الصحة: استشهاد وإصابة 38 مواطنًا جراء العدوان على الأمانة ومحافظتي صنعاء وعمران    رئيس مؤسسة الإسمنت يتفقد جرحى جريمة استهداف مصنع باجل بالحديدة    المؤتمر الشعبي وحلفاؤه يدينون العدوان الصهيوني الأمريكي ويؤكدون حق اليمن في الرد    إسرائيل تقصف مصنع أسمنت عمران وكهرباء حزيز    توسّع في تعليق الرحلات الجوية إلى مدينة "يافا" بعد قصف مطار "بن غوريون"    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    الذهب والنفط يرتفعان مدفوعين بالمخاوف التجارية واقتناص الفرص    إسرائيل تشن غارات على مطار صنعاء وتعلن "تعطيله بالكامل"    سلسلة غارات على صنعاء وعمران    العليمي يشيد بجهود واشنطن في حظر الأسلحة الإيرانية ويتطلع الى مضاعفة الدعم الاقتصادي    قاذفتان استراتيجيتان أمريكيتان B-52H تتجهان إلى المحيط الهندي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    توقعات باستمرار الهطول المطري على اغلب المحافظات وتحذيرات من البرد والرياح الهابطة والصواعق    تسجيل اربع هزات ارضية خلال يومين من خليج عدن    حكومة مودرن    بعد 8 أشهر ستدخل المحطة الشمسية الإماراتية الخدمة    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    معالجات الخلل!!    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي محسن.. مفارقات تثير الجدل

لا يمكن لأحد أن يعيش سبعين عاما في الخفاء ثم يخرج للضوء فجأة من غير أن يستشير طبيب العيون لأنه -إن فعل ذلك- سيفقد بصره بالتأكيد. لكن الأمر يبدو مختلفا مع اللواء علي محسن صالح.

كان في الخفاء على امتداد هذه الفترة، لكنه ظل ظاهرا للعيان واضح المكان لا يثير جدلا ولا يجد فيه اثنان مجالا للنقاش ولو كان هذان الاثنان هما الشخص ونفسه.
خرج إلى الضوء معلنا -يوم الاثنين 21 مارس- انضمامه للثورة الشعبية في اليمن بعد مجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس. وعندما برز للعيان اكتنفه الغموض وغمض عن العيون وأصبح مثارا للجدل. مسجلا -بذلك- المفارقة الأولى منذ إعلان انضمامه للثورة. لتظهر وراءها مفارقات كبيرة يحملها الرجل على عاتقه كما يحمل رتبته العسكرية على كتفه.
قبيلي ينتمي إلى قرية الرئيس، لكنه يؤمن -كما قال في أحد خطاباته- بالفقه الحر الذي دفعه إلى تجاوز الفكر التقليدي.
في السبعينات من عمره، لكنه يضم صوته إلى صوت الشباب.. عاش عمره في العمل العسكري ومخالطة العسكر، لكنه يطالب بدولة مدنية.
لا يضع السلاح، والسلاح ملاذه الأول وخياره الأوحد عند كل ملمة، شأنه -في ذلك- شأن كل عسكري. لكنه يتمسك بخيار السلمية كخيار وحيد.
لم يظهر يوما على شاشة قناة تلفزيونية أو ضيفا في حوار على صفحة في جريدة، وانبرى -على الكبر- متحدثا ومفاوضا سياسيا.
ويشكك صالح في الأمر ويقول إنه يعرف من يكتب لعلي محسن بياناته وخطاباته، راميا -من وراء ذلك- إلى الانتقاص من الرجل أولا، وإلى تأكيد صلته بالقوى الحزبية المنضمة للثورة -ثانيا- ليصورهم طرفا واحدا يستهدفه ونظامه على خلفية الخصومة السياسية خلال الفترة الماضية. إلا أن علي محسن يفند ذلك عمليا ويظهر على القنوات العالمية متحدثا -على الهواء مباشرة- من غير حاجة إلى من يملي له ما يقول أو يملي عليه.
يتبنى خطاب الثورة ويطالب علي صالح بالرحيل عن السلطة ويتهمه بتزوير الانتخابات الرئاسية والصعود إلى كرسي الرئاسة بالتزوير، لكنه يعلق صورة صالح خلف كرسيه في مكتبه بقيادة الفرقة الأولى.
وإضافة إلى ذلك، لا يتحرج أن يستقبل في هذا المكتب قيادات الثورة وشبابها وسائر الضيوف بصفاتهم المختلفة، بل وسائل الإعلام، وقد ظهر -سابقا- على وسائل الإعلام المرئية وهو في هذا المكتب وصورة صالح معلقة فوق رأسه. وظهر فيه مجددا الأسبوع الفائت حين استقبل المبعوث الأممي جمال بن عمر.
من زاوية أولى: يبدو علي محسن -في ذلك- متزنا ضابطا لأعصابه ونافيا عن نفسه صفة الانفعالية. كما يوحي بأن انضمامه للثورة ومطالبته بتنحي صالح قرار نابع من رؤيته للمصلحة الوطنية بعيدا عن مشاعره الشخصية تجاه صالح.
لكنه -من زاوية ثانية- يستفز أعدادا من شباب الثورة ومكوناتها حيث يظهر لهم بذلك السلوك أنه لا يزال يتعامل مع صالح على أنه الرئيس.
ومن زاوية ثالثة: يفتح -بذلك- ثغرة أمام الإعلام التابع للنظام للدخول منها والقيام بمهمة التشكيك في ولائه للثورة، والإيحاء بولائه للرئيس. وهي المهمة التي دأب إعلام النظام اليمني على تنفيذها منذ إعلان الرجل انضمامه للثورة، ولا يزال.
وكانت حوائط الفيس بوك بعد لقائه بجمال بن عمر الأسبوع الماضي وسيلة لكثير من المسجلين فيها للتعليق -إيجابا وسلبا- على ظهورهما في ذلك المكتب ومعهما علي صالح معلقا على الجدار.
لقد ظل علي محسن وقيادات «الجيش الوطني»، بل والجيش الوطني برمته، ظلوا هدفا لصالح وعائلته خلال السنوات الماضية، وأكد علي محسن أن صالح تعمد تصفية هذا الجيش. وكشفت وثائق ويكيليكس أن الرجل نجا من محاولة اغتيال دبرها علي صالح أثناء الحرب السادسة في صعدة وأراد توريط المملكة العربية السعودية بها.
ويثير علي محسن -في الوقت الحالي- سخط صالح وعائلته ونظامه، وأصبح الهدف الأول لهم، وتعرض لأربع محاولات اغتيال متتالية خلال ستة أشهر. كما يمثل لإعلامهم هدفا أولاً، ولا يزالون يوجهون إليه نيرانهم ويحاولون اغتياله في كل لحظة.
كما يثير -في ذات الوقت- أطرافا من مكونات الثورة داخل اليمن، أشخاصا أو تكتلات، ولا يزالون يصوبون إليه نيرانهم ويحاولون اغتياله في كل لحظة أيضا.
وخرج شباب الثورة -يوم خرجوا ثائرين على صالح ونظامه العائلي- وكلهم أمل في أن يكون للجيش موقف وطني من ثورتهم، وغاية ما تمنونه هو أن يلتزم الجيش بالحياد كما فعل الجيش المصري ومن قبله الجيش التونسي. وفاجأهم الجيش الوطني بقيادة علي محسن بأكثر مما تمنوا، وتجاوز -في موقفه- الحياد، معلنا التأييد.
وسئل الدكتور ياسين سعيد نعمان عن هذه النقطة ذات مرة فأجاب ممتدحا موقف علي محسن: لو كان علي صالح وأولاده انضموا للثورة لوفروا على اليمن كل هذا العناء!!
ويشكل انضمامه للثورة -بما يقود من قوة عسكرية وما تبع ذلك من انضمامات مماثلة لأربع مناطق عسكرية من أصل خمس- مصدر قلق للأطراف الدولية التي تخشى احترابا في اليمن يؤثر على مصالح العالم المرتبطة بالموقع الجغرافي لليمن.
ولا يستبعد أن يكون هناك اتفاق ما يزال ساري المفعول حتى اللحظة جرى بين صالح وأطراف خارجية لاغتيال علي محسن باعتبار أن اغتياله سيكون بمثابة عامل يحدث تغييرا كبيرا في معادلة القوة العسكرية لصالح النظام، وبما يجبر مكونات الثورة على خفض سقف مطالبها بشأن بقاء جوهر نظام صالح في المستقبل.
ويمنّ صالح على الجيش المنضم للثورة باستمرار رواتبهم. وتلك واحدة من نوافذ إعلام صالح لتشكيك شباب الثورة في ولاء الرجل لثورتهم وصدقه في مواقفه معهم، في حين أن استمرار رواتبهم هو الطبيعي والمنطقي والقانوني كون المنتسبين لهذا الجيش مداومين في مواقعهم ويؤدون مهامهم. وقطع رواتبهم -إن حدث- هو الإجراء المخالف للقانون، نظرا لأن الرواتب تدفع بقرار إداري لا يأخذ بالحسبان الولاء لرأس النظام من عدمه.
وعلى ذلك، لا يستمر صالح في صرف رواتبهم التزاما بالقانون أو من منطلقات أخلاقية أو إنسانية. وإنما يفعل ذلك عاجزا عن فعل العكس. حيث حصل -فيما يبدو- على نصيحة خارجية تمنعه من ذلك، هذا إذا لم يكن يتعرض لضغط خارجي بهذا الخصوص. كما يخشى أن يكون في قطع رواتبهم ما يستفزهم ويشكل دافعا إضافيا لعجلة للثورة. وفوق هذا وذاك، ربما يعتقد صالح -ومعه تلك الأطراف الخارجية إن صح اتفاقه معها على اغتيال محسن- أن نجاحه المنشود في اغتيال الرجل سوف يمكنه من استعادة كثير من هذه الوحدات العسكرية التي يريد -حاليا- الحفاظ على هدوئها وعدم استثارتها بما يمسها بشكل مباشر من قبيل الرواتب والمعاشات، ولا يزال يغازلها إعلاميا ويظهر لها لين الجانب، متحدثا -تارة- عن بقاء الباب مفتوحا أمامها للعودة، وتارة عن ما يسميه عفو عام بحقها.
وما يؤكد أن ذلك ليس من منطلق قانوني ولا أخلاقي هو السلوك العام الذي يسلكه صالح بحق الوطن والمواطن، مدنيا وعسكريا، مما لا يراعى فيه أبسط قيمة قانونية أو أخلاقية أو إنسانية، وكذا قيامه -على وجه الخصوص- بإيقاف رواتب المنضمين للثورة من المنتسبين للقوات التي لا تزال موالية له بحكم تبعيتها إداريا لأولاده وإخوانه وأولاد أخيه من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وقوات النجدة وغيرها. إذ لا مطمع له في هؤلاء الذين لا يرى أن استعادتهم -بعد اغتيال علي محسن- يمكن أن تشكل له مكسبا إعلاميا أو سياسيا أو حتى عسكريا.
وألقى صالح السبت الماضي خطابا افتخر فيه -كالعادة- بروحه الوطنية وأخلاقه التي منعته من قطع معاشات الوحدات العسكرية المنضمة للثورة من قوات علي محسن والمناطق الأخرى.
ويقف أحد المنتسبين لقوات الحرس الجمهوري من المنضمين للثورة أمام شاشة التلفزيون، ويعلق متسائلا عن غياب هذه الروح الوطنية وهذا المستوى الأخلاقي عندما يتعلق الأمر برواتب الآلاف من المنضمين للثورة من القوات التي يديرها أولاد الرئيس وأصهاره، خاصة وأن عددهم يتجاوز اليوم ثمانية آلاف فرد!؟
وتبدو قوة علي محسن الحالية واحدة من مصادر قوة الثورة، وعامل تطمين لكثير في صف الثورة ممن ينتظرون منه مواصلة الدور الفاعل في إسقاط النظام.
وبالمقابل، يمكن القول إن ضعفه -إذ لا طموح ولا وارث- هو أيضا مصدر قوة للثورة وعامل تطمين لكثير في صف الثورة ممن يخشون بوادره بعد سقوط النظام!!
وتظهر هذه واحدة من أبرز المفارقات في الرجل إذ بدا أن قوته وضعفه كليهما في صالح الثورة.
وإلى ذلك: قال في واحد من خطاباته إنه بلغ السبعين وإنه يريد أن يستريح. مظهرا إدراكه للعمر وإحساسه بالزمن. لتكون آخر المفارقات لديه أن مستقبله مضى، وأن مستقبله هو -فقط- ماضيه!!
لقد كان مُضي علي عبدالله صالح في مخطط التوريث سببا مباشرا لهذه الثورة، وسببا لأسبابها الأخرى. ولولا التوريث لتكفلت السبعون عاما بالثورة ولقضي الأمر في طرفة عين.
وذات الأمر ينسحب على اللواء علي محسن الذي يحث الخطى نحو اللحظة التي يضع فيها محبيه وكارهيه أمام الأمر الواقع، إذ لن يطيل البقاء وهو يمضي في العقد الثامن من عمره، وفي أي لحظة سيعلن المغادرة منقطعا بلا امتداد يورثه السلطة والقوة.
والجدل الحالي سيظل محصورا في ماضيه وحاضره. أما ما يتعلق بالمستقبل ووضعه -بعد سقوط صالح- فلن يمثل مصدر قلق حيث لن يكون أمام شباب الثورة من هو أعتى من صالح. وإن كان لا يزال فيه ما يقلق تلك الأيام رغم تجاوز السبعين والاقتراب من الثمانين، فالمسألة ليست إلا وقتا يكاد ينتهي قبل أن ينتهي.
وها هو القلم يخط الخاتمة، وعما قليل يصبح الكتاب في متناول أيدي القراء، والدار المتكفلة بطباعته ونشره لا تتأخر عن موعدها (فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون)!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.