يسعى تنظيم القاعدة الى توطيد اركانه في الاراضي اليمنية مستفيدا من حالة الفوضى والاضطراب التي تشهدها الساحة المحلية. وبات التنظيم واحدا من بين ثلاثة تحديات رئيسية بارزة تواجه اليمن في الوقت الحالي على الاقل الى جانب الحوثيين وقوى ما بات يعرف بالحراك الجنوبي.. ولعل تطورات صعدة الاخيرة وتفشي حالة الانفلات الامني في بعض مناطق ومديريات المحافظات الجنوبية والشرقية، وكذلك عودة الاحتجاجات مع بروز مؤشرات التصعيد، كل ذلك يعطي القاعدة قوة دفع اضافية وتهيئ له المناخ المناسب للنشاط والحركة. وتأتي التطورات الاخيرة والمتصاعدة بشكل متزامن سواء على جبهة الحرب في صعدة او الاحتجاجات الجنوبية في الوقت الذي ظلت فيه تحركات التنظيم ونشاطاته خلال الآونة الاخيرة تثير قلقا اقليميا ودوليا متزايدا، خاصة منذ عملية الاندماج الشهيرة مطلع العام الحالي تحت لافتة " تنظيم قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية"، وقد استطاع التنظيم من خلال عدة عمليات ومحاولات تسجيل حضوره الاقليمي والدولي، واثار المخاوف الحقيقية من تنامي نفوذه وتنفيذ تهديداته في أكثر من مكان. وليس بوسع الأمريكيين وغيرهم من المهتمين بالظاهرة سوى التعبير عن مزيد من القلق حيال كل ظهور جديد ذي صلة بالقاعدة. ففي العمليتين البارزتين مؤخرا، أي محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي الامير محمد بن نايف في اغسطس الماضي، كما عملية قاعدة "فورت هود" الامريكية التي اودت بحياة 13 جنديا امريكيا وجرحت اخرين، وجد الخبراء والمحققون بأن هناك مزيدا من الدلائل العملية لتحذيراتهم السابقة والمتكررة بشأن تحول اليمن الى دولة شبيهة بأفغانستان. وبعد أكثر من ثمان سنوات على احداث 11 سبتمبر 2001م وانطلاق الحرب الامريكية الدولية ضد ما تسميه ب"الارهاب"، تواجه الادارة الامريكية انتقادات شديدة، وتبين المؤشرات على الارض، وفي أكثر من مكان، بأن الارضية صارت مهيأة للقاعدة. وتعد الاوضاع التي تشهدها جبهة الحدود الباكستانية الافغانية خير مثال على فشل الاستراتيجية الامريكية. أما في اليمن، فقد ظلت التقارير الغربية تترى محذرة من تحول البلاد الى أحد الملاذات الامنة لعناصر القاعدة بناء على توافر عديد مؤشرات. وفيما كانت الانظار تتجه نحو صعدة في محاولة لمعرفة ما ستسفر عنه التطورات، اذا بالحوثيين يوسعون نطاق المواجهات العسكرية لتشمل الاراضي السعودية، ومنذ بداية نوفمبر الماضي تشهد جبهة الحدود اليمنية السعودية مواجهات مفتوحة على كل الاحتمالات. ويأتي التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة واحدا من بين اهم تلك الاحتمالات. ويتحدث مراقبون عن امكانية استغلال عناصر القاعدة لتلك الحالة واتخاذ تلك المناطق وسيلة للاختباء او التسلل بسهولة الى داخل الاراضي السعودية لتنفيذ الهجمات. وبات من المعتاد ان تربط عدة مصادر بين القاعدة والحوثيين وقوى الحراك الجنوبي. وبالرغم من عدم وجود أي روابط فكرية بين الثلاثة، وربما ايضا مؤشرات التحالف على الواقع. لكن الهدف الذي يجمعهم في المرحلة الحالية هو وحدة العدو المشترك. ويقول المحلل السياسي محمد مجاهد الزيات انه لا يستبعد إمكانية وجود صلات تنظيمية بين القاعدة والحوثيين نتيجة لعدة أسباب منها أن المناطق الجبلية التى يحارب فيها الحوثيون الآن كانت هى الملاذات التى تتحصن فيها القاعدة من قبل، حيث لا توجد سيطرة أمنية فيها، وكذلك وحدة العدو لدى الطرفين وهو الحكومتان السعودية واليمنية. ويشير الزيات إلى أن الحوثيين يضمون في صفوفهم تكتلا قبلا كبيرا من قبائل بكيل، وان هناك عناصر من القاعدة على علاقات مصاهرة بهذا التكتل القبلى الذى يلعب على قاعدة عدو عدوي صديقي. وفي المحافظات الجنوبية والشرقية التي تشهد عودة قوية للاحتجاجات، تشير التقارير المحلية الى ان حالة من الانفلات الامني غير المسبوق تسود عدة مناطق، وان عناصر القاعدة اصبحت في مأمن. وبحسب مصادر رسمية ، فان تلك العناصر استهدفت مصالح الدولة هناك منها الهجوم الاخير على سيارة اسعاف تابعة للمستشفى الجمهوري بعدن وسيارة اخرى تابعة للمؤسسة العامة للاتصالات بمحافظة أبين. موضحة ان البعض خرج علنا الى الشوارع حاملا الرايات السوداء والتي ترمز للتنظيم. وقالت تلك المصادر ان الشيخ طارق الفضلي وراء العديد من الاختلالات الامنية وبأنه حول محافظة أبين الى مركز ايواء لعناصر القاعدة. وبعيدا عن الروايات الرسمية المتعلقة بالقاعدة والتي ينظر اليها في بعض الاحيان بأنها مبالغة او قائمة على التضليل بهدف استعطاف الدعم الاقليمي والدولي. رفض النائب الاسبق علي سالم البيض ربط الحراك الجنوبي بالقاعدة، مبديا قلقه من ذلك. واعتبر البيض بأن هدف النظام من ربط الحراك الجنوبي بالقاعدة خلال الفترة الاخيرة يهدف الى استدرار تأييد ومساندة القوى الإقليمية والدولية التي تخوض مواجهة مع تنظيم القاعدة. غير ان الوقائع على الارض تشير الى ان تنظيم القاعدة يشهد تناميا، وان التطورات التي تمر بها الساحة المحلية تمضي في صالح استراتيجيته. والى جانب اعلان االتنظيم مسؤوليته عن الحادثة التي وقعت الشهر الماضي في محافظة حضرموت وادت الى مقتل سبعة عسكريين يشغلون اهم المناصب الأمنية في المحافظة. ابرز التنظيم خلال الاسبوع الماضي شريط فيديو على الانترنت يصور فيه حادث مقتل رئيس قسم التحريات بالبحث الجنائي في محافظة مارب بسام طربوش. وفيما ظهر الرجل وهو ينصح الناس بألا يشاركوا في أعمال كالتي قام بها، محذرا إياهم من الاستدراج للعمل لصالح المخابرات الامريكية. اوضح مصدر مسؤول في وزارة الداخلية بأن الاجهزة المختصة توصلت الى معلومات مهمة من شأنها أن تؤدي الى القبض على الجناة. وقال المصدر ان " عناصر إرهابية من تنظيم القاعدة في محافظة مأرب اقدمت على تنفيذ عملية إرهابية وإجرامية ينبذها الدين والمبادئ والقيم الإسلامية وعادات وتقاليد المجتمع اليمني الأصيل استهدفت بها احد أنشط ضباط الأمن العاملين في محافظة مأرب المقدم بسام سليمان طربوش رئيس قسم التحريات بالبحث الجنائي بالمحافظة حيث تم استدراجه من قبل تلك العناصر الإرهابية واختطافه مساء يوم الاثنين الموافق 28/6/2009م وظل مختطفا لديهم وقاموا بتعذيبه وقتله بطريقة إجرامية شنيعة انتقاما وحقدا على رجال الأمن وجهودهم في متابعة العناصر الإرهابية الخارجة عن الشرع والقانون وتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع." وتعتبر القاعدة بأن وجود عناصرها في اليمن مقدمة لضرب المنشآت النفطية في الدول الخليجية. وقبل عملية تكساس الاخيرة، نقل عن بيان للقاعدة القول " لو هلك كل من في ولاية تكساس فلن نوفي المسلمين حقهم، وسنبقى نقاتل الامريكيين ولن نتركهم ابدا، الادارة الامريكية لم تكن يوما تأبه بشعبها وإنما تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية." لكن ومنذ وقوع عملية "فورت هود" التي وصفتها مصادر امريكية بأنها الاعتداء الاكثر تدميرا في الولاياتالمتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر، اثارت الصحافة الامريكية امكانية وجود صلات محتملة للحادث الذي نفذه مالك نضال حسن وهو امريكي من اصل فلسطيني، ويعمل طبيبا نفسيا لدى الجيش الامريكي، وبين الشيخ اليمني انور العولقي الذي تقول بأنه على صلة وثيقة بعناصر القاعدة، بينهم اثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر. والاهم ان العملية بينت مدى تحقق المخاوف السابقة والقلق المثار ضمن التصريحات الامريكية التي تذهب للقول "أنه اذا قوي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإن قادتهم قد يستخدمون هذه الجماعة والتواجد المتزايد للمقاتلين الأجانب في المنطقة لتدعيم قدراتها على القيام بالعمليات الخارجية." ووصف ريتشارد باريت- منسق لجنة الاممالمتحدة لمراقبة عقوبات طالبان والقاعدة- جناح تنظيم القاعدة في اليمن بأنه اخطر فروعه الاقليمية لانه الاقرب الى القيادة ويسعى لمهاجمة السعودية. موضحا في تصريحات نشرت مؤخرا ان خطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تضاعفه قدرة التنظيم على الاختباء في اليمن الذي يعاني من عدم الاستقرار وجرأة طموحه الذي ظهر في أول هجوم على عضو بالعائلة المالكة منذ بدأت القاعدة هجماتها في المملكة في 2003م. ويقول " اذا نظرت للعلاقة بين القاعدة في منطقة الحدود الافغانية الباكستانية وبين اي جماعة في الخارج فأوثق هذه العلاقات العلاقة مع الناس من القاعدة في اليمن." مشيرا الى ان اليمن هو المكان الذي يحاولون الابقاء على اوثق اتصال معه. واشار باريت الى ان اجنحة اخرى للقاعدة من بينها مثلا جناحا شمال افريقيا والقرن الافريقي تنفذ على الارجح هجمات اكثر تواترا لكن صلات جماعة الجزيرة العربية مع عرب الخليج في تنظيم القاعدة الرئيسي اعطاها نفوذا اضافيا في الشبكة العالمية. وقال باريت "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو الجماعة الاساسية للقيادة لان اعضاءه من شبه الجزيرة العربية ويمكنهم التنقل بسهولة وهم متناغمون ثقافيا مع كثيرين داخل القيادة."