في كل بقاع الأرض.. وفي كل الثقافات.. وفي كل الأزمنة يظل حب الوطن والاستعداد للدفاع عنه والولاء له، قيمة اعتبارية عليا لا تقبل المساومة أو المناورة، أو التفريط بها.. وفي قلب كل منا نحن أبناء اليمن من شرقه الى غربه الى جنوبه الى شماله، حب قوي أصيل لوطننا لا يدانيه حب آخر، ولا يقبل النسب المنخفضة من الحب القوي الراسخ.. من أجل الوطن ينسى الناس خلافاتهم.. ومن أجله تندمل انشقاقات الجروح الاجتماعية والثنايات السياسية، والصراعات الحزبية القبلية والمناطقية وهذه الروح الجميلة ظل اليمانيون يرتبطون من خلالها بوطنهم ويدينون له بالوفاء والانتماء.. كثيرون قالوا إن ما تشهده اليمن من اختلافات ومن تعدد في الرؤى، ومن تباين وخلاف، مسألة صحية، وانها الثمن الباهظ للانتقال من مرحلة غابت عنها الديمقراطية، وتاهت فترة من التعددية والقبول بالآخر، الى مرحلة جديدة، الى عهد انفتح فيه الوطن على مصراعيه ليسير في طريق الانفتاح الشامل للحريات وللديمقراطية المفرطة. ولذا لا خوف على اليمن من هذا الاتجاه وهذا المنحى وفي معمعة الأخطاء الأخيرة، وفي صورة الاختلاف تتشكل تجربة يمنية مميزة.. تجربة فرضت على القيادة السياسية أن تعتاد قسوة الاختلاف، وحدة التعدد وشراسة الشطط والهيجان الشعبي.. كما أنها تجربة أوضحت لقوى وتيارات وائتلافات المحتجين، وراكبي موجة الاحتجاجات، تلونات المواقف والتواءات السياسيين، ونقاء الشباب وصدق البسطاء الذين ظنوا أن التمرد على السائد القائم من تجربة الإدارة قد يوصلهم الى حال أفضل.. وربما الآتي والقادم لن يكون بمثل الصورة الملونة المزخرفة!!. وبين كل هذا الاصطراع.. وكل هذا التنازع وفي غابة التساؤلات عن الآتي، وعن هوية القادم، لنا أن نسأل أين الوطن؟ أين الحرص على اليمن؟ لا خلاف على التغيير.. لكن كيف؟ وبمن؟ ولماذا؟ وإلى أين سيصل بنا وبالوطن التغيير الذي تدافع كثيرون للتمسح به وسارعوا الى الالتصاق به؟!! مع أن بعضهم أشد احتياجاً للتأهيل الذاتي الذي يجعله جديراً بما يدعو إليه ويجب ونحن في غمرة موجة الرغبة في التغيير أن نقرأ جيداً ما حفل به ماضينا البعيد وماضينا القريب ونتعظ بدروسه، وخاصة تلك الحالات التي مارست إحراق المراحل، أو تلك التي مارست إقصاءً للآخر، ومن جرائه ورثنا نتائج مازلنا الى اليوم ندفع فاتورتها الباهظة!!. كلنا.. في هذه المرحلة الراهنة مطالبون أن نتعلم كيف نختلف، وحتماً علينا أن نتعلم كيف ندير خلافاتنا.. لسنا بحاجة الى كل هذا التراكم من الأحقاد.. ولسنا بحاجة الى أن نضيف الى التاريخ اليمني أعباء أخرى وهو تاريخ ينوء كاهله بأعباء الصراعات التي تحولت الى ألغام موقوتة تنفجر أمام سير الحياة الطبيعية.. وبالطبع لسنا بحاجة كشعب وأمة الى نيران الأحقاد الشخصية، والأحقاد السياسية والأحقاد الطائفية والمناطقية والفئوية والجهوية. لماذا لا نتعظ من الموروث ونرتقي فوق الصغائر، ونزيح عن أنفسنا وعن بصائرنا غلالات الضبابية، وغبار الاحتقانات؟ لماذا لا نتعلم كيف ننتصر للوطن ونحتمي بالوطن وندين بالوفاء والولاء للوطن؟.