عاد الدفء للعلاقات اليمنيةالايرانية بعد زيارة رئيس مجلس الشورى الايراني على لاريجاني الى صنعاء، وصدور عدة تصريحات من طهران تؤكد أهمية الامن والاستقرار في اليمن ودعم وحدته. وبدت الاجواء الايجابية واضحة وجلية في الخطابات اليمنية الرسمية بعد ان كادت تناولات اعلامية لقناة العالم الايرانية من تسخين الاجواء. لكن هذه المرة عبر بوابة مابات يعرف ب"الحراك الجنوبي، وليست احداث صعدة هي المصدر الوحيد لمؤشرات تلك العلاقة. فعلى خلفية الاحتجاجات الاخيرة في مناطق المحافظات الجنوبية والشرقية، نشر الموقع الالكتروني التابع لقناة العالم الايرانية عدة اخبار وتقارير تم اخفائها بعد ساعات من النشر، وقد تضمنت نقدا حادا للنظام اليمني، ووصفت خطاب رئيس الجمهورية يوم 25 ابريل الماضي ب"خطاب الحرب الثانية على الجنوب". وشبهت الاجراءات التي اعقبت حرب صيف 94م في المحافظات الجنوبية بنظام احتلال. وكانت الاجواء تنذر بحملات متبادلة وشديدة القسوة، لكن صنعاءوطهران على ما يبدو تلافت ذلك مبكرا ضمن تفاهمات معينة. وفي اجواء كهذه، جاءت زيارة رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني الى صنعاء والتي ترافقت ايضا مع تصريحات لاقت احتفاء رسميا بصنعاء لمسؤولين ايرانيين، اكدت جميعها، مسألة دعم ايران لامن واستقرار اليمن مقابل ما اعتبره لاريجاني " التحديات التي تستهدف النيل من وحدته التي تمثل صورة مشرقة في المنطقة." وفي اجواء النعومة المتبادلة، اهدى لاريجاني الرئيس علي عبد الله صالح سجادة ايرانية، اعتبرت بمثابة دلالة رمزية لا تخفى على متابعي السياسة الايرانية في المنطقة، والتي ترمز عادة الى الصبر والجلد واعتماد سياسة النفس الطويل. والتقى لاريجاني ضمن جدول زيارته عدد من المسؤولين في مقدمتهم رئيس الجمهورية ونجله العميد احمد علي عبد الله صالح، وزار جامع الصالح، وادى فيه شعائر صلاة الجمعة. وقد يكون المهم في سياق هذه الزيارة غير ما صرح به لاريجاني قائلا "هناك دسائس ومؤامرات يدبرها الكيان الصهيوني وعلى البلدان العربية والاسلامية ان تكون في غاية اليقظة والذكاء لكي تفشلها." بالاشارة الى العلاقات المتوترة بين بلاده وبعض الدول العربية. ولا حتى تزامن الزيارة مع اعلان طهران ارسال بارجتين حربيتين الى خليج عدن بحجة حماية السفن الايرانية من اعمال القرصنة، والانضمام بذلك للمرة الاولى الى بقية القوات الدولية المتواجدة في تلك المنطقة الاستراتيجية الحساسة. فطموح ايران القوي للتواجد بالمنطقة ومزاحمة الكبار واضح ومعروف، وهو مشروع من الناحية السياسية. لكن الاهم كما قد يبدو، هو الرغبة الايرانية الملحة للاستثمار في اليمن في ضوء المعلومات السابقة التي اشارت الى ان الجهات المختصة في الهيئة العامة للاستثمار رفضت او جمدت عدة طلبات ايرانية للاستثمار في اليمن. وفيما يبدو ان صنعاء تخشى استغلال طهران لهذه النافذة والثغرة الاقتصادية المهمة بهدف اكتساب شرعية التواجد اكثر داخل الاراضي اليمنية خصوصا بعد الاتهامات اليمنيةلايران اكثر من مرة بالتورط في احداث صعدة وفي غيرها. فانه من غير الواضح نتائج تلك الحميمية التي بدت على الجانبين في ختام الزيارة التي امتدحها لاريجاني قائلا انها " شملت كافة الجوانب التي تهم العلاقة بين البلدين، وخاصة في الجانب الاقتصادي وبحث فرص الاستثمار في اليمن في ظل ما توفره القوانين اليمنية من مزايا وتسهيلات في هذا الاطار." وفي غياب باقي الاجزاء التفصيلية غير ما تعلنه المصادر الرسمية المعتادة في مثل هذه المناسبات، او تكشفه معطيات القراءة الواقعية. تقدم العلاقات اليمنيةالايرانية صورة شائهة للباحثين والمهتمين، يرجعها البعض الى ضعف اليمن وعدم امتلاكه اي سياسة خارجية معتبرة باستثناء سياسة "الخبط والتهويش". والحال انه منذ اندلاع احداث صعدة صيف العام 2004م، فقد تكررت الاتهامات اليمنيةلايران بالتورط في تلك الاحداث، لكن من دون اي افق او تحديد معين، وكذلك اجراءات دبلوماسية تتناسب مع حجم التهم الموجهة على الاقل. لكن بالنظر الى التطلعات الايرانية في المنطقة، فان اليمن تعد بنظر محللون سياسيون ، موقع جيو سياسي فائق الاهمية. ويضاف الى ذلك وجود امتدادات فكرية في محافظة صعدة وفي غيرها مما يجعل الساسة في ايران على تطلع دائم لايلاء هذه البقعة الجزء الاكبر من التفكير. ********( قلق وصداع الجزيرة ) بينما كانت صنعاء تودع لاريجاني والوفد المرافق له باحتفاء، كان المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور عبد الكريم الارياني يستعد للتوجه الى الدوحة في زيارة رسمية وكمبعوث رئاسي للرئيس علي عبد الله صالح الى امير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني. وبعيدا عن باقي مضمون الديباجة الرسمية للرسالة التي حملها الارياني، فقد جاءت الزيارة في وقت تشهد فيه البلدين تحركات لافتة ورسائل متبادلة. حيث توسط زيارة الارياني بوقت وجيز اتصالين هاتفيين بين امير قطر ورئيس الجمهورية، الامر الذي دفع مراقبون سياسيون للاعتقاد بأن الهدف من ذلك، محاولة اليمن التغلب على حالة الفتور التي اعترت علاقة البلدين منذ عدة شهور. ولهذا ربطت مصادر سياسية بين زيارة الارياني وبين التناولات الاعلامية الاخيرة لقناة الجزيرة التي يرى البعض انها ركزت الانظار اكثر نحو الاوضاع في اليمن خلافا لما كان عليه الحال في السابق. فرغم ابتعاد القناة الى حد كبير عن تغطية احداث الحروب الخمسة في محافظة صعدة، الا انها ظهرت بقوة مؤخرا في قضايا الاحتجاجات التي تشهدها بعض مناطق المحافظات الجنوبية، وهو ما أثار الانزعاج الواضح لدى السلطات اليمنية. يعود ذلك الى قمة الدوحة الطارئة من اجل غزة التي تراجعت اليمن عن حضورها بشكل مفاجئ في اللحظات الاخيرة. ورغم حضور رئيس الجمهورية القمة العربية في الدوحة، الا انه انسحب من الجلستين الختامية والمغلقة احتجاجا على تجاهل مبادرته بشأن اتحاد الدول العربية. واستبق القمة بمهاجمة الوساطة القطرية في صعدة التي قال متأسفا انها كانت السبب في تشجيع الحوثيين على التمادي. وفي كلا الحالتين، تجاهلت القناة اجراءاته تلك، وابرزت في خارطتها البرامجية احداث الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية ابتداء بالحوار الذي اجرته مع المهندس حيدر ابو بكر العطاس، والذي تشير معلومات، الى ان القناة استدعته من الارشيف عن عمر يقارب العام. ولمعرفة الاثر الذي احدثه الحوار على الجانب الرسمي في صنعاء، فقد قال الدكتور عبد الكريم الارياني قبيل زيارته للدوحة ان العطاس اغلق كل ابواب التفاهم بعد حواره الاخير مع الجزيرة. وزاد قائلا اثناء سؤاله فيما لو احسن استغلال صداقته مع الرجل " الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.. لقد ذهب مشرقا وذهبت مغربا أو ذهبت مشرقا وذهب مغربا". وبما ان زيارة الارياني قد سبقت برنامج الاتجاه المعاكس الذي استضاف عضو التجمع الديمقراطي الجنوبي المعارض في لندن عبده النقيب، وتناولات اعلامية اخرى بينها ظهور علي سالم البيض للمرة الاولى في المؤتمر الصحفي الذي ناشد فيه الدول العربية والاجنبية بفك الارتباط عن الوحدة، وهي تناولات يتوقع ان تتكرر بوتيرة اكبر خلال الفترة المقبلة. يبدو ان لا زيارة الارياني ولا الرسائل المتبادلة بكثرة بين صالح وامير قطر قادرة على التخفيف من حدة الخطاب الاعلامي للاصوات الجنوبية في شاشة الجزيرة، فهل فشلت زيارة الارياني؟ شاكر احمد خالد كاتب وصحفي يمني [email protected]