهو غياب البديل فالشرعية الثورية التي يتغنى بها البعض هلامية وغير واضحة المعالم في وقت فصائل الثورة صارت تتصارع فيما بينها بشكل غير مسبوق ولا تتفق على شيء حتى تحدد ماذا تريد هذه الشرعية الثورية؟ وبالتالي يستطيع اليمنيون بناء شرعياتهم التي لا تنقض ما هو متوفر على الارض من شرعية دستورية ولا تضيعهم أمام هلامية الشرعية الثورية باللجوء لشرعية التوافق بين الاطراف المختلفة والتي صارت متعددة اكثر من اي وقت مضى.
فمن مزايا الثورة إنها كشفت حجم التنوع في الحالة اليمنية وحجم ضعف كل طرف في فرض إرادته فمن الحراك الجنوبي الذي يدعو لفيدرالية ضمن اقليمين أو الانفصال من جديد يصطدم بمخاوف عدن وتطلعات حضرموت والحوثيون يصطدمون بتجاوز الناس لفكرة الإمامة حتى في المناطق الزيدية تقليدياً وكذلك فقدانها لخاصية التوحد المذهبي مع حساسية الوضع الاقليمي تجاههم أما التيارات السلفية وربما الاخوانية فتصطدم بحساسية بقية الفصائل تجاهها من ليبراليين ويساريين وحوثيين والخ، والمتحيزون لحاشد يصطدمون بنفور الباقي وعلى رأسهم ابناء المناطق الوسطى.. هكذا اصبح الكل في مواجهة الكل والجميع يرفض الوصاية والساحة لابد لها أن تتسع حتى تصبح حالة التنوع هذه حالة خلق وابداع وليس حالة توتر مكبوت او صدام مسلح.
الثورة كشفت حجم تمزقنا وعمق احقادنا ربما إذا ما اردنا أن ننظر للأمر بمنطق التخاصم والرغبة في الانفراد التي انتفض ضدها الجميع لأسبابه الخاصة، لكن من منظور آخر هذه الفصائل المتنوعة وهذا التوازن الشامل للقوى بين الجميع يجعل من عملية الحسم لصالح أي طرف غير ممكنة ومتعذرة تماماً.
الثورة حتى آلان لم تحقق اول اهدافها وهي اسقاط الرئيس وتنحيته وما حدث للرئيس كان مجرد عملية اغتيال لرئيس الدولة لا علاقة لها بالثورة ولا يجوز للبعض مطالبة السعودية باحتجاز الرئيس او منع عودته فهذه اهانة للدولة اليمنية اولاً وقبل كل شيء وهو مواطن يمني لا يحق لدولة أخرى غير اليمن في التصرف به أو معاقبته، لذا إذا لم يقرر الرئيس التوقيع على المبادرة الخليجية أو يتنحى من منصبه يكون بحكم المنطق وحقائق القوة عائداً لممارسة مهامه وليس من حق أي دولة منعه من العودة.
وطالما ليس هناك شرعية ثورية واضحة والشرعية الدستورية وإن كانت جيدة لو تم تفعيلها فهي تغضب البعض وغير قادرة بمفردها تلبية مطالب الجماهير التي تجاوزتها، لذا يمكن اختلاق شرعية جديدة تناسب الوضع اليمني وهي شرعية التوافق عن طريق الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض ومن منطلق توازن القوة يفترض بالجميع الحرص على الخروج بنتيجة، وهذه الحوارات لابد لها أن تتم بشفافية عالية تتيح للمواطن اليمني معرفة ما يدور وهذا ممكن بحضور اعلامي لجلسات الحوار أو تسجيلها وجميع دول العالم توثق حوارات الرؤساء والوزراء وهذا ليس فيه ضرر من تكراره في اليمن أو حتى بثه حياً مثل جلسات مجلس النواب وبالتالي هذا يمنع التحايل على ما جرى في الحوار ويفتح الباب للجميع في المشاركة والمراجعة والمحاسبة.
الثورة اليمنية لن تستطيع اسقاط النظام بامتداداته الحقيقية لكنها تستطيع اسقاط الرئيس وكسر دائرة الاحتكار السياسي لفئة وطرف وهي ثورة تشمل احزاباً منظمة شكلت جزءا كبيرا من الحشد الجماهيري لذا لا يمكن تجاهل وجود الاحزاب في الثورة اليمنية والتعامل معها بعدائية بل هي جزء لا يتجزأ من الثورة خاصة إن الساحات لم تستطيع حتى آلان فرز أي مكون سياسي مستقل عن الأحزاب فبالتالي التفاوض مع الاحزاب وبمراقبة الشعب اليمني الذي يعاني بشدة من جراء هذه الأزمة سوف يؤدي لنتائج حقيقية لهذا الحوار، أما الاستمرار في حوارات بغرف مغلقة يخرج منها المتفاوضون بغمغمات غير واضحة وغير مفهومة عما جرى أو تشنجات وحروب اعلامية لا نعلم مدى صدقها أمر غير مقبول.
اظن أنه من الواجب على الجميع التعامل مع الموقف بقليل من العناد والمبدئية الزائدة لأنه الوضع وصل لمرحلة حساسة وفترة خمسة أشهر من المعاناة الحقيقية اقتصادياً ومعيشياً كافية للتدليل إن السير بالأمور بمنطق الحسم غير ممكن، فالثورة تستطيع اسقاط الرئيس بالتفاوض مع الاستمرار في المسار الثوري خاصة إنه بدا واضحاً إنه لا يوجد عمل تصعيدي تستطيع الثورة القيام به لفرض إرادتها بشكل مطلق ومع وجود عبدربه منصور وهو رجل دولة ويتصرف على هذا الاساس لذا نستطيع من خلاله التقاط فرصة ذهبية لتنفيس الأزمة بين الطرفين وتحريك عجلة العمل السياسي للأمام خاصة أننا نواجه وضعاً خطيراً، فالدولة صارت بلا رئيس جمهورية ولا رئيس وزراء ولا رئيس برلمان ولا حتى جيش بعد ما تقطعت أوصاله ومواطن يعاني معاناة غير عادية وهذا كله سوف يزيد الأمور سوءاً لو تركت هكذا دون معالجة، فسقوط محافظة أبين في يد جماعات مسلحة وهي مدينة قرب عدن المتحكمة بباب المندب قد يضع اليمنيين أمام تحد خطير وسوف يجعلهم في النهاية أسرى للتدخلات الخارجية لأن الجبهة الداخلية صارت مفككه بالكامل.
المسؤولية الثورية هي مسؤولية وطنية والوطن يحتاج لدولة ولابد من اعادة العمل بمؤسساته فالعمل بالميادين والساحات لا يبني مستقبلا ولا يسير اقتصاداً، وهي اكثر أولويات المرحلة إلحاحاً للحفاظ على مصالح المواطن البسيط الذي يشكل غالبية الشعب اليمني وحماية البلاد من تدخلات خارجية محتمله إذ ما انفلتت الاوضاع خاصة مع استمرار حالة الاستنزاف في الداخل.
- كاتبة يمنية مقيمة بالقاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.