كان الأمير أحمد فضل بن علي العبدلي ( القمندان) مؤرخاً وشاعراً وفناناً سابقاً لعصره وزمانه واستطاع أن يوقف عجلة دوران الزمان والمكان (بحرفية العظماء من رواد الفكر والتنوير أرخ تاريخ لحج) من خلال ما قدمه في نتاجه وعطائه الفني الإبداعي الثري والضخم، فقد نجح في كتابة (هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن) في رصد ذاكرة (التاريخ السياسي/الثقافي/الفني/الأدبي/العسكري/الاجتماعي/الاقتصادي) والمحافظة على التراث والأصالة، والأهم من ذلك أنه قام بتجميع وتدوين وتوثيق واستخدام كل الألفاظ والمفردات والعبر من منابعها الأصلية ليضمها بين دفتي (قاموس لغوي بالغ الأهمية) تجسد في ديوانه الشعري الفاخر والبديع (المصدر المفيد في غناء لحج الجديد)،كانت لحج الخضيرة ومازالت حاضرة بين أشعاره ودواوينه التي وثقت ودونت بالكلمة والنغمة الرقصات الشعبية والإيقاعات المتعددة المتنوعة المعبرة في تراكيبها وتفاصيلها الفنية عن طقوس وعوالم ساحرة موغلة في عمق الأرض والحضارة والتاريخ وتتحدث عن مناسبات مرتبطة بمكونات الزراعة والجني والحصاد و الصرابة والاستسقاء ومواسم هطول الأمطار على امتداد فصول السنة بمختلف مناخاتها المتقلبة، (نجح القمدان في التقاط اللحظة الزمنية بذهن صافٍ عبقري قلما يجود بمثله الزمان)، رسم في دواوينه وقصائده وأشعاره وألحانه خارطة موطنه ووطنه وسجل بأنصع صفحات التاريخ الأحداث والوقائع، الانتصارات والإنكسارات، الأفراح والأحزان التي مرت بها، ( لحج) الفن والثقافة والإبداع والعراقة والأصالة. الإرتباط التاريخي الإبداعي: في هذه التناولة المقتضبة نؤكد من خلال قراءتنا النقدية الفنية الإرتباط التاريخي الأزلي الروحي الإبداعي والإنساني الذي جمع بين الأمير احمد فضل القمندان والفنان فيصل علوي الذي حمل على عاتقه مهمة توصيل (الرسالة الفنية) بكل شفافية وصدق وأمانة للأجيال المتعاقبة في كل أصقاع المعمورة، قائماً بذلك الجهد المضني الشاق يدفعه إليه انتماؤه وعشقه وحبه الكبير(لقدسية وأهمية ما قدمه الأمير القمندان من خدمة أدبية فنية غنائية ثقافية جليلة) أكد من خلالها هوية ومذاق وخصائص الغناء اللحجي الأصيل بنكهته المتفردة المتميزة، فاستطاع فناننا المبدع فيصل علوي أن ينفض غبار الزمان عن (الأغنية اللحجية) وأعطاها ووهبها من روحه ونبضه وفؤاده عناصر مقومات الاستمرارية والديمومة والخلود ،متبنياً كل ذلك (بصوته الإلهي الهبة) على بساط حنجرته (الذهبية) التي طافت وحلقت(ببساتين الحسيني و الرماده وجداولها الرقراقة) ووديان وسهول وهضاب وروعة جمال الطبيعة الخلابة الآسرة في (لحج الخضيرة) إلى مدارات وفضاءات رحبة شاسعة وكونية. إنني كلما أستمعت إليه في أغنياته وألحانه أجده يضيف أحاسيسه المعبرة ومشاعره وخلجاته المرهفة المتدفقة (كسيل منهمر)، واضعاً كل ذلك الجهد المبذول بشكل راق ومبهر في أسلوب غنائه وعزفه الساحر الأخاذ، فقد استطاع (بن علوي) ببراعة وإقتدار أن يروي ظمأ وعطش قلوبنا التي امتلأت بتلاوين عزفه وصوته وبكل ما لديه من طاقات خلاقة وحضور لافت، زارعاً بين ثنايانا ونفوسنا وشغاف قلوبنا الخير والتسامح ، فكسانا وألبسنا رداء المحبة بفيض من عطاءاته وفنونه وروحه الرومانسية الحالمة المعطرة بسحابات ومزن الجمال والأمل والتفاؤل، ( فيصل علوي سيمفونية القمندان الخالدة المتجددة وثروة قومية جمالية وإنسانية وشمت بمشوارها الفني المتألق وحفظت في الذاكرة والضمير و الوجدان الوطني والعاطفي على إمتداد التاريخ الغنائي الموسيقي اليمني القديم والمعاصر). فإلى قصيدة القمندان الشهيرة (ياقلبي تصبر):