يشكو كثير من الآباء والأمهات من تخريب أولادهم كل ما تصل إليه أيديهم من الأشياء والأدوات ، فيكثرون عليهم من اللوم والتأنيب ويعاقبونهم بأنواع الجزاء المختلفة دون أن يجدوا لذلك فائدة مما يزيد غضبهم وقلقهم . ما هي أسباب التخريب ؟ للتخريب أسباب منها : قلنا مراراً إن لدى الطفل غرائز تدفعه للعمل والحركة والبحث عن أسرار الأشياء ، من هذه الغرائز غريزة حب الاستطلاع وغريزة التخريب والبناء ، وهذه الغرائز من نعم الله تعالى ، وضعها في الأطفال ، فيجهل كثير من الآباء فهم سرها ومغزاها . إن الولد الذي يعثر على ساعة أبيه ويسمع دقاتها ، تشتاق نفسه إلى معرفة أسرارها الداخلية مدفوعاً بغريزة حب الاستطلاع فيأخذ في فكها وتركيبها ليتعلم . يثور الأب على ساعته ، وحق له أن يثور على هذه الساعة، فيأخذ في عقاب الطفل ، فيتألم لما ناله من جزاء يرى أنه لا يستحقه ، لأنه إنما كان يقصد بعمله من تفكيك الساعة الوقوف على أسرارها . فما هو الحل العملي الطبيعي في هذه الحال ؟ الحل أن يقدم الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم على الدوام أدوات رخيصة يمكن فكها وتركيبها ليشبعوا غريزتهم دون أذى، كما يحسن أن يخصصوا لأطفالهم غرفة خاصة أو مكاناً خاصاً ليقوموا بعمل ما يشاؤون دون أن يفسدوا أغراض المنزل . إن الآباء والأمهات لو فعلوا ذلك لينالوا فوائد كثيرة منها أنهم يحفظون أدوات البيت سليمة ، ويشجعون أولادهم على البحث والملاحظة والاختراع . أما إذا اقتصروا على عقاب الطفل ومنعه من اللعب بالأشياء، فإنهم يقلبون البيت إلى جحيم ، ويقتلون في الطفل الغرائز المفيدة التي تجعل منه مخترعاً ومفكراً ، وقد يحدثون فيه الكبت ( الحصر ) وهو يؤدي إلى كثير من الأمراض العصبية المختلفة كما ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع . ولابد من الإشارة ، إلى أن أحسن الألعاب ليس أغلاها ثمناً، وهي ذات ( الزنبرك ) بل الذي يمكن تفكيكه وتركيبه بسهولة ، لذا فإن ألعاب ( الميكانو ) وعدة قطع خشبية ملونة مختلفة الأحجام والأشكال يبني بها الطفل ما يريد ، خير من كثير من الألعاب الثمينة التي لا تتطلب من الطفل إلا النظر أو العمل القليل فقط . *قد يصادف أن كثيراً من الأطفال يخربون الأشياء دون فائدة ولا غاية ، وهذا صحيح ، وعملهم هذا ليس ناشئاً من غرائز حب الاستطلاع والفك والبناء ، إنما هو يعود إلى أسباب نفسية ناجمة عن الغيرة والغضب والحسد. وهناك حالات قليلة نجدها عند بعض الأطفال الذين يخربون ويهدمون كثيراً مما يصل إلى أيديهم من أدوات المنزل دون أن يكون ذلك لحب الاستطلاع ، أو نتيجة الغيرة أو الحسد . وهذه الحال تعود إلى أسباب لا شعورية بحاجة إلى طبيب نفساني لمعالجتها وكذلك تعود إلى أمور مكبوتة منذ الصغر . الطفل الغيور ضحية وليس جانياً وبمجرد أن ترزق الأُم بطفل جديد، أو يزور الأسرة ضيوف بأطفالهم، ينقلب حال الصغير رأساً على عقب، ويبدو كشيطان حقود يدبر المقالب ويستفز الضيوف، ويؤذي أخاه، ويضرب الأطفال الآخرين، ويغضب سريعاً وبشكل حاد مما يثير قلق الأبوين ويشعرهما بالخجل من صغيرهما. هذه الحالة يلخصها لفظ واحد هو "الغيرة" وهي حالة إنفعالية داخل الفرد، ولها مظاهر خارجية يمكن الاستدلال منها على المشاعر الداخلية رغم أنّ الطفل يحاول جاهداً إخفاء غيرته وإطفاء مظاهرها. علامات الغيرة: يؤكد د. أحمد علي بديوي -كلية التربية جامعة حلون - أنّ الطفل الغيور هو غالباً طفل فشل في الحصول على أمر مرغوب، كالحب أو اللعب أو النقود، ورأى طفلاً آخر حصل على كل هذا، فانتابه إنفعال مركب من حب التملك والشعور بالغضب والرغبة في الانتقام من هذا الطفل الآخر. - وللغيرة علامات يمكن للأبوين اكتشافها، أهمها نوبات الغضب، والميل إلى الصمت، والإنزواء، والتهجم، وضعف الشهية، ونقص الوزن، واصفرار الوجه، والصداع، والشعور بالتعب، والطفل الغيور أيضاً عدواني ومخرب سريع الغضب، وحاد الإنفعالات، وشديد الخوف، ومتأخر دراسياً، ويتبول لا إرادياً. وهو ضحية وليس جانياً، ضحية لفتور العناية به بعد قدوم طفل آخر، وللمقارنة بينه وبين الآخرين لغير صالحه، ولتعلقه الشديد بأحد الوالدين مما يشعره بالغيرة من الآخرين.