لست بحاجة أن أقول أن الذكي هو من يستفيد من دروس الحياة ويتعلم من أخطاء غيره فقديماً قيل " السعيد من اتعظ بغيره " وفي المقابل فان من الحماقة أن لا نتعلم من دروس الماضي وان نمضي نحو المجهول ونرتكب أخطاء من سبقونا دون أن نقيم لتك الأخطاء وزناً. عقب حرب صيف 1994م التي اندلعت بين شريكي الحكم حينها, وخروج قوات الوحدة والشرعية منتصرة في مواجهة الانفصال, كانت قضية الجيش الذي قاتل مع الانفصال تؤرق كثيراً من السياسيين وتباينت الآراء حولها, وكان هناك رأيان هما الأقوى نتيجة لانهما يسمتدان قوتهما من قوة أصحابهما, فكان الرأي الأول يقول بأنه لابد من عودة الجنود الجنوبيين ودمجهم في الجيش مرة أخرى, وهذا الرأي كان يتزعمه اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع, والرأي الأخر كان يتبنىء بقوة خيار عزل ذلك الجيش وإحالة أفراده إلى التقاعد بهدف تصفية الخصوم اتقاء لاشتعال النار من تحت الرماد وكان الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح يقود ذلك الاتجاه بقوة, وفي الأخير افترق الرأيان فعمل اللواء علي محسن الأحمر على استيعاب عدد لا بأس به من الجنوبيين في الوية الفرقة الأولى مدرع, بينما عمل الرئيس المخلوع على احالة الكثير من الضباط الجنوبيين إلى التقاعد المبكر. لم تمر سوى عشر سنوات حتى رأى صالح أن يتخلص ممن تبقى من الجنوبيين في الوية الفرقة الاولى مدرع فاتجه نحو اشعال حروب صعدة والتي اثبتت الايام انها كانت حرباً تم التوافق عليها سلفاً بين الحوثي والنظام السابق, وقتل الحوثي المئات من الضباط المنضويين تحت الوية الفرقة , وكلما اقترب ابطال القوات المسلحة من القضاء على الحوثيين تأتي الاوامر العليا من الرئيس المخلوع حينها بايقاف الحرب. كان صالح يريد ان يتخلص من الضباط الجنوبيين اضافة الى اضعاف الفرقة الاولى مدرع التي كانت تمثل حينها عائقاً امام مشروع التوريث, وصولاً الى المحاولات المتكررة لاغتيال اللواء علي محسن الاحمر الذي كان سداً منيعاً امام طموحات الابناء. لست هنا بصدد استعراض التاريخ الاسود للرئيس المخلوع بقدر ايضاح الأخطاء التي ارتكبت حينها ولم تصحح, ففي العام 2007 انفض العسكريون من خمولهم وانتفضوا ضد الإقصاء والتهميش والإبعاد وتكونت أول نواة للاحتجاج عبر جمعية المتقاعدين العسكريين, وبدلاً من الاتجاه نحو ايجاد حلول لتلك القضية الحقوقية اتجه النظام السابق نحو توزيع التهم واللجوء إلى أسلوب التطنيش وظل يصف تلك الاعتصامات باقذع الاوصاف ويقلل من شأنها, ومع مرور الايام تطورت تلك الفعاليات الاحتجاجية لتشمل كل مناطق الجنوب, ولكن - وللاسف - تم اختراق تلك المكونات السلمية للحراك الجنوبي من قبل الحوثي وبدعم ايراني وتم تشكيل عصابات مسلحة يتم تدريبها خارجياً في بيروت وغيرها واصبحنا امام مأزق خطر يجب ان نعالجه, مأزق يؤرق اليمنيين سواء في الجنوب أو في الشمال. مع اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية وحين اوغل النظام السابق في قتل اليمنيين واسرف في اهدار الدماء راء ابطال الجيش ان موقفهم هو الدفاع عن اليمن واليمنيين وليس الدفاع عن العائلة, فخرج اللواء علي محسن الاحمر بخطابه التاريخي يوم 21 مارس ليعلن تأييده لثورة الشباب الشعبية السلمية وتبعته في ذلك العديد من الألوية وأبطال الجيش, وبالنسبة للالوية التي لم تستطيع ان تؤيد الثورة بشكل كامل وخصوصاً في الحرس والامن المركزي خرج المئات من الضباط الاحرار ليعلنوا انضمامهم إلى ثورة الشباب الشعبية السلمية, ومنذ تاييدهم للثورة وانضمامهم للجيش الحر قام قائد المنطقة الشمالية الغربية بتحمل أعباء رواتبهم الشهرية منذ ذلك اليوم وحتى اليوم, في الوقت الذي لم تقم فيه اللجنة العسكرية ووزارة الدفاع بمعالجة مشاكل المنضمين للثورة وحتى اولئك الذين جندوا دفاعاً عن دماء اليمنيين. هناك من يريد ان يستثمر معاناة الجنود المنضمين للثورة بهدف جعلهم عبرة لغيرهم وبالتالي خلق شعور عاما ًبالاحباط من الثورة التي يرى بعض المنضمين للثورة انها لم تحقق لهم حتى عودة رواتبهم المقطوعة التي يصادرها بعض القادة العسكريين المحسوبين على بقايا النظام, اضافة الى إن هناك من يريد أن يجعل من المنضمين للثورة أهداف مرتدة الى نحر الثورة والجيش المؤيد لها. مهما يكن فان مايعانيه الجنود المنضمين للثورة يجعل من قضيتهم قضية محورية يجب الاهتمام بها وتقديمها حتى على موضوع الحوار, فبالأمس تم اختطاف مراد العوبلي احد أبطال محرقة ساحة الحرية بتعز من قبل جنود الحرس المنضمين للثورة, وغداً قد ربما نسمع باختطاف قائد عسكري اخر, وبعد غد قد ربما نسمع بسيطرة أحياء في العاصمة صنعاء وقطع طرق رئيسيه وقد ربما يتطور الامر الى ماهو اشد من ذلك. قضية المنضمين إلى الثورة لا تختلف عن قضية المتقاعدين, وحراك الجنوب قد ربما يمتد هذه المره ليصل الى الشمال, ومالم يتم حلول تلك الاشكاليات بصورة عاجلة فقد نعض اصابع الندم في المستقبل.