مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة التسمير – الحرب السلالية على القطاع الخاص
نشر في نشوان نيوز يوم 01 - 10 - 2020

د. ثابت الأحمدي يكتب: عودة التسمير – الحرب السلالية على القطاع الخاص
تذكرتُ وأنا أقرأ الأخبارَ المتتالية عن إغلاق الحوثيين لمصرف الكريمي في صنعاء نفس السلوك الذي مارسه آباؤهم من قبل، وقلت: "من شابَهَ أباه فما ظلم". فقط تختلف المصطلحات لاختلاف الأزمنة، لا أكثر. وقد شاع أيام الإمامة مصطلح "التسمير" كثيرا الذي مارسه كل إمام من الأئمة.
والتسمير يعني إغلاق دار أو منزل أو متجر أحد المواطنين أو الولاة من قبل الإمام بالمسامير، بعد إخراج أهله منه، ثم مصادرة ما فيه لصالح الإمام.
وما لا يخفى على الجميع أن الأئمة الهادوية وحاشيتهم المقربين كانوا جشعين في جمع أموال الرعية وتحصيلها بأي وجه كان، سواء من الحلال أم من الحرام.
الأئمة عبر التاريخ يستوحشون من المال إذا تراكم في أيدي غيرهم، ولا يريدونه إلا لهم وحاشيتهم فقط، وثمة مسألة مهمة في تاريخ الإمامة يعرفها المتضلع في تاريخهم، وهي عملية الانتصاف في المحاكم بين المواطنين بعضهم البعض إذا اعتدى أحدهم على الآخر، ليكسبوا ود الناس وعاطفتهم، كنوع من الدعاية السياسية؛ أما إذا كان الاعتداء من قبل أمير أو سلالي منهم فعادة لا يتم إنصاف المجني عليه، كما هو الشأن اليوم تماما.
وسنستعرض هنا أحداثا عابرة، بما يسمح به الوقت للجنايات المالية التي مارسها الأئمة على الشعب.
حين وصل الغازي يحيى حسين الرسي إلى صنعاء صادر كثيرا من أموال أهلها بالقوة القاهرة، بحجة محاربة خصمه علي بن الفضل، وكذلك فعل من بعده أحمد بن سليمان، والذي رد على من لامَه على فعله بالقول: " والمروي المأثور عن الهَادي إلى الحَق عليه السَّلام أنه طلب أن يأخذَ من أهل صَنعاء ربع أموالهم ليدفع بها شرَّ ابن فضل ويجاهد في سَبيلِ الله.. ولا شك أن هَذا الذي كان يأخذه عليه السَّلام من أهلِ صَنعاء أكثر مما نأخذه أضْعافًا مُضاعفة. وهو عَليه السَّلام قدوتنا فيما نفعله؛ فالطَّاعن علينا هو طَاعن عليه..".. انظر: سيرة الإمَام أحمد بن سليمان، 303.
واسْتولى المطهر بن شرف الدين على أوقاف المدرسَة العَامريَّة برداع وغيرها من المدارس المنصوريَّة والمجاهديَّة وصَادر أملاكها لصالحه الشَّخصي وهِي الموقوفة على المدرسَة من أيام الطاهريين والرسُوليين، الذين أوقفوا الإقطاعيَّات المهولة للصَّالح العَام ولخدمة المرافق التعليميَّة والدينيَّة؛ بل لقد بلغ أنواع الوقف في عهدهم ثمانين نوعا، منها أوقاف للحُمر للعرجاء، وأوقاف للقطط الشَّاردة، ولحمَام الحرم. ولمن أخطأ من العبيد فكسر إناء سَيده. ولما جاء هذا الإمام الغشوم صادر كل شيء لمصالحه الشخصية.
وذكر الإمَامُ الشَّوكاني عن الإمَام الناصر محمد بن أحمد بن الحسن، ما نصه: "والحاصلُ أنه ملِكٌ من أكابر الملوك، كان يأخذ المالَ من الرعايا بلا تقدير… فلمَّا قَام أخذَ المالَ من حله وغيرِ حِله، فعظُمتْ دولتُه، وجلّت هيبتُه، وتمكنتْ سَطوتُه، وتكاثرت أجنادُه، وصَار بالملوك أشبَه منه بالخلفاء.. وكان سَفاكا للدماء بمجرد الظنون والشُّكوك".
يَروي المؤرخُ يحيى بن الحسين بن القاسم أنَّ أحمد بن الحسن حين توفي والده كان عمره تسعة عشر عامًا، فاتجَه إلى عمّه الحسين بن القاسم إلى ذمار، طالبًا منه أن يُقطعَه ولاية من الولايات، فعرض عليه عمُّه ولاية "وصاب" من اليَمَنِ الأسْفَل وهِي بِلادٌ خيِّرةٌ ومعطاءة، إلا أنَّ هَذا الشَّاب رفضَها قائلا: "هِي حقيرةٌ لا تقومُ بالحال، ولا يُنتفعُ بها في جميعِ الأعْمال". انظر: بهجة الزمن في تاريخ اليمن، 134.
فإذا كانت بِلادُ وصاب بكاملها "حقيرة" في نظر هَذا الشَّاب يومذاك "صار إمامًا فيما بعد" فما الذي يكفيْ غيره من الشُّيوخ والشُّبان والأمراء وأتباعِهم؟!
ويروي أيضا أن أخَاه عز الإِسْلام محمد بن الحسين أخبره أنه لما وصَل إلى حضرة الإمَام المتوكل على الله إسماعيل إلى "ضَوران" في أيَّامه الأولى أفاده أنه لا يجدُ غير الخمسين الحرف، ولم يأته من البلاد شيء، وأنه لا يجد الصَّرف؛ أمَّا بعد أن حَكم وملك فقد ثَرى وأثرى! وكان له من المخا لوحدها نصف عائداتها أيام تولية محمد بن الحسن؛ أمَّا بعد وفاته فقد أصبحت كاملة له.
ويذكر البعض أن حسن الجرموزي جاء إلى الإمَامِ بمحصول الموسِم يُقال فوق مئة حمل من البز والدَّراهم. وحين دخل أحمد بن الحسن عدن بجيشه أيام المجرم المتوكل ملَّكه الإمَام إقطاعات كانت للأمير عبد القادر صَاحِب خنفر، وجعل له الربع من المَنَاطِق التي فتحها.! انظر: بهجة الزمن في تاريخ اليمن سابق، 143[1]
لهذا خاطب العلامة ابن الأمير أئمة عصره شعرا في قصيدة مطولة، ومنها:
خراجِيَّةً صَيَّرتمُ الأرضَ كلها
وضمنتم العمال شر المعاشرِ
لذاك الرعايا في البلاد تفرقت
وفارقت الأوطان خوف العساكرِ
وقد رضيت بالعُشْرِ من مالها لها
وتسعة أعشار تصير لعاشرِ
فلم تقنعوا حتى أخذتم جميع ما
حوتْه وما قد أحرزت من ذخائرِ
وقد استعمل بعضُ الأئمة عمالا وقادة جنّد أحباشا وأيضا من العبيد، وسهلوا لهم كثيرا من النهب والسلب خلال فترة ولايتهم؛ وفي نهايتها كان هؤلاء الأئمة يعمدون إلى "تسمير" دورهم ثم مصادرة ما جمعوه خلال فترات ولايتهم كاملا لصالحهم الشخصي، وذلك لضعف اعتراضهم وضعف شوكتهم، خلافا للأمراء من الأسرة الحاكمة الذين يستعصي مواجهتهم غالبا. كما فعل الإمام المهدي عباس مع الأمير سَعد الذي تم تعيينه عاملا للواء الحديدة، وقَدْ كان عبدًا لدى العامل يحيى العلفي، ثم عَاملا لريمة بعد ذلك، ورغم اشتهاره بالشَّجاعة والسَّخاء إلا أنه اشتُهر أيضًا بالخمرة والإفراط فيها.
واستملك هذا الإمام بالاستحواذ والاحتيال غيلين شهيرين بصنعاء، وهما الغيل الأسْود وغيل البرمكي، والأخيرُ أحدثه محمد بن خالد البرمكي والي الرشيد على صَنعاء حينها، سنة 183ه، للأهالي من المال العَام، إلا أن الإمَام المهدي قد استحوذ عليه بإصْلاحه وإعادة اسْتخراجِه، ثم ادعى أن نفقةَ هَذا الاسْتصلاح من حسابه الخاص، وليس من المال العام، وثار بشأنه لغطٌ واسعٌ وجدلٌ كبيرٌ بين الخاصَّة والعامَّة، وعارضَ ذلك بشدة الفقيه علي بن عبدالله العَمْري، المسؤول عن استخراج هذين الغيلين، الأمر الذي جعل الإمَام يدخله السِّجن، ثم يعمد إلى "تسمير" داره ومصادرة أملاكه الخاصَّة، وقَدْ بقي في سِجنه حتى مات سنة 1183ه. انظر: البدر الطالع للشوكاني، 168/2.
ليس الإمام المهدي من "اسْتأمر" العبيدَ و"استعملهم" فقط؛ بل أئمةٌ آخرونَ منهم الإمَام المنصور علي نجل المهدي عباس أيضا من بعده، فقد كان الأميرُ "مرجان الصنعاني" أميرًا في جيشِ المنصور، وقَدْ عَزله عن منصبِه بعد أن قَام بضربِه في بلاطِه، صبيحةَ يوم عيد الفطر من العَام 1196ه، ثم أمرَ بحبسه ومصادرة أمْواله، حين عَلم الإمَامُ أن الأميرَ أخْفى عليْه مقدارًا من الأمْوال التي كلفه بِمُصَادرتها على خَازن الحُبوب في جِبلة.
ومن أشهر أمراء الإمَام المنصور من العبيد: الأمير فيروز، والنقيب ريحان، والأمير سرور، والنقيب جوهر، وسعد يحي، ومحمد ذو الفقار، ومحمد ذرحان، وسعد المنصور، وفرحان الماس، وسندرس، ومحمد وفدالله وغيرهم، وجميع هؤلاء كانوا أمراء يجمعون الأموال من الرعية ثم يؤدونها كاملة إلى الإمام، مكتفين بشرف الوصول إلى المنصب.
وكان الأمير "عنبر" عَاملا للإمام المنصور على ولاية حُبيش، ثم العدين، ومنهما جمعَ أموالا طائلة، فطمعَ الإمَامُ بنصفها، فرفض الأمير عنبر أن يعطيَه منها شيئًا، الأمر الذي أغضبَ الإمَامَ عليْه كثيرًا، فقام بتعزيره أولا؛ حيثُ ربطه إلى نافذة دار الفُتوح، وهو عُريان، ثم أمر بضربه وحبسِه مدة شَهرٍ في مكان تُجمع فيه قاذوراتُ وفضلات حمَّام القصْر. انظر: الأوضاع السياسية الداخلية لليمن، 86.
ولم تقتصرْ تصرفاتُه هَذِه على المُسلِميْن فقط؛ بل أيضًا اليهود "الذميين".. فاتخذ ضدَّهم سِلسلةً من الإجراءات العقابيَّة القاسِية وألزمهم بدفع نصفِ محصولاتهم، ثم صَادر أموالهم كاملة في آخر حياته، وكان اليهود ممسكين بنسبة كبيرة من التجارة كما هو معهود عنهم.
ونفس الحال أيضا مارسه ابنه من بعده، كما فعل ذلك قبلهما الإمام المهدي محمد بن المهدي أحمد صاحب المواهب. وفعلها أئمة آخرون بحق اليهود والبانيان "اليهود" فبين كل فترة وأخرى كان الأئمة يهاجمون محلاتهم ثم "يسمرونها" تمهيدا للمصادرة النهائية.
ومن ضمن سَادية الطاغية يحيى وعنصريتِه أن حاربَ التجارَ من أبناء "الشَّوافع" حسب تعبير الكُتَّاب الأجانب الذي كتبوا عن تاريخ تلك المرحلة واحتكرها على نفسِه وبعض شُركائه، على الرغم من عَراقة هَؤلاء التجار في هَذِه المهنة، لارتباطهم بالموانئ التي تقع في مناطقهم، ولارتباط التجارة أيضًا بالروح السِّلميَّة نفسِها لدى هَذِه البيئة وذاك المُجتَمع الذي يمقت الحروبَ وثقافتها، ويحترم التجارة والعمل.
فقد صَادر تجارة هَؤلاء وشاركَ البعضَ الآخر تجارتَهم بلا وجه حق، مُعينا عليهم عُمَّالا من ذويه ومن حَاشِيته، يمارسون بدورهم نهبًا وسَطوا لا يقل وحشية عن نهب وسَطوة الإمَام نفسِه، بصورة مستفزة، فَخلقَ بهذا السُّلوك تذمرًا واسعًا، مجسدًا الطائفيَّة في أبشعِ صُورها وأزرى مَظاهرها. انظر: ثورة 1948م، الميلاد والمسيرة والمؤثرات، مركز الدراسات والبحوث اليمني، "مجموعة باحثين وكتاب" الطبعة الثانية: 2004م. 259.
تقول المؤرخة والكاتبة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا، المهتمة بالتاريخ السِّيَاسِي اليَمني:
"وقاسى التُّجار اليمنيون، باستثناء مَجموعة صغيرة، مقربةٍ من الإمَام من الظلم الملكي الإقطاعي الذي أناخ عليهم، وزُوحم متوسِّطو وصغار التجار في أكثر الصَّفقات التجارية المُربحة. كما احتكر الإمَامُ والمحيطون به الفروع المربحة في التجارة الخارجيَّة، مع الاحتفاظ التقليدي الاصْطناعي بأشْكال الأنماط الاقتصاديَّة. إنَّ كلَّ هَذا قلَّص مَجَال نشاط البرجوازية الناشِئة، وكان لغياب الضَّمانات والحريات الشَّخْصِيَّةِ والممتلكات للتجار أن شَدَّد الصُّعوبات، وحال دون نمو التجارة الخارجيَّة، وأدى هَذا إلى أن يتجه كبار التجار إلى أن يضعوا رؤوس أمْوالهم في بنوك الخارج، وإن تسربت رسَاميل في بعض الحالات المحصورة في حدود ضَيقة إلى التراكم الداخلي، مما ضَاعف بشكل أكبر نقص المواد اللازمة لنمو البلد الاقتصَادي؛ إذ إنَّ التجار لم يرسلوا النقود إلى الخارج فقط؛ بل إن أغلبَهم تركوا البلاد، وذهبوا إلى الخارج في هجرات طويلة. وفي المهجر اشتركوا بالنشاط التجاري، ولم يَعدْ منهم إلى الوَطَنِ إلا القليلُ عند الشَّيخُوخة". انظر: ثورة 26 سبتمبر في اليمن، إيلينا جولوبوفسكايا، دار ابن خلدون، بيروت، ط:1، 1982م، 126.
وقد مَنع الإمَامُ يحيى كلَّ التجار أن يغادروا إلى الخارج، عَدا الشَّيْخ علي يحيى الهمداني لمكانته الخاصَّة عند الإمام، وسَمح مؤخرًا بتأسيس شَركة إيطاليَّة؛ لكن الإمام كان أحد كبار المسَاهمين فيها، وذلك بمبلغ خمسمئة ألف ريال، كانت أرباحُها كبيرة. انظر: الطريق إلى الحرية، العزي صالح السنيدار، 73.
إلى يتحدث كتاب ابن الأمير وعصره عن أسلوب آخر من أساليب الأئمة في حربهم على القطاع الخاص حيث كانوا يعمدون الى الغاء العملة المعمول بها فيفقر الغني بين عشية وضحاها، وهو ذات الاسلوب التي اتبعته الحوثية في منه تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية في مناطق سيطرتها، وما تبع ذلك من ايجاد سعرين للعملة يدفع المواطن والتاجر الفارق بينهما والذي يذهب إلى جيب المليشيا.
أما عن عَملياتِ النَّهب والسَّطو الأخرى التي كان الإمَامُ وعُمَّاله يمارسونَها على الرعيَّة، فلا تقل وحشيَّة وعبثيَّة عن هذه، وقَدْ لخصَها البردوني بقوله: "كان الإمَام يحيى لا ينقطعُ عن قريةٍ أو منطقةٍ إلا مدة قَصيرة، فقد كان مأموروه وجنودُه يمسحونَ البلاد طُولا وعَرضًا، يتحسسُون ما يجري، ويتحصَّلون ثمرة ما ينبتُ وما يتحرك، يأتي المُخمّنُ عند بزوغ الثَّمرة، يليه القبَّاضُ عند حَصادها، يليه الكاشِفُ على القبَّاض، يَليه العَسكريُّ لتحصيلِ البَواقي، يتبعُه عَدَّادُ المواشي، ثم "مثمّر" الخضر والفواكه، فَيدوم اتصالُ الإمَامِ بالشَّعبِ على طِيلة العَام عن طَريْقِ المأمورين والعَساكر، ويزيد اتصَاله أعنف إذا نجمتْ أحداثٌ واحتدمَ شِجار..". انظر: قضايا يمنية، عبدالله البردوني، ط:5، 96م، 62.
وذكر أيضا في اليمن الجمهوري أن الإمَام يحيى كان يبيع عمالة العدين في إب بستمئة ريال، وكان يبيع عمالة كسمة بريمة بخمسمئة ريال. وهاتان المنطقتان من أخصب مناطق اليمن.
ذكر المناضل اللواء يحيى مصلح مهدي أن مقدار الزكاة في رَيْمَة أيام الإمَام أحمد وصل إلى مليون ريال فرانصي "ماريا تريزا" سنويا، وكان فيها ألف وخمسمئة جندي إمامي مقيمون بصفة دائمة لجباية الأموال بالحق وبالباطل.
وذكر أيضا قصة معبِّرة تستحق الوقوف عندها، وهِي أن عامل الإمَام يومها شايف زهرة، كان يتعسف النَّاس ويظلمهم ويفرض عليهم من الضرائب والزكوات مبالغ كبيرة هِي فوق الحَق المقرر، وكان كلما أتى إليه النَّاس لمراجعته، يقول: "إلى ذمتي هذي زيدوا" ويشير بيده إلى صفحة عنقه، وبعد فترة أصيب هَذا العامل بسرطان في عنقه! أنظر: شاهد على الحركة الوطنية، يحيى مصلح مهدي، سيرته ونضاله. مركز عبادي للدراسات والنشر، ط:2، 2011م، 64.
وقد ترتَّب على هَذِه السِّيَاسَةِ التي اتبعتْها الإِمَامَةُ بحق المزارعين والفلاحين من أبْناء اليَمَنِ الأسْفَلِ عدةُ نتائج؛ حيثُ أدتْ إلى هجرةِ كثيرٍ من النَّاس فرارًا من الظلم، ومن مُلاحقة عَساكر الأئمَّةِ لهم، مع ما يترتبُ على الهجرة نفسِها أيامها من المخاطر الجمَّة؛ إذ لم تكنْ طُرق الهجرة والاغتراب مؤمَّنة كما هو الشَّأن اليَوم، ولم تكن وسائل النقل أيضًا متوفرة، ولم تكن حُقوق المغترب مكفولة في دول الهجرة، فكان يتعرضُ بعضُهم لبعض التعسف والضَّيم، وإن كان أقلَّ مما يتعرض له في بلده من عَساكر الإمَامَة.
ولطالما فُقِد الكثيرُ، وتاه آخرونَ وقضوا نحبَهم في بلدانِ المهجر وقَدْ انقطعوا عن أهْلهم وذويهم، فالهجرةُ يومها ضربُ من المخاطرة بالنفس وتقحُّم الشَّدائد.
وقد أشارت إلى هذه الحال قصيدة الشاعر الغنائي الدكتور سعيد الشيباني التي غناها الفنان المرشدي، ومطلعها: يا نجم يا سامر فوق المصلى، وفي آخرها يقول:
هجرتني والقلب غير سالي
كل السبب عساكر الحلالي
والحلالي هو حسين الحلالي عامل الإمام أحمد على الحجرية.
وثمة قصائد أخرى أرخت هذه العذابات أبرزها قصيدة البردوني: غريبان وكانا هما البلد، والثانية البالة لمطهر الإرياني، وقصيدة غريب على الطريق للشاعر محمد أنعم غالب. وغيرها.
عناوين ذات صلة:
الإفقار الممنهج – حرب السلالة على القطاع الخاص وعموم الناس
حلقة نقاشية تناقش رؤية استعادة النشاط الاقتصادي في تعز
رسوم الحوالات: الانقسام المصرفي ثقب أسود يلتهم أموال اليمنيين
مغزى الحوثيين من إرهاق المجتمع بالإتاوات ومضاعفة الزكوات
فريق الإصلاحات الاقتصادية يطلق ورقة سياسات للتخفيف من الأزمة في اليمن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.