مسؤول صهيوني يكشف الخسائر من "الجبهة اليمنية" ويعلن الاستعداد لعدوان جديد على إيران واليمن    اتحاد الشعب العربي والخليجي يدين العدوان الامريكي على صنعاء    الكيان يكثف قصف غزة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي؟    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    رئيس الوزراء "معين بن بريك" يغادر إلى الرياضك "نموذج ساقط للإعلام المعادي"    تحالف ديني مذهبي يمني يستهدف الجنوب    المعلا: مديرية بلا مأمور أم مأمور بلا مديرية؟    هل ينجو حزب "الإصلاح" من ماضيه الإخواني الأسود عبر بوابة إسرائيل؟    محمد وزهير الزعكري .. شهيدان اقتفيا أثر والدهما    مكاسب كيان الاحتلال من القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة    قمة الدوحة تدعو إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل    بايرن ميونيخ يخسر جهود غيريرو قبل مواجهة تشيلسي وهوفنهايم    الاهلي السعودي يتخطى ناساف الاوزبكي في دوري ابطال اسيا    الحالمي يؤكد : تفاعلنا مع بطولة بيسان تقديرًا للحروي وحرصًا على إنجاح البطولة    الذهب يسجل أعلى مستوى تاريخي جديد    ناطق الإصلاح: العمل السياسي لم يعد ترفاً بل واجباً لحماية حق اليمنيين في الحرية والكرامة    المبعوث الأممي يحذر من مخاطر التصعيد في اليمن ويطالب بوقف الاعتقالات والإفراج عن موظفي الأمم المتحدة    بيان إدانة    التضخم في السعودية يسجل أعلى وتيرة ارتفاع منذ أكثر من عامين    تدشين العمل بشق قناة تصريف مياه الأمطار في بني الحارث بمبادرة مجتمعية    ضبط كمية من الذرة المجروشة غير الصالحة للاستخدام في تعز    شرطة العاصمة عدن تستعيد مسروقات ثمينة من فندق في خور مكسر وتطيح بالمتهم.    المنصوري يتسلم مهامه وكيلًا للعاصمة عدن لشؤون الدفاع    حالتها مستقرة.. جلطة ثانية تصيب حياة الفهد    ديسمبر.. «شمس الزناتي 2» في دور العرض    اليمن يدعو إلى تدابير عربية واسلامية لكبح السياسات الصهيونية التوسعية في المنطقة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة عبدالله يحيى الآنسي    افتتاح مدرسة الطارفة في أبين بعد توسعتها بتمويل إماراتي    محافظ شبوة يستقبل فريق مبادرة دليل شبوة الطبي الإلكتروني    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    ميان والعنود تدعمان دفاع سيدات القادسية    المرة الأولى منذ 2019.. النصر يبدأ الدوري بفوزين    برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية    ضروري من قنبلة دين وضمير    اندلاع اشتباكات بين قوة عسكرية ومسلحين قبليين شرق حضرموت بعد اعتراض ناقلات نفط    الدكتور عبدالله العليمي يؤكد دعم مجلس القيادة الرئاسي للبنك المركزي اليمني    منظمة صحفيات بلاقيود : مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    سريع يعلن عن استهداف مطار وهدف عسكري في فلسطين المحتلة    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    يوفنتوس يقتل إنتر في ديربي إيطاليا    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    في محراب النفس المترعة..    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من لم يعلمه الزمن.. يعلمه اليمن!

اللحظة الدراماتيكية - على طريقة تسليم شعلة الأولمبياد - التي سلم فيها الرئيس اليمني السابق - أو الباقي أو المجاز، لكن حتما ليس المخلوع بالصيغة التي يتخيلها الثوار - تبدو أقرب إلى روح السينما الأميركية التجارية المعتمدة على تكثيف اللحظة العاطفية ولو بشكل مفتعل، لكن أداء الرئيس علي عبد الله صالح كان متميزا بغض النظر عن أي معيار تقييمي آخر سوى أن الرجل كان أذكى الحكام المثار عليهم، وربما يرجع ذلك للخبرة الطويلة التي مارسها كضابط إيقاع بين المتناقضات، القبائل والمثقفين والاشتراكيين والانفصاليين وحتى الحوثيين.

لقد كان صالح رجل التفاصيل الصغيرة في الداخل، حيث أطلق رجال عائلته والمقربين منه لإحكام القبضة الأمنية والاقتصادية وحتى العلاقات بين الفرقاء، كما كان رجل الشعارات الكبيرة في الخارج، حيث التلويح والضغط بكارت «القاعدة» للغرب والدول المجاورة، وبث القلق حول انفجار الأوضاع بسبب ما آلت إليه الحالة اليمنية اقتصاديا، حيث استطاع أن يتنصل من مسؤولية الدولة ليجعل المجتمع الدولي يشعر بتأنيب الضمير السياسي تجاه تقصيره في اليمن، الذي بات أكثر خطرا وتهديدا مع هجرة «القاعدة» إليه، وأكثر استقطابا للتحالفات السياسية بعد دخول المحور الإيراني له عبر بوابة الحوثيين العريضة والغامضة. ومن الجدير بالذكر أن المحور الإيراني بدأ يتخطى ارتكازه على الحوثيين في اليمن لينتقل إلى مجموعات وأطياف من المعارضة النخبوية والتي تضم لفيفا غير مؤثر من الصحافيين والناشطين ذوي الميول اليسارية والناصرية، الذين استطاع صالح باقتدار تهميشهم بل وجعل الشارع الثائر يلفظهم.
أزعم أن دهاء صالح السياسي مكنه حتى من التحكم في إيقاع الثورة، وإن كان خطؤه الاستراتيجي ارتباكه في تقديره حجم أنصاره، وقدرة الغضب السياسي في الشارع على التحول إلى براكين مشتعلة متى ما سال الدم، وإن كان الأكيد أن جزءا من تصاعد الثورة اليمنية كان مناطا بالخارج، وسرعة المبادرة الخليجية ودقتها، ووحدة النسيج اليمني بسبب رافعة القبيلة حتى بين «الإصلاح» و«اللقاء المشترك» والقبائل؛ إضافة إلى الارتدادات «المعنوية» لباقي الثورات على اليمن.
من رئيس مثار عليه إلى مستهدف بالتفجير إلى رئيس مؤقت إلى معزول إلى حاضر كنظام ومؤسسة وغائب كشخص، تبدو سيرة الرجل السياسية بحاجة إلى دراسة أوسع لا سيما أن «حفلة» الأمس رغم رومانسيتها الرمزية فإنها لحظة استحقاقات كبرى لليمن الجديد، بدأت تطلق صافرات الإنذار لدول الجوار وعلى رأسها بالطبع السعودية المعنية بشكل جوهري وأساسي باليمن. فمسلسل التفجيرات القاعدية الشهير بدأ، والرغبة في الانفصال بدت أكثر من ذي قبل لدى الجنوبيين، وحتى الشارع اليمني بدأ يشعر بأن غنائم ثورته لم تطله أبدا.
في كلمته، قال عبد ربه منصور هادي الرئيس الجديد «كل ما أتمناه أن أقف بعد عامين في مكان علي عبد الله صالح، وأن يقف الرئيس الجديد في مكاني، وكل طرف يودع الثاني، وهذه سنة الحياة في التغيير». التركيز على الرئيس القادم والتمحور حوله هو مطلب الجميع، لكنه ليس ما سيعيد عافية اليمن، فالاستحقاقات الأمنية والاقتصادية والوحدة أهم بكثير من أي تغييرات شكلية نحن نعلم أنها لم تطل ولن تطال الجيش، وإن كانت هناك عمليات تنظيف واسعة لمرافق الدولة تشبه إلى حد ما طريقة «الطلاق الإيجابي» الذي حدث مع الرئيس.
هذا الطلاق الإيجابي تصر المعارضة على تصويره خلعا، وتمضي في المطالبة بضرورة هيكلة القوات المسلحة وإقصاء عائلة صالح عن الجيش والأمن، وكما جاء على لسان أحد أقطاب المعارضة «لقد انتخبنا هادي ليكون رئيس اليمن لا موظفا عند علي عبد الله صالح».
أعتقد أن ثمة مغالطات كبيرة في فهم طبيعة علاقة الرئيس بالمكونات السياسية للمجتمع اليمني، وهو أمر تكاد ينفرد به اليمن دون غيره، وهو ما تحدثت عنه في مقال سابق عن مفهوم الشكلانية السياسية في اليمن، وأنها قائمة على «قبلنة» الدولة الحديثة أكثر من تمدين القبلية، وهو نموذج إلى حد كبير يشبه مشروع الأسلمة الذي تتبناه جماعات الإسلام السياسي، وإن كان بشكل أكثر انفصالا عن أي رؤى آيديولوجية ضيقة.
من جهة ثانية، فإن بقاء عائلة الرئيس، وهو شكل من أشكال بقاء الرئيس نفسه، بات مطلبا أميركيا بالدرجة الأولى، بعد أن شكلت تهديدات عودة «القاعدة» إلى المشهد جدية أكبر خلال الأسابيع الماضية، والأمر المرشح للتصعيد متى استطاعت «القاعدة» تنفيذ ضرباتها وخلق الفوضى من جديد.
الرؤية الأميركية الجديدة لليمن تتلخص في إيجاد خطط طويلة المدى لإعادة تأهيل المؤسسات العسكرية بطريقة تمكنها من التصدي ل«القاعدة»، وهي خطط تذكرنا بأخطاء الأميركيين في أفغانستان، وذلك بالتركيز على الأمن وإغفال مسببات انفجار الأوضاع، وهي اقتصادية بامتياز في اليمن، كما أن مغامرة الأميركيين بإرسال فرق عسكرية صغيرة لإنفاذ ضربات ل«القاعدة»، أو حتى نشر طائرات من دون طيار، ستؤدي إلى نتائج كارثية، بل ستسهم في خلق شرعية جديدة ل«القاعدة»، بينما تحسين الأوضاع، وهو الحل الأصعب والأطول، سيجعل اليمنيين بفعل ميكانيزم الشرعية القبيلة يطردون «القاعدة» بأنفسهم. صحيح أن الحل ليس بهذا التبسيط، لكن «القاعدة» في اليمن كيان تتم تغذيته من الداخل والخارج للعب به أكثر من إحداث تغييرات شاملة أو تأسيس دولة خلافة وإمارة إسلامية على طريقة العراق وأفغانستان.
أصدقاء اليمن الحقيقيون اليوم هم من أخرجوا البلاد من مأزق الانهيار بفعل الثورة، ورغم كل ما قيل عن المبادرة الخليجية فإنها كانت ضمانة سياسية واقعية، أفرزت هذا الوضع الذي يعد الأكثر نجاحا على مستوى الثورات، لكن اليمن اليوم بحاجة إلى أصدقائه أكثر مما مضى، فالثورات يمكن أن تولد من جديد بسبب ضغط السلطة المركزية ووقوف البلد على الحافة اقتصاديا، هذا إذا ما تجاهلنا التضخم الحوثي في منطقته والمعزز بتحالفات جديدة مع اليسار الثائر على هوية الثورة الإصلاحية، إضافة إلى ارتباك الجنوب بين تطلعاته للمرحلة الجديدة وانقسامه كمكون سياسي بين هويتين، الأولى انفصالية تعيش على أحلام الماضي، لكنها لا تملك مشروعا سياسيا واضحا ومحددا، والثانية تخص مجموعات قتالية أوسع من أن تصنف ك«قاعدة» تريد أن تسيطر على مناطقها الخاصة وتقيم فيها ما يشبه الاستقلال أو حتى الارتباط غير المركزي بصنعاء. وكما أسهمت المبادرة الخليجية في إعادة الدور الاستراتيجي لدول الجوار في اليمن بعد سنوات من القطيعة والارتباك وسوء الفهم كان أبرز ما فيها استثمار النظام السابق للأزمات لتثبيت وضعيته كضامن وحيد لاستقرار اليمن، فإن الأهم الآن هو إطلاق حزمة من المبادرات الاقتصادية والمشاريع التنموية لانتشال اليمن من الحافة.
في التجربة اليمنية للثورة الكثير من الدروس والعبر بالمعنى السياسي في علاقة الديني بالسياسي بالقبلي، وعن بلد مسلح بما يزيد على ستين مليون قطعة سلاح، لكنه الأكثر سلمية وتماسكا في ضبط ردود فعله. قديما كان المهاجرون اليمنيون يهددون أبناءهم بتهجيرهم لمقاربة شظف العيش والرجولة والمسؤولية بقولهم «من لم يعلمه الزمن يعلمه اليمن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.